مقالات

معالم مصر التاريخية علي مر العصوربقلم المهندس/ طارق بدراوى** حي الظاهر **

سلسلة معالم مصر التاريخية علي مر العصور
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
** حي الظاهر **
حى الظاهر حي من أحياء القاهرة القديمة وجاءت هذة التسمية نسبة إلى السلطان المملوكي الظاهر بيبرس رابع سلاطين دولة المماليك في مصر والذى خلف السلطان سيف الدين قطز في حكم مصر بعد إنتصارهما معا علي التتار في معركة عين جالوت التي جرت عام 668 هجرية الموافق عام 1260م وكان السلطان الظاهر بيبرس بحق من أعظم سلاطين دولة المماليك ومن أفضل أعماله أنه أنشأ نظما إدارية جديدة في الدولة الإسلامية كما أنه إشتهربذكائه العسكري والدبلوماسي وكان له دور كبير في تغيير الخريطة السياسية والعسكرية في منطقة البحر المتوسط وقد بنى الظاهر بيبرس مبانى كثيرة في المنطقة المعروفة بإسمه أى حي الظاهر حاليا كان من ضمنها جامع كبيرهو جامع الظاهر بيبرس في أكبر ميادين الحي الذى يسمي أيضا ميدان الظاهر ويطلق علي الجامع أحيانا إسم مدبح الإنجليز وذلك لأنه في أيام الإحتلال الإنجليزي لمصر كانت القوات المحتلة قد قامت بإغلاق الجامع وحولته لمدبح عجول ومواشي وخرفان وظلوا يستخدموه في هذا الغرض لسنين طويله وكان أهالي الحي قد إستمروا في إقامة شعائر الصلوات في المنطقة حوله نكاية في الإنجليز ولما خرج الإنجليز من مصر وإنتهي الإحتلال عاد الجامع يستخدم مرة أخرى في أداء الصلاة والعبادة ولكن بقي أبناء الحي العريق يطلقون على ميدان الظاهر والموجود في وسطه الجامع ميدان مدبح الإنجليز وعلي الجامع نفسه مدبح الإنجليز …..
وشوارع حي الظاهر تتسم بظاهرة غريبة جدا في مسمياتها لأن كل الشوارع في كل أنحاء مصر تكون عادة بأسماء أشخاص يتكون إسمهم من إسمين أو ثلاثة وأحيانا يشمل إسم الشارع صفة صاحبه فنجد علي سبيل المثال شارع البطل أحمد عبد العزيز أو شارع عبد المنعم رياض بينما في حي الظاهر نجد أسماء الشوارع أغلبها من إسم واحد مثل شارع حمدي أو شارع زكي أو شارع جعفر أو شارع ذهني وحتى الميادين نجدها مثل الشوارع منسوبة لشخص مكون إسمه من إسم مفرد مثل ميدان الظاهر وميدان السكاكيني وميدان فخري ومن الشوارع الكبيرة الرئيسية بالحي شارع الظاهر وشارع الجيش والذى يعد كتاب تاريخ حقيقي حيث يتميز بوجود العمارات والبنايات القديمة التي تشاهد في واجهاتها المشربيات والتراسات ذات الكوابيل ذات الطراز الإنجليزي والفرنسي ولكن للأسف يعلوها التراب وتعاني من الإهمال الشديد كما يضم الحي شارعين تجاريين كبيرين هما شارع بورسعيد وشارع الفجالة ومن الشوارع الهامة أيضا في حي الظاهر شارع قنطرة غمرة وشارع السكاكيني باشا وشارع إدريس راغب كما نجد في حي الظاهر عدد كبير من المعابد اليهودية وبعضها نجده سليما والبعض نجده قد أصبح أنقاضا وبالحي أيضا المدرسة الإسرائيلي والتي أصبحت حاليا المدرسة الثانوية الفنية وذلك لأن الطائفة اليهودية في مصر كانت مستوطنة ومتمركزة في منطقة حي الظاهر بشكل أساسي ……
ومن أهم تلك المعابد اليهودية التي توجد بحي الظاهر والتي لايعرفها الكثيرون ومنهم أهالي حي الظاهر نفسه معبد عتص حاييم المعروف بإسم باروخ حنان ويقع هذا المعبد فى 3 شارع قنطرة غمرة قرب ميدان الجيش بحي الظاهر ويرجع تاريخ إنشائه إلى عام 1900م ويعتبر نموذجا لمجموعة المعابد التي أنشئت في نهاية القرن التاسع عشر الميلادى كما يوجد معبد آخريسمي معبد نسيم إشكنازى فى 4 شارع الكوة وقد شيده نسيم يعقوب إشكنازى أحد أبناء الطائفة اليهودية بمصر عام 1913م كما هو مدون أعلى الواجهة الجنوبية للمعبد والمطلة على شارع الكوة وبالإضافة إلي هذين المعبدين يوجد معبد ثالث يسمي معبد كرايم بحاد إسحاق ويقع في 9 شارع إبن خلدون وقد إشتهر أيضا بإسم معبد كرايم نسبة إلى لقب إسم من قام ببنائه الجباى ذكى كرايم والذي قام بالإشراف على بنائه في الفترة من عام 1925م إلى عام 1932م كما هو مدون باللوحة الرخامية الموجودة بجوار مدخل المعبد …..
وتنتشر بحي الظاهر المقاهي التي تقدم لزبائنها مشروبين تشتهر بهما تلك المقاهي هما القرفة بالحليب والشاي بالحليب ولنتذكر أغنية محمد فؤاد يعني إيه كلمة وطن التي يقول فيها شاي بالحليب على قهوة في الظاهر هناك نسمة عصاري السيدة ودير الملاك ونلاحظ أن المقاهي القديمة لاتزال محتفظة بنظام المناضد الرخام القديمة بينما الجديد منها يتخذ نمط الكوفي شوب الحديث كما يوجد بالحي سوق يسمي سوق شارع حمدي وهو سوق للخضروات والفاكهة يعتبره أهل الحي أجمل و أغلى من سوق التوفيقية الذى يتواجد في منطقة وسط القاهرة ويتصف سكان حي الظاهر بالترابط ووجود روح المودة والمحبة بينهم وغالبيتهم يعرفون بعضهم البعض كما نلمح روح الوحدة الوطنية بين المسلمين والأقباط الذين يسكنون في الحي و بصورة واضحة جدا وتجدهم يشاركون بعضهم البعض ويتبادلون التهاني في الإحتفال بالمناسبات الدينية والأعياد في جو مليء بالمحبة والمودة المتبادلتين كما تجد أغلب أبناء حي الظاهر القدامي من خريجي مدارس الراهبات أو الرهبان المتواجدة داخل الحي أو علي مقربة منه مثل المدرسة المارونية ومدرسة الفرير المعروفة بإسم الكولاج دي لاسال والمدرسة البطريكية ومدرسة القلب المقدس ومدرسة سان فان سان دي بول ومدرسة الجيزويت ومدرسة راهبات الديليفراند وكان ذلك غير مرتبط بالحالة المادية للعائلات لأن كل هذه المدارس العريقة لم تكن تكاليفها أو مصروفاتها غالية ……
ومن المعالم الأثرية الإسلامية بحي الظاهر جامع الظاهر بيبرس الذى أشرنا إليه في صدر هذا المقال والذى أنشأه السلطان الظاهر بيبرس عام 665 هجرية وقد ورد هذا الجامع في تاريخ المقريزي وهو يعتبر من أكبر جوامع القاهرة ومسقطه الأفقي مربع تقريبا حيث يبلغ طول ضلعيه 103 في 106 متر بإجمالي مساحة حوالي 11 ألف متر مربع ولم يبق منه سوى حوائطه الخارجية وبعض عقود رواق القبلة ولحسن الحظ كثير من تفاصيله الزخرفية سواء الجصية منها أو المحفورة في الحجر وتعطينا هذه البقايا فكرة صحيحة عما كان عليه الجامع عند إنشائه من روعة وجلال وقد أجريت له عمليات تجديد وترميم وتطويرإستغرقت وقتا طويلا إلي أن إنتهت منذ شهور قليلة وتخطيط هذا الجامع على نسق غيره من الجوامع المتقدمة يتألف من صحن مكشوف يحيط به أروقة أربعة أكبرها رواق القبلة وكانت عقودها محمولة على أعمدة رخامية فيما عدا المشرفة منها على الصحن فقد كانت محمولة على أكتاف بنائية مستطيلة القطاع كذلك صف العقود الثالث من جهة الشرق كانت عقوده محمولة على أكتاف بنائية أيضا أما عقود القبة التي كانت تقع أمام المحراب فإنها مرتكزة على أكتاف مربعة بأركانها أعمدة مستديرة وكانت هذه القبة كبيرة مرتفعة على عكس نظائرها في الجوامع السابقة فإنها كانت صغيرة متواضعة أما واجهات الجامع الأربع فمبنية من الحجر الدستور فتحت بأعلاها شبابيك معقودة وتوجت بشرفات مسننة وإمتازت بأبراجها المقامة بأركان الجامع الأربعة وبمداخلها الثلاثة البارزة عن سمت واجهاتها ويقع أكبر هذه المداخل وأهمها في منتصف الواجهة الغربية قبالة المحراب وقد حلى هذا المدخل كما حلى المدخلان الآخران الواقعان بالواجهتين البحرية والقبلية بمختلف الزخارف والحليات فمن صفف معقودة بمخوصات إلى أخرى تنتهى بمقرنصات ذات محاريب مخوصة إلى غير ذلك من الوحدات الزخرفية الجميلة إقتبس أغلبها من زخارف واجهات جامع الأقمر وجامع الصالح طلائع الفاطميين ومدخل المدرسة الصالحية وكانت المنارة تقع في منتصف الواجهة الغربية أعلى المدخل الغربي وقد عانى الجامع لفترة طويلة من الإهمال الشديد فكان قلعة حربية في عهد الحملة الفرنسية على مصر ثم تحول في عصر محمد على باشا إلى معسكر لطائفة التكارنة السنغالية ثم إلى مصنع للصابون وأخيرا تحول إلى مذبح في عهد الإحتلال الإنجليزي وفي عام 1893م إهتمت لجنة حفظ الآثار العربية بإصلاح الجامع ومحاولة إرجاعه إلى مهمته الأصلية وأخيرا نجحت وزارة الآثار في إعادة ترميمه لما له من قيمة تاريخية عظيمة ولم يكن جامع الظاهر بيبرس الشاهد الوحيد على عراقة الفن المعماري الإسلامي في العصر المملوكي فهناك العديد من الجوامع التاريخية الشاهدة على عبقرية الزمان وبراعة المهندسين والبنائين والفنانين المسلمين سواء التي تم بناؤها قبل عصر الظاهر بيبرس أو بعده ومن أبرزها الجامع الأزهر وجامع الحاكم بأمر الله ومجموعة السلطان قلاوون ومجموعة السلطان قايتباى ومجموعة السلطان قنصوة الغورى وغيرها …..
ومن معالمحي الظاهر أيضا عدة كنائس منها ماتسمي بدير طورسيناء وقد تم وضع حجر الأساس لها عام 1893م وتم إفتتاحها عام 1899م وهي تتبع طائفة الروم الأرثوذكس وتتبع إداريا دير سانت كاترين في جنوب سيناء حيث يقوم عليه طائفة من الرهبان والكهنة اليونانين وتعتبر تلك الكنيسة دير أيضا للعبادة والتبتل وبداخلها مكان لإقامة الكهنة و الرهبان وللإسف ممنوع دخول المصريين إليها كما توجد بالحي كنيسة أخرى هامة هي كنيسة السيدة العذراء مريم بالفجالة والفجالة كانت مكانا جميلا جذب الكثير من الأعيان والعائلات الغنية التى سكنت فى بيوت فخمة وقصور وفيلات بها وكان منهم نسبة كبيرة من العائلات القبطية وبعد أن تزايد الأقباط بشكل كبير فكر دميان بك جاد الذى كان يعمل محاسبا ماليا وكان في نفس الوقت ناظرا لكنيسة الملاك البحرى بدير الملاك بالإشتراك مع أخيه واصف افندى فى بناء كنيسة على إسم القديسة العذراء مريم بالقرب من بيتهم وبحيث تخدم أقباط منطقة الفجالة بالكامل وبالفعل بدأ دميان بك يخطط ويعد لهذا العمل ولكنه توفي قبل أن ينفذ الفكرة فتولى تنفيذ الفكرة من بعده شقيقه ميخائيل بك جاد والذى تولى نظارة كنيسة الملاك البحرى بعد وفاة شقيقه دميان بك جاد ونجح فى إستصدار القرار الرسمى بإنشاء الكنيسة فى أيام حكم الخديوى توفيق وعرض الأمر على البابا كيرلس الخامس بابا الأقباط حينذاك والذى فرح جدا وإفتتح قائمة الإكتتاب بمبلغ من المال وتبرع ميخائيل بك جاد بالأرض التي بنيت عليها الكنيسة بالإضافة إلى أكثر من نصف المبلغ الذى تم بناء الكنيسة به وتم جمع التبرعات اللازمة حيث ساهمت العائلات القبطية والتى نذكر منها عائلة المجبر وعائلة سميسم وعائلة حبشى مينا الذى أوقف على الكنيسة سبعة ونصف فدان فى بسترة بدمنهور بمحافظة البحيرة للصرف منها علي إحتياجات الكنيسة ورواتب العاملين بها وصيانتها وأقيمت أول صلوات بها فى شهر سبتمبر عام 1884م وتعد هذه الكنيسة من أول الكنائس التى بنيت فى القاهرة فى العصور الحديثة بعد الكنيسة المرقسية التى بنيت عام 1800م وبعد وفاة ميخائيل بك جاد ناظر الكنيسة تولى إبنه الأكبر جونى بك جاد نظارة الكنيسة وإستكمل بعض الإنشاءات المستجدة بها حيث بنى بيت السيدات البحرى الذى أصبح كنيسة الملاك حاليا وبيت القربان والمنارة بتكلفة حوالى ألف جنيه …..
ومن المعالم الشهيرة في حي الظاهر قصر السكاكيني ويعد أجمل تحفة معمارية في الحي بصفة خاصة وفي مصربصفة عامة وهو مبني وسط ميدان تتفرع منه ثمانية شوارع وكأن القصر قرص الشمس والشوارع هي أشعتها وبالتالي أصبح نقطة مركزية بالمنطقة وكان من الصعوبة الحصول على موقع بهذا التميز إلا أن علاقة صاحب القصر بالحكام في ذلك الوقت سهلت هذا الموضوع ويعد قصر السكاكيني من أقدم القصور التي تم بناؤها في مصر حيث تم بناؤه عام 1897م في عهد الخديوى عباس حلمي الثاني علي يد حبيب باشا السكاكيني في منطقة الظاهر بشرق القاهرة وقد إستعان مالك القصر حبيب باشا السكاكيني بمجموعة من المهندسين المعماريين الإيطاليين قام باستدعائهم خصيصا للمشاركة في بناء قصره والذى تتداخل فيه الطرز المعمارية المختلفة من حول العالم ويعتبر نموذج للفن المعروف بإسم الروكوكو وقد سميت المنطقة التي تم تشييد القصر بها بإسم صاحب القصر وأصبحت تسمي بالسكاكيني وقد تم بناء القصر علي الطراز الإيطالي حيث بنته شركة إيطالية متخصصة كلفها السكاكيني باشا بإنجاز هذا العمل الضخم على أن يكون نسخة من أحد القصور التي شاهدها في إيطاليا وأعجب به ووقع في غرامه وقد بني القصر علي مساحة 2700 متر مربع تقريبا ويضم أكثر من 50 غرفة ويبلغ إرتفاعه 5 طوابق ويحتوى على أكثر من 400 نافذة وباب وحوالي 300 تمثال منها تمثال نصفى لحبيب باشا السكاكيني يوجد أعلى المدخل الرئيسي للقصر إلى جانب تمثال لفتاة يسمى تمثال درة التاج نجده يتكرر في أماكن كثيرة من القصر ومعظم هذه التماثيل من الرخام المستورد خصيصا من إيطاليا ويحيط بالقصر حديقة مساحتها صغيرة فصلته إلى حد ما عما حوله من مباني وفي الجزء الخلفي منها توجد نافورة أمامها تمثالان لأسدين من الجرانيت الأبيض كما يميز القصر القباب المخروطية التي تغطي الأبراج الأربعة المتواجدة بكل ركن من أركانه غير القبة الكبرى التي تغطي وسط الدور العلوى من القصر

المهندس طارق بدراوي شهاب الدين

زر الذهاب إلى الأعلى