مقالات

□ منظومة القيم الأخلاقية هي أساس الفساد □ بقلم / عاطف عبدالوهاب

الاستاذ / عاطف محمد عبد الوهاب

■ من المعروف أن لكل مجتمع بشرى نظامه القيمي والأخلاقي الذي يضبط العلاقات بين الأفراد، هذا النظام قد يشتد ويضعف، ومصر لا تمثل استثناءً من هذه القاعدة، فقد تعرض المجتمع المصري في العقود الأخيرة لتحولات اقتصادية واجتماعية وسياسية عديدة أحدثت انقلابًا في منظومة القيم الاجتماعية الإيجابية التي صاغت سلوك المصريين، ووحّدت توجهاتهم وصبغت الشخصية المصرية بطابع فريد من المروءة والجدية والإتقان والتسامح واحترام الآخر والصدق وإنكار الذات وغيرها من القيم الأصيلة، وأفسحت هذه التحولات المجال لقيم سلبية معوقة، شوّهت السلوك النمطي للشخصية المصرية.
فقد ساد المجتمع بعض القيم السلبية، والتي تمثلت في ظاهرة الفساد المتغلغل في كافة المؤسسات والأجهزة الحكومية، حيث أصبح الفساد نظامًا عامًا في المجتمع، وتراجعت أمامه قيم النزاهة والشفافية. كما سادت القيم المادية على علاقات الأفراد، فأصبحت المصالح والمنافع الشخصية هي التي تحدد شكل العلاقات الإنسانية. وتكرست قيم اللا مبالاة وقيم الاستهلاك الترفي والنزعة الفردية، وتراجعت قيم الولاء للجماعة والوطن وقيم التضامن الاجتماعي والحوار والكفاءة والتنافس، وأيضًا تراجعت أيضًا قيم الابتكار والبحث العلمي والجدية والمهنية والعلمية، ولم يعد الترقي المهني والوظيفي قائمًا على التحصيل العلمي والكفاءة والخبرة، بل نتيجة للوساطة والمحسوبية والقرابة والشراكة في الفساد. ولا يعدو أن يكون تزايد العنف المادي والمعنوي إلا وسيلة لترسيخ ثقافة العنف والتطرف وشيوع أنماط من السلوكيات اللا معيارية مثل الكذب والنفاق والرشوة والغش وبيع المخدرات. كل تلك القيم السلبية أدت إلى تفتيت المجتمع، وإهدار جهود الكفاءات وتبديد أرصدة القوة الفكرية والعلمية وبث روح اليأس في النفوس، مما أدى إلى انتشار الفساد في المجتمع.
ومن آثار الفساد تشجيع التهرب الضريبي؛ وهي ظاهرة منتشرة في مصر، ويعاني منها الاقتصاد المصري كثيرًا، حيث إنها تكلف الاقتصاد 100 مليار جنيه سنويًا، مما يفقده مصدرًا مهمًا من مصادر التمويل، وهذا يتجلى بوضوح في عجز الموازنة العامة. وقد اشتدت حدة التهرب نتيجة الفساد البيروقراطي وانعدام الشفافية، وبسبب تغطية بعض الشبكات العليا في المؤسسات المالية والاقتصادية (الجمارك، البنوك، وإدارة الضرائب..إلخ) على المتهربين في مقابل الحصول على العمولات والرشاوى.
وكذلك من الآثار، عرقلة التنمية الاقتصادية؛ حيث لا يمكن تحقيق تنمية اقتصادية شاملة أمام الدور الذي يقوم به الفساد في التأثير سلبًا على النشاط الاقتصادي، وهو ما يمنع بالفعل خلق قطاعات منتجة، وتجاوز الاقتصاد الريعي. ومن هنا جاءت الخطط الإصلاحية للاقتصاد المصري لتغير في شكل الاقتصاد دون أن تغير في المضمون، لذلك لم تفلح في خلق فرص التنمية الحقيقة نتيجة لعدد من المؤشرات مثل، استمرار ارتفاع أسعار السلع والخدمات، وارتفاع معدلات الفقر، والأمية، والبطالة، وانتشار العشوائيات، وتدني مستوى الخدمات الصحية والتعليمية، وتعطيل الاستثمار الوطني والأجنبي، وبدت ملامح تفشي الفساد والمحسوبية والاحتكار واضحة في عمليات تخصيص الأراضي والإنتاج الصناعي والقروض البنكية. وتوازى مع ذلك الزيادة الكبيرة في تعداد السكان، فتكالبت العوامل الاجتماعية السلبية الناتجة عن الشعور بعدم الاستفادة من تحقيق معدلات نمو جيدة لاقتصار نفعها على الطبقة العليا، وانسداد الأفق في حدوث تحول إيجابي مستقبلي .

زر الذهاب إلى الأعلى