مقالات

أحلام الشرقيون…. بقلم / عاطف عبد الوهاب

العالم الغربي يتقدم تقدماً ملحوظاً ومازال العالم العربي يحلم ويحلم وذلك بسبب اليأس والتراجع عن تحقيق أهدافه..وقد ذكر الخبير القانوني المستشار خالد سلام في سرده لأحلام الشرقيون في كتاباته المبهرة واسهب يقول أن

الاستاذ عاطف محمد عبد الوهاب

الشرق يحلم في أن يصنع تاريخا.. فكلما خـط سطرا على جبهة التاريخ، حولته أيدي العابثين إلى إرث عائلي أو شخصي عفن.

الشرق يحلم، ويحلم أطفاله.. فكلما فكروا في حلم هبطت إليهم كوابيس المرارة واليأس والقنوط.. فيجهض الحلم قبل المخاض.
الشرق يحلم في أن يعزف على أوتار الحب العفيف أمانيه.. فينام على عهر، ويصحو على عهر جديد.
الشرق يحلم في أن يتخلص من الإقطاع.. فيتحرر من شكل من أشكاله، ويرزح تحت أشكال وأنواع وألوان من الإقطاع الجديد.
الشرق يحلم في أن يعانق الفضاء.. فكلما حاول أن يلثم منه الخدود، وجد نفسه يقبل منه القدمين والنعلين.. فيمرغ خديه في التراب.
الشرق يحلم في أن يحيي الضمير.. وكلما حاول، وجد نفسه منهمكا في أوحال الأنانية والذاتية الدونية.
الشرق يحلم في أن ينفض عن جناحيه غبار السنين.. فكلما انتفض، علق جناحاه بأوحال الأيام والليالي.
الشرق يحلم في أن يخلع عباءته البدوية.. فكلما حاول خلع عباءة، ألبسوه عباءات جديدة.
الشرق يحلم في أن يتساوى فيه الرجال والنساء في الحقوق والواجبات.. وكلما حاول، وجد المساواة في تشبه كليهما بالآخر.
الشرق يحلم في أن ينام على السرير.. وكلما استيقظ، وجد نفسه تحت السرير.
الشرق يحلم في أن يرسم أمانيه على دفاتر.. فكلما أمسك بالقلم نفد المداد.
الشرق يحلم في أن يتسلق الجبال.. وكلما حاول، وجد نفسه في حافة الهاوية.
الشرق يحلم في أن يرضي الإله.. وكلما فعل حل علية الغضب والبلاء.
الشرق يحلم في أن يسمع صوته في الملأ.. فكلما صرخ, لم يسمع إلا صداه.
الشرق يحلم في أن يفوز بالجنة.. فكلما سعى إليها, وجد نفسه في جحيم أليم.
الشرق يحلم في أن يدخل التاريخ من الأبواب.. فكلما دخل من باب, لفظته الحضارة من النوافذ.
الشرق يحلم في أن يرفع راية السلام البيضاء.. فكلما رفع راية, وجدها ملطخة بدماء القتلى والجرحى والشهداء.
الشرق يحلم في أن يسخر ما لديه من موارد.. وكلما حاول.. وجدها مسخرة للصوص ومصاصي الدماء.
الشرق يحلم في أن يصير غنيا.. وكلما حاول, وجد الفقراء يتسكعون هنا وهناك.
الشرق يحلم في أن يتحرر من جهله.. وكلما حاول, وجد مسامير الجهل مغروسة في كيانه من رأسه حتى أخمص قدميه.
الشرق يحلم في أن يمتلك قوة تؤهله لأن يكون محترما بين الدول.. وكلما أعـدّ قوة, وجدها قد دمرت في مهدها بمخططات المتآمرين.
الشرق يحلم في أن تسود فيه قوانين العدل و المساواة.. فينام على ظلـم, ويفيق على شرائع الغاب.
الشرق يحلم في أن يحتسي كؤوس نشوة الحياة.. وكلما أعد الأكواب, وجـدها مترعة بالأسى والعلقم.
الشرق يحلم في أن يغرد كالعصافير والبلابل.. فكلما أنشد أغنية, هبت الرياح العاصفة فأخرسته بأزيزها.
الشرق يحلم في أن يطير في الفضاء.. وكلما حاول, أسقطته سهام الصيادين الغادرين.
الشرق يحلم في أن يبني مستقبله بيده.. فكلما وضع لبنة فوق لبنة, جاءت السيول فجرفت كل ما تم من بناء.
الشرق يحلم.. ويحلم.. ويحلم.. ويظل الحلم بعيدا.. بعيدا عن الواقع!!
الشرق بدأ أحلامه بالوحدة والحرية والاشتراكية.. قبل أن يشبع فكره ومشاعره ورؤاه.. فتحطمت الوحدة في اتفاقية سايكس بيكو، وانتحرت الحرية أمام حدائق بابل المعلقة، وأعدمت الاشتراكية بين أبراج اللصوص وبين مخيمات الفقراء واللاجئين والمضطهدين!!
الغرب حلم.. وانتهى من عصر الأحلام.. وحولها إلى واقع ملموس تتجلى فيه كل الحضارة والتقدم والازدهار..
أيها الشرق كفاك رقصا وغناء مع الدجالين من الراقصين والراقصات والمغنين والمغنيات.. كفاك فقرا وأنت تدفع ( شوابيش وبخاشيش ) وأتاوات لمن يحركون مشاعرك البهيمية.
انتفض أيها الشرق على أصنامك وأوثانك وأزلامك، وكفاك ركوعا للقبور والصخور والصدور والخدور والبخور.. وكفاك أوهام أدعية في الأضاحي والنذور.. وانتفض على التراب الذي مرغوا كرامتك بذراته.. والثم أشعة الشمس وضوء القمر، وانشق عطر الزهور وشذا الورود الناعمة الغضة النديـة المفعمة بالحياة.. وتعلم أناشيد الحرية من عصافيرك التي تتراقص فرحة بجمال الطبيعة.. ولا تستسلم لصياديك، فأسلحة صيدهم صدئت، وباتوا يخشون من ظلهم الذي يتبعهم صباح مساء.. وغنّ قصيدة الإرادة مع أبي القاسم الشابي، وتأمل فلسفة الحياة والحرية التي يصنعها الأحياء لا الأموات:

زر الذهاب إلى الأعلى