مقالات

** التطور الإنساني * * بقلم / عاطف عبد الوهاب

** التطور الإنساني * * بقلم / عاطف عبد الوهاب
كلنا أبناء أدم , ومع نزول أدم للأرض تناسل أبناء أدم مع مرور السنين وانتشروا في كل مكان , ثم تكونت المجتمعات في البداية وتطورت حسب الحاجة والبيئة , ومع تكون التجمعات البشرية ظهرت الضرورة لخلق قوانين ونظم تحكم تلك التجمعات الوليدة , وليس مهما تفاصيل ظهورها وتطورها , ولكن ما يهمنا أن كل تجمع بشري على مساحة معينة في هذه الأرض , اكتسب ميزات وطابع خاص خلقته ظروف تلك المجموعة , وشيئا فشيئا كبرت التجمعات وظهرت الزعامات والقيادات التي لابد منها لإدارة الحياة الجديدة وتوفي سبل العيش أو الدفاع عن مكتسباتها وحدودها ووجودها , ومن الطبيعي ألا تنفرد حضارة أو تجمع بشري عن الآخر بالمساهمة الكاملة في تطور البشر على جميع الأصعدة , إنما كانت سلسلة من الإبداعات والإضافات والتلاقح الحضاري والثقافي بين الأمم كافة , ومن الطبيعي أيضا أن تتميز حضارة عن أخرى في المساهمة في بناء الإنسان كما هو اليوم بحسب طبيعتها وسياساتها في التعامل مع العلم والحاجة وحتى المنطق والفلسفة والآداب المختلفة , وحتى الديانات البشرية السماوية أو الوضعية كان لها دور كبير في توجيه دفة الحياة أو ربما تعطيلها أحيانا بحسب تعامل البشر معها وبحسب رؤيتهم وتفسيراتهم لتعاليم تلك الأديان , وحتى حروب البشر كانت تدار بأهداف مختلفة من قبل القادة , فأحيانا تكون لأهداف دينية (كما الحروب الصليبية) , وأحيانا تكون لأهداف اقتصادية أو سياسية كما في أغلبها , وربما لأهداف شخصية جنونية أيضا .
المهم أن مساهمات البشر في كل زمان ومكان كانت دائما تراكمية , بمعنى أن بعض الحضارات تأخذ من الأخرى وتزيد طابعها الخاص عليها , ومع اضمحلال حضارة وظهور أخرى تظهر الاقتباسات والزيادات بشكل واضح , وما نراه اليوم من صور الحياة العصرية لايمكن بحال من الأحوال إسناد الفضل فيه لحضارة دون أخرى , وإن يكن حضارة ما ساهمت في جانب إنساني أكثر من الأخرى , إلا أن النتيجة في النهاية هي نتيجة إفرازات لتراكمات حدثت عبر ألاف السنين .
ولا يخفى علينا أن مما يميز بعض الحضارات عن أخرى هو العامل الزمني , فهناك حضارة موغلة في القدم وأخرى حديثة , وهناك حضارات تربعت على عرش البشرية أطول زمنا من غيرها .
التاريخ البشري ومنذ ظهوره وحتى أن يرث الله الأرض ومن عليها هو أشبه ببناء يقوم على العديد من الأعمدة كلها تساهم في وقوفه والحفاظ عليه , ومساهمات البشر عبر الحضارات والقرون ليست إلا قطع من الفسيفساء الكونية تظهر متألقة من بعيد , وربما تظهر أكثر قبحا لو اقتربت كثيرا منها , وهذا ما يحاول بعض الجهلاء المتعالين على غيرهم بمغالطات تاريخية ضيقة الأفق وكأنهم يرون الكون من منظارهم الضيق , ويجردون بكل عنجهية وكبر وصفاقة بقية البشر من كون أن لهم أي وجود في تلك اللوحة الفسيفسائية البشرية , هو نفس غرور وكبر وحماقة فرعون عندما قال ( أنا ربكم الأعلى ) .
في سردٍ سريع ومختصر نشير إلى بعض الحضارات وأماكن ظهورها بشكل عام ( ولا تهمنا الدقة التاريخية للمعلومة بقدر الإطار العام لتلك الحضارات ) :
– الحضارة السومرية :
ظهرت في بلاد الرافدين , حوالي 3500 سنة ق .ب , ومن أهم مساهماتهم ظهور الكتابة , البناء , نظام الحساب , الزراعة والسدود وقنوات الري
– الحضارة الفرعونية :
3100 ق . م , وقد طوروا الكتابة “بعد السومريين” , ورق الكتابة (البردي) , والزراعة , بناء المعابد وخاصة الإهرامات ” لدفن ملوكهم بكنوزهم وأثاثهم اعتقادا أنهم سيعودون للحياة ويحتاجون كل ذلك , لا حظوا اختلاف فلسفتهم عن فلسفة مسلمي عرب الصحراء والقرب من الحكمة الإلهية الصحيحة ” , كما برعوا في الآداب والطب والهندسة والحساب والفن والصناعات الراقية الدقيقة .
– الحضارة الهندية :
2300 ق . م , برعوا في الزراعة وطرق الري , تطور النظم السياسية والاجتماعية , صناعة المنسوجات .
– الحضارة الصينية :
3000 ق . م , الزراعة , والحرير , شق الطرق , نظم الري .
– الحضارة اليونانية :
1100 ق . م , التصميمات الهندسية على الفخار, المنحوتات , تطور علوم اللغة والسياسة والنظم التعليمية، والفلسفة، والعلوم، والفنون .
– الحضارة الرومانية :
275 ق.م , ورثت العمارة الرومانية من الإغريقية كافة فنونها في العمارة والنحت والزخرفة , ووضعوا بصمتهم الخاصة على أسلوب البناء , وخاصة نظام الأقواس , كما انشات مرافق التسلية كالمدرجات و المسارح وكذلك انشات الطرق والمدن .
– الحضارة الفارسية :
559 ق.م , برعوا في صناعة الخزف والنسيج وأعمال التعدين في النحاس والذهب والحديد , والخزف والنسيج .
– الحضارة الإسلامية :
570 ميلادي , ربما تكون أخر الحضارات القديمة بالنسبة لنا اليوم .
( اقتباس ) ,, ” الدولة الإسلامية التي انشأها رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن عبد الله واستمرت تحت مسمى الخلافة في الفترات الأموية والعباسية بالعلوم والمدنية كما اهتمت بالنواحي الدينية فكانت الحضارة الإسلامية حضارة تمزج بين العقل والروح فامتازت عن كثير من الحضارات السابقة. فالإسلام كدين عالمي يحض على طلب العلم ويعتبرهُ فريضة على كل مسلم ومسلمة، لتنهض أممه وشعوبه. فأي علم مقبول باستثناء العلم الذي يخالف قواعد الإسلام ونواهيه. والإسلام يكرم العلماء ويجعلهم ورثة الأنبياء. وتتميز الحضارة الإسلامية بالتوحيد والتنوع العرقي في الفنون والعلوم والعمارة طالما لا تخرج عن نطاق القواعد الإسلامية. لأن الحرية الفكرية كانت مقبولة تحت ظلال الإسلام. وكانت الفلسفة يخضعها الفلاسفة المسلمون للقواعد الأصولية مما أظهر علم الكلام الذي يعتبر علماً في الإلهيات. فترجمت أعمالها في أوروبا وكان له تأثيره في ظهور الفلسفة الحديثة وتحرير العلم من الكهنوت الكنسي فيما بعد. “
– قرابة العام 1000 للميلاد نشر عَالم الطب العربي ‘‘الزهراوي‘‘ /1500/ صفحة يشرح فيها عن أسس وأساليب الجراحة وأدواتها، وقد ظل هذا الكتاب مرجعاً للأوروبيين، فقد كان الزهراوي أول من قام بالعملية القيصرية، والتي ساهمت فيما بعد بنجاح الملايين من حالات الولادة حول العالم.
– قام الرجل الشهير عباس بن فرناس في القرن التاسع للميلاد بتصميم أول جهاز ذي أجنحة يمثل شكل طائر، وقد قام بتجربته عدة مرات محاولاً الطيران للتحول فكرته إلى إلهام استطاع فيه ليوناردودافينشي تطوير تصميمه.
– “الجبر” يأتي أصل الكلمة في أغلب اللغات الأوروبية من كتاب ’’الجبر والمقابلة’’ المكتوب في القرن التاسع الميلادي، وهو كتاب مبني على الجذور الهندية واليونانية القديمة، حيث حمل تطوراً جديداً فنظام الجبر فيه نظام رقمي موحد للأرقام الصحيحة وغير الصحيحة.
– قام عالم البصريات ابن الهيثم بشرح كيفية عمل العيون لأول مرة في تاريخ البشرية، وذلك بإثبات أن العين هي أداة لاستقبال الضوء المعكوس من الأجسام وليست مصدراً للضوء كما كان يُعتقد لدى الإغريق. وهو أول من قال بأن العدسة المحدبة ترى الأشياء أكبر مما هي عليه وهو أول من شرح تركيب العين .
– الفلك والجغرافيا :
ذا العلم الذي بدأ قبل الإسلام، ولكن قام علماء العرب والمسلمين بتطوير الأدوات الخاصة به بهدف الملاحة وتحديد المواقع. ولعل أهم الأدوات الفلكية التي قدموها هي الإسطرلاب والحاسبات التناظرية والكرات الجغرافية المختلفة. كما أن العرب أول من قدم خارطة متكاملة للعالم القديم، ولعل أبرزها تلك التي قدمها الإدريسي . ” نهاية الاقتباس ” .
والأن ,, يهمنا أن نطرح ( وجهة نظر ) خاصة هنا
ما قدمه علماء الإسلام عبر كل زمن وفي كل مكان , لا يمكن فصله عن ذلك الدين الذي حفزهم على طلب العلم وكونه فريضة على كل مسلم , وأولئك العلماء والذين ساهموا في ولادة أوربا الحديثة عبر انتقال مساهماتهم وكتبهم وجامعاتهم في الأندلس إلى بقية أوربا , هم لبنة في ذات البناء البشري الذي تحدثنا عنه سابقا , ولو اقتصرت مساهمتهم في ظهور علم الجبر من العدم لكفتهم .
يتضح لنا مما سبق , أن تشدق بعض الجاهلين أو تعمد التجاهل الأعمى والتحيز لأمة أو حضارة , ووصفها بأنها أم الحضارات وسيدة الكون , ما هي إلا حماقات وأفق يلقي بصاحبة في دائرة التعصب والهوى .
والأن , لنترك تلك المساهمات التي ساهم بها أبناء الإسلام في كل أقطار الأرض , وهي متوفرة لمن أراد المزيد من المعرفة على الشبكة العنكبوتية , فلنلقي الضوء قليلا على دور ( بدو وأعراب الجزيرة , اصحاب الخيام والإبل ) في كل هذه الحركة التاريخية , ولا يسعنا إلا الرفض التام والقاطع لمن يصنف أولئك البدو بتصنيف بيئي أو مكاني , فعرب الجزيرة عبارة عن قبائل متقاربة النسب ومتشابهة الظروف ومتقاربة المكان والحدث , وتاريخها مترابط كحدث واحد .
لقد شاءت إرادة الله أن تتنوع مساهمات البشر عبر تاريخهم الطويل بين مساهمات مادية علمية , وأدبية وروحية , فبعث الأنبياء بثقافة خاصة وأيدهم بكتب معينة ومعجزات وتعاليم ربما ساهمت بشكل ما في تطور العلوم بعد ذلك , ويكفينا أن نشير إلى المعلومات الهائلة التي مازال العلم يكتشفها يوميا سواء في العلوم الطبية أو الفيزيائية أو الاجتماعية وغيرها كثير في قرآن الإسلام الذي نزل على بدو الجزيرة وصحرائها ورجالها الذين تغلب عليهم الأمية وحياة القسوة والجفاف , كما شاءت إرادة الله أن يخص أولئك البدو الأميين بأخر دين سماوي , يكمل كل ما بدأته الكتب السماوية في تربية الروح والرقي بالنفس للتقرب من الخالق , ولا بد أن نشير لمعجزة أخرى في كتاب أولئك البدو اصحاب الإبل والغنم , وهو كونه كتاب احتوى على آيات محكمة وفيها الإعجاز اللفظي والأدبي , ويكفي أنه كتاب ظل أكثر من 1440 سنة لم ولن يتغير فيه حرف واحد , علاوة على أن ملايين البشر يحفظونه عن ظهر قلب رجالا ونساء شيوخا وأطفالا , وتعهد الخالق بحفظه إلى حين يبعثون .
بدو الصحراء رعاة الإبل والغنم , أخرج الله من بينهم خير البشر , وخير الأديان , وخير الكتب , وخير القرون , (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ) .
هذه هي مساهمتهم في سلم التطور الإنساني , فالفراعنة يفتخرون بأهراماتهم , والهنود يفتخرون بحكمتهم وبتاج محلهم , والصينيون يفتخرون بسورهم العظيم , واليونانيون والرومان والفرس والبابليون والآشوريون وكل المجموعات البشرية تفتخر بما قدموه للبشرية من طب وبناء وزراعة وصناعة , وحتى المسلمون غير بدو الصحراء رعاة الإبل والشاه , يفتخرون بمساهماتهم في الطب والفلك والجغرافيا وتأليف الكتب وبناء أول مستشفى في التاريخ والمكتبات العظيمة وغير ذلك .
إلا أن بدو الصحراء الرحل رعاة الشاه والإبل قدموا أخر عقيدة وأخر كتاب رباني وأخر طريقة صحيحة تربط الخالق بالمخلوق , هذه ليست بقدراتهم الإنسانية , ولكنه تشريف لهم من رب الفراعنة ورب الإغريق ورب الرومان والفرس والصينيين , قدموا كتاب أرسله الله لهم لن تستطيع أمم الأرض أن تغير فيه حرف واحد , وبهذا الكتاب خرج بدو الصحراء رعاة الشاه والإبل وفرضوا كلمة الله على ظهور تلك الإبل والخيول وعلى أرجلهم الحافية ليخضع جبابرة العالم من فراعنة وفرس وقياصرة وهنود لمشيئة رب العباد وخالقهم .
ومازال أحفاد أولئك البدو يتشرفون بدمة بيت الله المقدس , فحولوا مكة الوادي غير ذي زرع المحاط بالجبال من كل الجهات , لواحة حضارية تعج بالأبراج الشامخة والمياه التي لا تنقطع , وأزالوا الجبال العظيمة لتتسع المساحات حول بيت الله العتيق لتستوعب ملايين المسلمين , ومازالت تلك التوسعات تتواصل حتى يخيل للإنسان الناظر من الفضاء لمنطقة البيت العتيق كأنه ينظر لقطعة متلألئة من عالم سحري من الأضواء والمباني الشامخة , تلك اللؤلؤة التي لا ينطفئ بريقها ليل نهار , ومازال أولئك أحفاد البدو الرحل رعاة الشياه والإبل ينسبون كل الفضل لرب السموات والأرض , يذكرون ذلك في كل مناسبة وفي كل احتفال , ولم يُشهد عليهم قط أن أحدهم قال هذا من فضلنا ومالنا وإرادتنا .
هل تكفي هذه المساهمة البسيطة من بدو الصحراء رعاة الشاه والإبل في منظومة الحضارة الإسلامية يا من عمى الكبر والغرور أعينكم عن التواضع لله وللتاريخ وللأخوة في الدين والنسب والوطن

زر الذهاب إلى الأعلى