مقالات

الصدام الغـربي مع الإسلام.. بقلم / عاطف محمد عبد الوهاب

الصدام الغـربي مع الإسلام.. بقلم / عاطف محمد عبد الوهاب

بعد حروب بوش واحتلاله لدولتين اسلاميتين وتهديداته العسكرية والسياسية للدول الاسلامية المجاورة لهما هل يمكننا الإستمرار في اعتبار صدام الحضارات مجرد خرافة؟. وكيف نعتبرها كذلك وقد أعلن بوش عن صليبيتها وعن الوحي الذي يحركه لتنفيذها؟. وماذا عن إقتران عسكرية بوش بحروب الفوضى البناءة التي قوضت توازنات دول المنطقة وهددت الدول المقاومة لهذه الفوضى؟. لقد خلفت حروب بوش العسكرية واللينة أكثر من مليون قتيل وثلاثة ملايين مصاب من المسلمين. وهي حملت عـنوان “الصـدمة والترويع” مارستها شعوب تسأل “لماذا يكرهوننا؟”. وهي ممارسة يفسرها الطب النفسي وفق السيرورة التالية: “طالما انكم تكرهوني دون سبب فسأعطيكم الأسباب التي تبرر كرهكم لي”. ولعل هذه السيرورة تفسر فنون التعذيب في السجون الاميركية العابرة للبلدان من غوانتانامو الى أبو غريب مروراً بسجن باغرام الافغاني. ونكتفي هنا بتقارير التحقيقات الاميركية التي بينت ان طائفة من كبار الاطباء النفسيين الاميركيين هم الذين وضعوا برامج تعذيب المعتقلين. ونذكر بالمناسبة ان عضوية الاتحاد السوفياتي في الجمعية العالمية للطب النفسي قد علقت لعشر سنوات (من 1979 الى 1989) لاستخادم الاختصاص في التحقيق مع المعتقلين السياسيين المحليين. فهل تستحق الولايات المتحدة تعليق عضويتها في الجمعية لفترة مماثلة بعد كل هذه الممارسات؟ ومن يطالب بذلك. وبالعودة الى التحقيقات الاميركية حول الممارسات اللاانسانية ضد المسلمين تقول الصحف الاميركية ان مستشاري الرئيس أوباما الاستخباريين قد نصحوه بوقفها لانها ستضع القيم الاميركية موضع اتهام وتشكيك. كما انها سوف تستبع محاكمة الرئيس بوش ونوابه وقادته العسكريين بما يشكل كارثة على جهاز القيم الاميركي. كما على المصداقية الاميركية ونماذج الديمقراطية الاميركية المعدة للتصدير. وبالفعل اوقفت هذه التحقيقات. وبما اننا نتحدث عن الفوبيا والهلع فهل يمكن قياس مستوى الخوف الفعلي والرعب الواقعي الذي خلفته حروب بوش على الشعوب المحتلة؟. وبالمقارنة مستوى رعب الشعوب المسلمة التي هددت على مدى سنوات بالتعرض لعدوان مماثل؟. لقد ولدت الحروب الغربية على المسلمين آثاراً متطابقة مع شعارها “الصدمة والترويع” وهو ترويع حقيقي ومعيش وليس خوفاً هيستيرياً متخيلاً كما في حالة الاسلاموفوبيا. وبالعودة للطب النفسي فان أكثر الضحايا المسلمين تضرراً يتوزعون على فئتين. الأولى توحدت بالمعتدي الغربي فوضعت نفسها في خدمته إتقاءً لعدوانه ورغبة في إقلاب تهديداته وأذيته الى فوائد. وهذه الفئة ستتعرض لصدمات نفسية عنيفة بعد نهاية تهديد العدوان لانها ستعيش حالة فقدان الهوية وأزمة وجودية قد تؤدي الى الانتحار بعد محاولات التبرير واظهار التوبة وغيرها من الدفاعات. أما الفئة الثانية فهي فئة المتعرضين للكارثة المعنوية. حيث خوفهم وحزنهم ومعاناتهم يتخطى الفردية الى الجماعة. اذ يشعر الفرد ان التهديد لا يطال شخصه وانما يهدد مثالياته (دينه وقيمه ووطنه وعائلته واستمرارية نوعه… الخ). وهي معاناة متضخمة لات نتهي بإنتهاء التهديد. بل لعلها تنطلق بعده. ووفق المعطيات العلمية النفسية فان حروب بوش قد خلفت عشرات الملايين من المسلمين المصابين بالصدمات النفسية. وهؤلاء يمكن تبرير افعالهم العدوانية ان ارتكبوها. في المقابل فان انتقاء مصطلح الاسلاموفوبيا بديلاً من مصطلح “العداء للإسلام والمسلمين” يهدف لتبرير هذا العداء بمرض نفسي هو الفوبيا. وهو تبرير لممارس عداوة الاسلام كما لمن ينتقد هذه الممارسة. لكن الفوبيا ليست بالمرض الذي يرفع المسؤولية عن المصاب به وبالتالي قهي لا تعفي ممارسيه من مسؤولية اعمالهم وممارساتهم. في المقابل فان التحليل النفسي يعتبر الفوبيا احد اشكال الهيستيريا وبالتالي فهي قابلة للانتقال بالعدوى. كما انها قابلة للتحول الى جماعية لتعم شعوب باكملها. وهذا تحديداً ما فعلته المخابرات وتتابعه عبر حملات التخويف الاعلامية العارمة للجمهور الغربي قبل حدوث اي فعل يمكن تصنيفه على انه ارهاب اسلامي. وبالانتقال الى ما بعد حوادث 11 سبتمبر يكفي ان نتابع أثر عرض صورة الطائرتين وهما تخترقان برج التجارة العالمي كي ندرك سهولة تحريك الهيستيريا الجماعية لدى الجمهور الاميركي والغربي عامة. و بالمتابعة الصحفية يتبين لنا ان ادارة بوش اتخذت من اثارة الهيستيريا عن طريق التخويف سياسة معتمدة. اذ كلما ارادت هذه الادارة الضغط على الكونغرس وعلى الجمهور كانت تلجأ لبث شائعة تخويفية عن توقع عمل ارهابي قادم. وعندها يستسلم الكونغرس والجمهور معاً. ومع غياب اللوبي الاسلامي او العربي في الولايات المتحدة بات مصطلح الاسلاموفوبيا يحل مكانه دون ان يوظف لغاسة الآن لمصلحة الآسلام. لكن تاجر التخويف كان عليه ان يدرك ان الانفعالات التي يسببها هذا التخويف يمكنها ان تستخدم ضد المصالح الاميركية والغربية. ختاماً فان الاسلاموفوبيا هي اضطراب نفسي قابل للكمون كما هو قابل للإثارة وهو يحول المعانين منه الى فئران تجارب ليس فقط لبوش وادارته ومحافظيه الجدد بل ايضاً لكل من يريد إثارة هذه الهيستيريا. وتكفي شائعة غاطسة مسوقة عبر الانترنت لذلك. وهكذا فانننا لا نرى في الاسلاموفوبيا ظاهرة ،كما تفترض غالبية الدراسات السابقة، بل نرى فيها اضطراباً هيستيرياً جماعياً يستوجب العلاج. دون ان يعني ذلك مسامحة الممارسات الهيستيرية كون الهيستيريا لا تلغي المسؤولية. وأيضاً دون ان يعني ذلك التوقف عن ملاحقة المتلاعبين بعقول الملايين من البشر بجرم معاداة الانسانية. وعند هذا المحور يجب التوقف لقبول او رفض اية دعوة قادمة لحقوق الانسان.

زر الذهاب إلى الأعلى