مقالات

معالم مصر التاريخية علي مر العصوريكتبها: المهندس “طارق بدراوى” ** حي الجمالية **

سلسلة معالم مصر التاريخية علي مر العصور
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
** حي الجمالية **
حى الجمالية من أقدم وأعرق أحياء القاهرة عاصمة مصر وهو يتمتع بشهرة تاريخية وعالمية لأنه يعتبر مجمع تراث القاهرة منذ بنائها منذ أكثر من ألف عام ففيه الجامع الأزهر وجامع الحاكم بأمر الله وجامع الأقمر وغيرها وفيه أسوار القاهرة وابوابها مثل باب زويلة وباب الفتوح وباب النصر وغيرها وفيه المدارس الأيوبية والمملوكية وخان الخليلى والصاغة والنحاسين وهناك رأيان في سبب تسمية الحي بالجمالية الرأى الأول يفيد بأن إسم الحي منسوب إلى الأمير بدر الدين الجمالي وزير الخليفة المستنصر بالله الفاطمي الذي بنى الأسوار ذات الأبواب الحجرية حول القاهرة بعد أن تهدمت أسوار جوهر الصقلي والرأى الثاني يفيد بأن أصل التسمية يعود إلى بناء الأمير جمال الدين الإستادار في العصر المملوكي الجركسي وتحديدا في عام 811 هجرية الموافق عام 1409م مدرسته الشهيرة المسماة المدرسة الجمالية والتي كانت من أعظم مدارس القاهرة في المنطقة المعروفة الآن بالجمالية رغم أن السلطان فرج بن برقوق إستبدل إسمها من المدرسة الجمالية إلى المدرسة الناصرية إلا أن العامة ظلوا يسمون المنطقة بالإسم الأول لتلك المدرسة وهو الجمالية ويزخر حي الجمالية بالكثير من الآثار التي لها تاريخ إسلامي فيكفي أن يقع بالحي شارع المعز لدين الله الفاطمي الذي يحتوي على كثير من الآثار التي يأتي إليها السياح والذى يعد متحفا مفتوحا زاخر بعبق التاريخ ……
ويشمل الحي جامع الأزهر الشريف أهم معالم مصر الإسلامية بالإضافة إلي خان الخليلي أشهر الأسواق التجارية والذي يقصده السياح لشراء الهدايا من مصر ومقهى الفيشاوي وبيت القاضي وحارة اليهود وبيت الست زينب خاتون وبيت الهراوي وبيت السحيمي وحي الحسين الذي يقع به مسجد الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب حفيد النبي محمد صلي الله عليه وسلم وتبلغ مساحة هذا الحى العريق تقريبا 2.5 % من مساحة القاهرة الحالية أى حوالي 36 كم مربع ويحده من الشمال حى الحسينية وحي الظاهر ومن الجنوب حى الدرب الأحمر ومن الشرق جبل المقطم الذي كان فوقه قلعة الجبل مقر إقامة وحكم سلاطين وولاة مصر منذ عصر الدولة الأيوبية وحتي عصر الخديوى إسماعيل في منتصف القرن التاسع عشر الميلادى ومن الغرب حي باب الشعرية وحي الموسكى ويضم حى الجمالية 18 شياخة أهمها شياخات الجمالية وبرقوق وقايتباى والبندقدار والمنصورية والدراسة وبها جامع الإمام الحسين بن علي رضي الله عنهما والأهرام والعطوف وقصر الشوق والخواص وباب الفتوح وخان الخليلي والخرنفش وبين السورين …..
ويحد حى الجمالية التاريخي من الشرق شارع المعز لدين الله ومنطقة بين القصرين ومن الشمال والغرب باب الفتوح وباب النصر وجزء من سور القاهرة الفاطمي ومن الجنوب شارع الأزهر وفي العصر الفاطمي كانت هذه المنطقة خمس مساحة القاهرة تقريبا وكانت فيها قصور الخلافة الفاطمية وملحقاتها وبعد نهاية الدولة الفاطمية سنة 1171م على يد السلطان صلاح الدين الأيوبي تدهور حال القصر الفاطمي وأصبح يسكن في أجزاء منه عامة الناس وأسس الأمير جهاركس الخليلى وكان أحد أمراء الدولة المملوكية في عهد السلطان الظاهر برقوق سوق خان الخليلى سنة 1382م على أنقاض تربة الخلفاء الفاطميين في مصر والتي عرفت بإسم تربة الزعفران وكانت على الجزء الجنوبي من قصر الخلافة الفاطمي وفي سنة 1409م حل الأمير جمال الدين يوسف الإستادار الوقفيات في منطقة رحبة باب العيد وبنى المدرسة الجمالية ومن بعده بنيت الدور وسكنت عامة الشعب في المنطقة فظهرت فيه الحوارى الضيقة والأزقة التي تشعبت مع مرور الأيام ونتيجة ذلك أن ظهر بعد ذلك إلي الوجود حى الجمالية …..
والآن تعالوا بنا نتجول بين الآثار الإسلامية التي يضمها حي الجمالية ولنبدأ بالجامع الأزهر والذى يعد من أهم المساجد في مصر ومن أشهر المساجد علي مستوى العالم الإسلامي وهو جامع وجامعة في نفس الوقت منذ أكثر من 1000 عام وقد بدأ إنشاؤه علي يد جوهر الصقلي قائد الخليفة الفاطمي الأول المعز لدين الله وبأمر منه عام 359 هجرية الموافق عام 970م وكان قد أسس أولا مدينة القاهرة عام 358 هجرية الموافق عام 969م ثم بدأ في إنشاء الجامع الأزهر بعد ذلك بعام حيث تم وضع حجر أساسه يوم 14 رمضان عام 359 هجرية وإستغرق البناء سنتين ليتم الافتتاح في شهر رمضان عام 361 هجرية فكان أول مساجد مدينة القاهرة التي إكتسبت بعد ذلك لقب مدينة الألف مئذنة كما أنه يعد أول أثر فاطمي في مصر وقد إختلف المؤرخون في أصل تسميته بالجامع الأزهر وإن كان علي الأرجح أن الفاطميين سموه بهذا الإسم تيمنا بالسيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها إبنة النبي عليه الصلاة والسلام وكان الهدف في البداية من بناء الجامع الأزهر أن يكون مركزا لنشر المذهب الشيعي في مصر فقد كان الخليفة الفاطمي الأول في مصر المعز لدين الله هو الإمام الرابع لطائفة الشيعة الإسماعيلية وأيضا لكي تصبح القاهرة مركزا لتلك الطائفة وفد بذل الخلفاء الفاطميون جهدا جبارا لكي يتحول أهل مصر من المذهب السني الذى يتمسكون به إلى مذهبهم هذا ولكن باءت تلك الجهود بالفشل الذريع وبقي أهل وشعب مصر على مذهبهم السني الوسطي الذى يميزهم عن أى شعب آخر فالمصريون يحبون آل البيت النبوى ولكن دون تقديس قد يدخلهم في مخالفة الشرع الحنيف وفي نفس الوقت يتبعون سنة النبي عليه الصلاة والسلام وبعد إتمام بناء الجامع الأزهر تم تعيين عدد 35 عالم به لتدريس العلوم الدينية من قرآن وحديث وفقه وخلافه وكان بذلك ثاني أقدم جامعة قائمة بشكل دائم في العالم بعد جامعة القرويين في تونس والتي أنشأها الفاطميون أيضا وفي عهد الخليفة الفاطمي العزيز بالله مابين عام 975م وعام 996م تم توسيع الجامع الازهر وترميم ماتصدع من جدرانه ومن بعده أكمل الخليفه الحاكم بأمر الله أعمال الترميم وصنع له بابا خشبيا عام 1010م وفي ذلك الوقت بدأ الجامع الأزهر يضيق بالمصلين وكان الخليفة العزيز بالله قد بدأ في بناء مسجده وأكمله إبنه الحاكم بأمر الله ولذلك عرف بإسمه وكان خارج حدود سور القاهرة في ذلك الوقت وفقد الجامع الأزهر بعض من مكانته ولكنه إستعادها مرة اخرى في عهد الخليفة المستنصر الذى زاد في مساحة المسجد وأجرى بعض التجديدات وإستمر ذلك في عهد الخلفاء الفاطميين الذين جاءوا من بعده وكذلك تم إنشاء مكتبة ضخمة بالجامع الأزهر عام 1005م وتم تزويدها بالآلاف من الكتب والمخطوطات وبمجيء العصر الأيوبي بعد الإطاحة بالفاطميين عام 1171م علي يد السلطان صلاح الدين الأيوبي مؤسس دولة الأيوبيين تم إهمال الجامع الأزهر ومكتبته طوال حكم تلك الدولة بسبب أن الأزهر في أثناء حكم الفاطميين كان يدعو لمبادئ التعاليم الشيعية والتي عاداها جميع سلاطين الدولة الأيوبية وإن كان قد تمت بعض أعمال الترميم بالأزهر في عهد هؤلاء السلاطين وبعد نهاية عصر الأيوبيين ومجيء عصر المماليك عادت إلى الأزهر أهميته وتحديدا من بداية عصر السلطان الظاهر بيبرس عام 1266م وعادت أعمال الترميم والتجديد والإصلاح والتوسعة للأزهر من جديد وتوالت بعد ذلك الإضافات والتجديدات في الجامع الأزهر في عصر المماليك ففي عصر السلطان المملوكي الناصر محمد بن قلاوون تم إنشاء المدرسة المسماة بالمدرسة الطيبرسية عام 1309م علي يد الأمير علاء الدين طيبرس قائد الجيوش وتم إلحاقها بالأزهر كما أنشأ الأمير علاء الدين أقبغا المدرسة الأقبغاوية والحقها أيضا بالأزهر وكان لها محراب بديع ومنارة رشيقة ومن بعده في عهد السلطان الأشرف برسباى أنشأ الأمير جوهر القنقبائي المدرسة الجوهرية في الجانب الشرقي من الجامع وتضم 4 ايوانات ومحراب أيضا بديع وتعلوها قبة منقوشة وفي عهد السلطان قايتباى تم إضافة مئذنة رشيقة للجامع تعد من أجمل مآذن القاهرة ومن بعده أضاف السلطان قنصوة الغورى المئذنة ذات الرأسيين والتي تعتبر طراز فريد من المآذن لم يتكرر بعد ذلك وفي العصر العثماني نجد أن الكثير من الولاة قد أضافوا إلى الأزهر عدة أروقة وزوايا منها رواق الحنفية ورواق الأتراك ورواق السليمانية ورواق السلام وزاوية العميان وكانت أكبر عملية إعمار وتجديد في ذلك العصر ما قام به الأمير عبد الرحمن كتخدا عام 1753م حيث تمت أكبر توسعة للجامع كما أضاف إليه قبة بديعة وأنشأ باب المزينين وهو باب الجامع الرئيسي حاليا وفي عصر محمد علي باشا وخلفائه خلال القرن التاسع عشر الميلادى تم عمل تجديدات وإصلاحات أيضا كان أهمها ماتم خلال فترة حكم الخديوى عباس حلمي الثاني عام 1897م حيث تم إنشاء مكتبة ضخمة تم تزويدها بنفائس الكتب والمخطوطات العربية والإسلامية كما تم إنشاء رواق جديد تمت تسميته الرواق العباسي نسبة إليه كما تم تجديد المدرسة الطيبرسية وتبلغ مساحة الجامع الأزهر حاليا بعد كل ماتم من توسعة وإضافات خلال العصور المختلفة حوالي 12 ألف متر مربع وفي وقت بنائه كانت مساحته تبلغ نصف هذه المساحة تقريبا وأصبح له 8 أبواب منها بابان علي الجانب الغربي للجامع والمطل علي ميدان الأزهر هما باب المزينين والباب العباسي نسبة إلى الخديوى عباس حلمي الثاني وفي الجانب الجنوبي توجد 3 أبواب هي أبواب المغاربة والشوام والصعايدة وفي الجانب الشرقي يوجد بابان هما باب الحرمين وباب الشورية وفي الجانب الشمالي يوجد باب الجوهرية كما أصبح للجامع 5 مآذن منها عدد 3 مآذن أعلى باب المزينين منها مئذنة الأقبغاوية ومئذنة قنصوة الغورى ذات الرأسين إلى جانب مئذنة بجانب باب الصعايدة ومئذنة بجانب باب الشورية وكان الأزهر عند إنشائه عبارة عن صحن تطل عليه 3 أروقة أكبرها رواق القبلة وحاليا ينقسم الأزهر إلى رواقين الرواق القديم الكبير ويلي الصحن والرواق الجديد وهو ما أضافه الأمير عبد الرحمن كتخدا وهو يرتفع عن الرواق القديم بنصف ذراع وبالمسجد أكثر من 380 عمود من الرخام الجميل جلبت تيجانها من المعابد المصرية القديمة كما يوجد عدد من البواكي المرتكزة علي عقود وأكتاف أو علي أعمدة رخامية وجدير بالذكر أن موقع الجامع الأزهر موقع متميز حيث يقع بين مكانين يزخران بالآثار الإسلامية العظيمة هما الدرب الأحمر والجمالية حيث نجد علي مقربة منه جامع الإمام الحسين ومسجد محمد بك أبو الدهب ومسجد عبد الرحمن كتخدا ووكالة الغورى ووكالة الصناديقية ووكالة بازرعة ومنزل الست زينب خاتون الأثرى ومنزل ووقف الست وسيلة خاتون وبيت الهراوى وحوض قايتباى ومدرسة العيني وسبيل أبو الإقبال وزاوية أحمد شعبان ……
وبعد زيارتنا للجامع الأزهر تعالوا بنا لنزور منزل أو بيت الست زينب خاتون وهو بيت أثرى يقع خلف الجامع الأزهر بالقاهرة ويتميز بجمال التصميم وروعة البناء مما جعله مقصدا لزيارة المهتمين بالآثار الإسلامية وأيضا لمخرجي الأفلام السينمائية والمسلسلات التليفزيونية التاريخية وقد تم بناء هذا المنزل عام 1486م علي يد الأميرة شقراء هانم حفيدة السلطان المملوكي الناصر بن قلاوون أحد سلاطين دولة المماليك ولم تبخل علي عمارته وتجميله فكان حقيقة منزلا رائعا ليس له مثيل في عصره وظل هذا المنزل الرائع في عمارته وتصميمه ملكا لها حتى عام 1517م عندما دخل العثمانيون مصر وإنتقلت ملكية المنزل بعدها من مالك لآخر وفي أواخر القرن الثامن عشر الميلادى كانت هناك خادمة لدى محمد بك الألفي أحد زعماء المماليك تسمي زينب فأعتقها وبعد تحريرها من الرق تزوجت أميرا يدعي الشريف حمزة الخربوطلي وبذلك أصبحت أميرة هي الأخرى لكون زوجها أميرا وتم إضافة لقب خاتون إلي إسمها وهو لقب يعني المرأة الشريفة ولذلك أصبح الإسم الذى تعرف به هو زينب هانم خاتون واكراما لها قام زوجها بشراء منزل شقراء هانم حفيدة السلطان المملوكي الناصر حسن بن قلاوون وتسمي المنزل بإسمها منزل زينب خاتون من يومها وحتي وقتنا هذا وكانت هي آخر من سكن به قبل أن يتم ضمه إلى وزارة الأوقاف المصرية والتي كانت تؤجره للعديد من الشخصيات وكان آخر من أجره أحد القادة العسكريين الإنجليز خلال فترة الإحتلال الإنجليزي لمصر ويعتبر منزل زينب خاتون نموذجا للعمارة المملوكية في مصر فمدخل البيت تم تصميمه بحيث لا يمكن للضيف القادم من الخارج أن يرى من بداخل المنزل وهو ماتمت تسميته في العمارة الإسلامية بالمدخل المنكسر ويؤدى المدخل إلي حوش كبير يتوسط أركان المنزل الأربعة وهو كان يسمي في العمارة الإسلامية بصحن البيت أو فناء البيت وكان الهدف منه هو ضمان وصول ضوء الشمس والهواء إلى جميع واجهات البيت وماخلفها من غرف البيت المختلفة ومما يذكر بخصوص تاريخ هذا البيت ومامر عليه من أحداث أنه في زمن الحملة الفرنسية علي مصر مابين عام 1798م وعام 1801م وبداية نضال وجهاد المصريين ضد الفرنسيين كانت زينب خاتون تؤوى في بيتها المجاهدين الذين كان الفرنسيون يطاردونهم وتداوى الجرحى منهم وقد عثر في بيتها علي سرداب وجد مدفونا به عدد 27 جثة يظن أنها جثث بعض الجرحى من المجاهدين ضد الحملة الفرنسية الذين كانوا يستشهدون تأثرا بجراحهم مما ينفي تماما مقولة إن المرأة في العصرين المملوكي والعثماني كانت حبيسة بيتها وراء المشربيات ولا عمل لها غير خدمة زوجها في البيت والحمل والولادة واقتصار دورها في إطار عالم الجوارى والحريم فهاهي زينب خاتون تثبت عكس ذلك وتبرهن أن للمرأة دور هام في الحياة العامة تساهم به وتشترك فيه مع الرجال غير خدمة زوجها والحمل والولادة سواء في وقت السلم أو في وقت الحرب …..
ولنتحرك الآن من منطقة الجامع الأزهر ونتوجه صوب جامع الإمام الحسين رضي الله عنه والذى بني لأول مرة في عهد الفاطميين سنة 549 هجرية الموافق لسنة 1154 ميلادية تحت إشراف الوزير الفاطمي الصالح طلائع بن رزيك الذى كان وزيرا للخليفة الفاطمي الفائز ثم الخليفة العاضد ويضم المسجد 3 أبواب مبنية بالرخام الأبيض تطل على خان الخليلي وبابا آخر بجوار القبة ويعرف بالباب الأخضر وقد سمي المسجد بهذا الإسم نظرا لإعتقاد البعض بوجود رأس الإمام الحسين مدفونا به إذ تحكي بعض الروايات أنه مع بداية الحروب الصليبية في القرن الثاني عشر الميلادى خاف حاكم مصر الخليفة الفاطمي الفائز على الرأس الشريف من الأذى الذي قد يلحق بها في مكانها الأول في مدينة عسقلان بفلسطين فأرسل يطلب قدوم الرأس إلى مصر وحمل الرأس الشريف إلى مصر ودفن في مكانه الحالي وأقيم المسجد عليه تكريما للإمام الحسين بن علي رضي الله عنه وأرضاه وقد أجريت دراسة أكاديمية حول هذا الموضوع مفادها التأكيد علي أن موضع الرأس بالقاهرة وهو أيضا إمتداد للرأي السابق حيث يروي المؤرخ العربي الشهير المقريزي أن الفاطميين قرروا حمل الرأس من عسقلان إلى القاهرة وبنوا له مشهدا كبيرا وهو المشهد القائم الآن في حي الحسين في القاهرة وهو ما حققه المؤرخ أيمن فؤاد سيد أستاذ الدراسات الفاطمية في جامعة القاهرة في كتابه الشهير الدولة الفاطمية في مصر إستنادا الى منهج البحث العلمي إذ يقول إن أهم مشهد أضافه الفاطميون الى الطبوغرافية الدينية للقاهرة هو المشهد الحسيني حيث نقل الفاطميون في سنة 548 هجرية رأس الحسين بن علي بن أبي طالب والتي كانت مدفونة في مدينة عسقلان بفلسطين خوفا عليها من الفرنجة الصليبيين ودفنوها داخل قصر الحكم الفاطمي في قبة الديلم التي يؤدي إليها باب الديلم وهو باب القصر الفاطمي الكبير الجنوبي وهناك رواية محلية بين المصريين ليس لها مصدر معتمد سوى حكايات الناس وكتب المتصوفة مفادها أن الرأس جاءت مع زوجة الحسين عنهشاه زنان بنت يزدجرد الثالث آخر حكام دولة الفرس الذى سقطت دولته في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان قد تم أسرها وأهداها الخليفة عمر بن الخطاب إلي الإمام الحسين حيث تزوجها وأنجب منها الإمام علي زين العابدين وهي الملقبة في مصر بأم الغلام والتي فرت من كربلاء على فرس بعد مقتل الإمام الحسين زوجها هو ومعظم أهل بيته ونفر كثير من أصحابه ومؤيديه علي يد جيش تابع ليزيد بن معاوية بن أبي سفيان ثاني خلفاء الدولة الأموية في شهر المحرم عام 61 هجرية والغلام المقصود هنا هو الإمام علي زين العابدين إبنها من الإمام الحسين وهو الوحيد من أبناء الإمام الحسين الذى نجا من مذبحة كربلاء وكان صغيرا في ذلك الوقت ولذلك سمي بالغلام وسميت أمه بأم الغلام وهو يعد الإمام الرابع من أئمة الشيعة الإثني عشر بعد الإمام علي بن أبي طالب وإبنيه الإمامين الحسن والحسين ويعد نسله هو النسل الوحيد الباقي المنتمي لآل بيت الرسول صلي الله عليه وسلم حتي يوم القيامة وقد تجدد بناء مسجد الإمام الحسين للمرة الأولي في أيام والي مصر عباس باشا الأول في منتصف القرن التاسع عشر الميلادى وتم تجديده مرة أخرى أيام فترة حكم الخديوي إسماعيل ومرة ثالثة في عهد الخديوى عباس حلمي الثاني في أوائل القرن العشرين الماضي وبعد عمليات التجديد هذه لم يبق في هذا المسجد أى آثار من العهد الفاطمي إلا الباب الأخضر فقط والواقع قرب قبة الضريح كما أنه من الجدير بالذكر أن المهندس الإسلامى الشهير عبدالرحمن كتخدا قد قام في عام 1185هجرية الموافق عام 1861م ببناء القبة والجزء العلوي من مئذنة الباب الأخضر وفى عام 1311 هجرية الموافق عام 1893م وفي عهد الخديوى عباس حلمي الثاني تم إنشاء حجرة صغيرة داخل المسجد لكي تضم بعض الآثار النبوية مثل سيف رسول الله صلى الله علية وسلم وخصلة من شعره وقد تم زيادة مساحة المسجد بعد ذلك لأكثر من النصف وأضيف له مبنى مكون من دورين وكذلك دورة مياه مستقلة عن المسجد وفى عام 1965م أهدت طائفة البهرة الهندية مقصورة من الفضة المرصعة بصفوف من الماس للمسجد لكي تحيط بالضريح ويشتمل مبنى مسجد الإمام الحسين على خمسة صفوف من العقود المحمولة على أعمدة رخامية ومحرابه بني من قطع صغيرة من القيشاني الملون بدلا من الرخام وهو مصنوع عام 1303 هجرية في عهد الخديوى توفيق وبجانبه منبر من الخشب يجاوره بابان يؤديان إلى القبة وثالث يؤدي إلى حجرة الآثار النبوية المشار إليها سابقا والمسجد مبني بالحجر الأحمر على الطراز القوطي أما منارته التي تقع في الركن الغربي القبلي فهي من عمل أبى القاسم السكري عام 633 هجرية الموافق عام 1235م وهى حافلة بالزخارف الأيوبية وقد بنيت على نمط مشابه لنمط وطراز المآذن العثمانية فهي أسطوانية الشكل ولها دورتان يفصل بينهما مقرنصات رائعة الشكل وتنتهي برأس مخروطية رشيقة وللمسجد ثلاثة أبواب من الجهة الغربية وباب من الجهة القبلية وباب من الجهة البحرية يؤدي إلى صحن به مكان الوضوء …..
ومن مسجد الإمام الحسين نتجه إلي سوق خان الخليلي الشهير الملاصق له والذى يتمتع بجذب سياحي كبير بالنسبة لزوار القاهرة ومصر بشكل عام ويتميز بوجود بازارات ومحلات ومطاعم شعبية كما يتميز بكثرة أعداد السياح وإعتياد سكانه عليهم ويعد خان الخليلي واحدا من أعرق أسواق بلاد الشرق ويزيد عمره على 600 عام وما زال طرازه ونسقه المعمارى الأصيل باقياً على حاله منذ عصرالمماليك وحتى الآن وقد هاجر إليه عدد كبير من تجار مدينة الخليل الفلسطينية وسكنوه والآن توجد به جالية كبيرة من أهل الخليل تسكن به وتعمل بالتجارة وقد سمي بهذا الإسم نسبة لمؤسسه وهو أحد الأمراء المماليك كان يدعى جركس الخليلي وهو من المهاجرين الأوائل إلي مصر الذين وفدوا إليها من مدينة الخليل بالضفة الغربية بفلسطين المحتلة وسكنوا ومارسوا نشاطهم التجارى به وكان كبير التجار في عصر السلطان المملوكي برقوق عام 1400م ويعرف المؤرخ العربي الأشهر المقريزي الخان فيقول إن الخان مبنى مربع كبير يحيط بفناء ويشبه الوكالة تشمل الطبقة السفلي منه الحوانيت وتضم الطبقات العليا المخازن والمساكن وليس هناك ماهو أمتع من التجوال في هذا السوق سيرا على الأقدام داخل الأزقة والحوارى والتي تثير الدهشة والإعجاب نظرا لكيفية تنسيقها وتخطيطها بالإتقان والإبداع الذى نراه في هذا السوق فالأزقة متراصة كحبات عقد متداخلة كقوس قزح متعدد الألوان ولايعرف أحد حتى الآن النمط أو الطراز أو الفكر المعمارى الذى تم بناء وتأسيس هذا الحي على أساسه فإنك تجد الأرض مبلطة بحجر بازلتي أسود لامع والسوق مسقوف بخشب متين تحدى الزمن وعوامل التعرية وظل صامدا لم يتلف بسببها والشمس تتسلل إلي داخل حوانيت ومتاجر عديدة تكون مع بعضها سلسلة متصلة ومترابطة يسلم أحدها الآخر ومليئة بالكنوز والتحف والقطع واللوحات الفنية النادرة والمصنوعة بمهارة فائقة ومما يميز هذا السوق ماتبقى من مشربيات وأسبلة جميلة مشغولة واجهاتها بالنحاس وفيها أحواض الماء التي كانت تروي العطشان وعابرى السبيل في الزمن الماضي حيث يزخر الحي بالعديد من البيوت الشهيرة التي يعود تاريخها إلي العصرين المملوكي والعثماني وفي داخل الأزقة الضيقة تجد نفسك وسط زحام أسطوري من البشر والمقاعد الخشبية التي رصها أصحاب المقاهي لجذب الرواد وبمجرد أن تدخل الشارع يتناهى إلى سمعك عبارات الترحيب المصرية الأصيلة خفيفة الظل وكلمات أولاد البلد المرحبة تدعو زوار الحي سواء من المصريين أو الأجانب للفرجة وتسمع نداء طريف يشدو به البائعون وهو نداء اللي مايشتري يتفرج ولو دخلت أحد الحوانيت فإن البائع يستقبلك مبتسما ومرحبا قائلا عبارة مصرية شعبية أصيلة وهي مصر نورت ويرد الزائر الذي له خبرة بعالم القاهرة السحري ومفرداتها اللغوية قائلا مصر منورة بأهلها ويبدأ البائع في عرض ما لديه من بضائع ولاتفارقه إبتسامته وكلماته المتدفقة حول جودة بضاعته وأنها صنعت خصيصاً لعشاق الفن اليدوي وفي الحقيقة فإن تجار الخان خبراء في فن البيع وورثوا التجارة والشطارة عن الآباء والأجداد وهم يعرضون الأصيل والمقلد من البضائع ولهم ولع عجيب بالمساومة كما يتسمون بصبر وجلد على إقناع الزبون ببضاعتهم وتاريخيا يعتبر حي خان الخليلي واحد من ثمانية وثلاثين سوقا كانت موزعة أيام المماليك على المحاور الرئيسية بمدينة القاهرة ويقع مكانه وسط المدينة القديمة فوق مقابر الخلفاء الفاطميين الذين حكموا مصر من منتصف القرن العاشر الميلادى وحتي منتصف القرن الثانى عشر الميلادى وكان الخليفة الفاطمي الأول المعز لدين الله الفاطمي قد أحضر معه حين قدومه إلي مصر من القيروان بتونس توابيت ثلاثة من أسلافه ودفنهم في مقبرته التي أنشأها بالقاهرة بعد تأسيسها حيث دفن هو وخلفاؤه أيضا وقد أمر جركس الخليلي مؤسس الحي بنقل المقابر إلى أماكن أخرى وتأسيس سوق للتجار مكانها وخان الخليلي يعتبر بحق معرض دائم ومستمر كان ومايزال تعرض به البضائع في القاهرة القديمة حيث تتلاصق المعارض وتمتلئ الحارات بالحوانيت التي تعرض نفس البضاعة بأسعار متفاوتة مما يتيح فرصة ممتازة للمشتري في أن ينتقى مايريده ويختاره بحيث يكون الأجود والأقل سعرا في نفس الوقت عن طريق الفصال والمساومة لكي يحصل في النهاية على الأمتن والأرخص فهنا بضائع من كل صنف ولون من الذهب والبلاتين والماس والفضة وجميع أنواع العطور والبخور إلى أوراق البردي التي تحمل كلمات اللغة الهيروغليفية وتمائم وأيقونات وقصائد غزلية ونقوشات باللون الأزرق تحكي في إختصار مدهش وعجيب أجمل حكاية عشق في التاريخ حكاية إيزيس وأوزوريس التي يقبل عليها السياح الأجانب وغيرها من القصص والأساطير الفرعونية الشهيرة ……
وبعد جولتنا في الجامع الأزهر وبيت الست زينب خاتون وجامع الإمام الحسين وسوق خان الخليلي تعالوا بنا نجلس علي مقهي الفيشاوى الشهير الذى يقع إلي جوار مسجد الإمام الحسين لنحتسي الشاى الأخضر بالنعناع الذى يشتهر به المقهي وحيث سنجد في إستتقبالنا رائحة النارجيلة بأنواعها المختلفة عند إقترابنا منه كما ستطالعنا الوجوه العربية والأجنبية التي يزدحم ويكتظ بها المقهي العتيق والعريق في نفس الوقت وقد أنشيء هذا المقهي في القرن الثامن عشر الميلادى لصاحبه فهمي الفيشاوى أحد فتوات حي الجمالية حيث كان المقهي هو المقر الذي يدير منه شئون المنطقة وأصبح المقهي بعد ذلك مقصدا لطلاب العلم للإستذكار وخاصة طلبة الأزهر كما كان ملتقي للحركات الطلابية السرية بهدف الإعداد للمظاهرات ضد جيش الإحتلال الإنجليزي في أواخر القرن التاسع عشر الميلادى وأوائل القرن العشرين الماضي وذلك تحت ستار تناول الشاي الأخضر مع النعناع الذي تميز المقهي بتقديمه لرواده عبر تاريخه الطويل وفي فترة الحرب العالمية الثانية كان يلجأ إليه محبو السهر بعيدا عن إزعاج الغارات حيث كانت أبواب المقهي تغلق وفي الداخل يمارس الرواد لعب الطاولة والدومينو وخلافه وكان من أشهر رواد هذا المقهي الأديب الكبير نجيب محفوظ صاحب جائزة نوبل في الأدب …..
والآن بعدما إحتسينا الشاى الأخضر بالنعناع وحصلنا علي قسط من الراحة هيا بنا إلي شارع المعز لدين الله والذى يعتبر أكبر متحف مفتوح للآثار الإسلامية في العالم وقد تم الإنتهاء من ترميمه وإفتتاحه يوم الجمعة ‏15 من شهر صفر عام 1429 هجرية الموافق يوم 22 فبراير عام 2008م وتضمن مشروع الترميم رصف الشارع بالأحجار القديمة ليصبح أول شارع مخصص للمشاة وحدهم‏ في القاهرة وإشتمل مشروع الترميم أيضا ترميم ‏33‏ أثرا بالشارع وخارج الشارع‏ أهمها مجموعة السلطان قلاوون بالنحاسين ومجموعة السلطان الغورى وقصر الأمير بشتاك وباب النصر وباب الفتوح وسور القاهرة بينهما والمدرسة الكاملية وجامع المؤيد شيخ ومن أهم الاثار القائمة بشارع المعز باب الفتوح ووكالة قايتباي ومسجد الحاكم بأمر الله وزاوية أبو الخير الكليباتي ومسجد أبو الخير الكليباتي ومسجد وسبيل وكتاب سليمان أغا السلحدار وبيت مصطفى جعفر وبيت السحيمي وجامع الأقمر ومسجد حسن كتخدا الشعراوي وسبيل وكتاب عبد الرحمن كتخدا وقصر الأمير بشتاك وحمام السلطان إينال وبيت عثمان كتخدا والمدرسة الكاملية ومسجد ومدرسة الظاهر برقوق ومجمع السلطان قلاوون والمدرسة الناصرية وسبيل وكتاب خسرو باشا ومسجد ومدرسة الأشرف برسباي ومسجد الشيخ مطهر ومجموعة السلطان قنصوة الغوري ومسجد الفكهاني وسبيل محمد علي بالعقادين وبيت الشبشيري ومسجد المؤيد شيخ ومجمع نفيسة البيضاء وباب زويلة كما توجد آثار قريبة من الشارع وهي باب النصر وزاوية إبن برقوق ومسجد الناصر برقوق ومسجد الصالح طلائع …..
ولنبدأ جولتنا في شارع المعز بزيارة باب زويلة ومسجد المؤيد شيخ وباب زويلة هو أحد اﻷبواب الرئيسية في سور القاهرة القديم إلي جانب باب الفتوح وباب النصر وغيرهما وقد سمي بهذا اﻹسم نسبة إلي قبيلة زويلة التي جاءت إلي مصر من تونس مع المعز لدين الله الفاطمي ويطلق أيضا علي باب زويلة إسم بوابة المتولي نسبة إلي متولي الحسبة الذى كان يجلس إلي جوار الباب لتحصيل رسوم دخول القاهرة في رواية وفي رواية أخرى أنه نسبة إلي والي القاهرة الذى كان يجلس أيضا إلي جوار الباب لبتعرف علي أحوال الناس ويستمع إلي شكاواهم ومظالمهم ويعمل علي حلها و باب زويلة يعد نموذج من نماذج طراز العمارة الحجرية التي ميزت المنشآت الفاطمية في مصر من مساجد وبوابات وأسوار والتي تأثرت تأثرا كبيرا بطراز العمارة البيزنطية والذى نراه منتشرا بكثرة في إسطنبول بتركيا في المساجد والكنائس والقصور القديمة ولباب زويلة بوابتان أولهما تؤدى إلي مسجد المؤيد شيخ واﻵخرى تؤدى إلي حوانيت ومتاجر السلع والبضائع المختلفة كالبخور والتبغ واﻷقمشة واﻷدوات النحاسية وخلافه وكان يعتقد أن من يدخل من البوابة اﻷولي تحل عليه البركة ويفلح وينجح في حياته ومن يدخل من البوابة الثانية تحل عليه اللعنة والنقمة وﻻيفلح ولا ينجح في أى أمر من أمور حياته أما مسجد المؤيد شيخ فهو يعتبر أحد مساجد عصر المماليك الجراكسة وهذا المسجد يلاصق باب زويلة وقد أنشأه المؤيد أبو النصر شيخ بن عبد الله المحمودي الجركسي الأصل أحد مماليك الأمير برقوق وكان ذلك بداية من عام 818 هجرية الموافق عام 1415م وإنتهى البناء في عام 824 هجرية الموفق عام 1421م ويقول فيه المقريزي إنه الجامع لمحاسن البنيان الشاهد بفخامة أركانه وضخامة بنيانه أن منشئه سيد ملوك الزمان يحتقر الناظر له عند مشاهدته عرش بلقيس وإيوان كسرى أنوشروان ويستصغر من تأمل بديع أسطوانه الخورنق وقصر غمدان وكما أسلفنا القول فإن مسجد المؤيد شيخ يلاصق باب زويلة وهو مسجد ضخم بمئذنتين تقعان أعلى أبراج الباب وهو يعد من أجمل وأضخم المساجد الجامعة بالقاهرة ويعد المسجد أيضا من أجمل ما خلفه العصر المملوكي من تحف معمارية وهو أيضا يعتبر من المساجد المعلقة وكان يستغل أسفل المسجد كحواصل ينفق ريعها علي المسجد بالكامل وأول ما نشاهده من المسجد هو باب المسجد الذي يعد من التحف الفنية وهو في الأساس باب مدرسة السلطان حسن ولكن المؤيد شيخ قد إشتراه مع تنور نحاس مكفت ليضمه لمسجده ويعتبر المسجد تحفة معمارية تدل على عظمة عمليات التشييد في العصر المملوكي …..
ومن مسجد السلطان المؤيد شيخ نتجه إلي مجموعة السلطان قنصوة الغورى والتي شيدها السلطان الأشرف قنصوة الغورى خلال عام 909 هجرية وعام 910 هجرية الموافقين لعام 1503م وعام 1504م وهي مكونة من مسجد إلى جانب مدخله يوجد سبيل يعلوه كتاب وفي الخلف توجد خانقاة وإلي جوارها 3 منازل وتجتمع المجموعة كلها في واجهة واحدة متصلة تشرف على شارع الأزهر عند تلاقيه مع شارع المعز لدين الله الفاطمي وتلك المجموعة هي أعظم ماتركه السلطان الغورى من منشآت وتعد بحق أبدع وأجمل وأروع ماتركه لنا سلاطين دولة المماليك الجراكسة والسلطان الغورى كان في الأصل أحد مماليك السلطان المملوكي الأشرف قايتباى وإستمر في خدمته حتي أعتقه وصار يتقلب في الوظائف حتي على قدره إلي أن تولي بعد ذلك حكم مصر عام 906 هجرية الموافق عام 1501م وكان السلطان الغورى شغوفا بالعمارة وفنونها ومحبا لها فقام بإنشاء الكثير من المباني الدينية والخيرية ولم يكن إهتمامه مقصورا فقط علي المنشآت التي تم تشييدها في عصره وعلي يديه بل تعدى ذلك إلى المنشآت التي قام بتشييدها أسلافه فقام بعمل إصلاحات وترميمات وتجديدات بها وكان على رأسها الجامع الأزهر الشريف وقد إقتدى به الأمراء في عصره فقاموا بإنشاء العديد من المنشآت والمباني التي مازالت باقية حتي الآن تنطق جميعها بإزدهار العمارة والفنون في عصره إزدهارا عظيما ويعد مسجد السلطان الغورى أهم مافي المجموعة المعروفة بإسمه وقد تم تخطيطه على طراز نظام التخطيط المتعامد فهو يتكون من صحن مكشوف مربع الشكل تقريبا حيث يبلغ طوله 12 متر وعرضه 11 متر وتتعامد عليه وتحيط به 4 إيوانات من جهاته الأربع كل منها به عدد من العقود فوقها شريط مكتوب عليه آيات قرآنية بالخط المملوكي ويعلوه إزار من المقرنصات جميلة الشكل والإيوانات الأربعة أكبرها إيوان القبلة وبه المحراب والمنبر والإيوان الموازى له بينما نجد الإيوانان الجانبيان أصغر منهما ويحيط بداير الصحن صفوف من الدلايات الخشبية المذهبة ويحيط بجدران الإيوانات الأربعة وزرة من الرخام الملون تنتهي من أعلى بشريط رخامي مكتوب عليه بالخط الكوفي آيات قرآنية وتاريخ بناء المسجد ويتوسط صدر إيوان القبلة محراب من الرخام الملون وبجواره يوجد منبر خشبي دقيق الصنع به حشوات رائعة الشكل من السن المدقوق بالأويمة وتتخللها حشوات صغيرة مدعمة بالزرنشان وأرضية المسجد تم تبليطها برخام ملون ومقسمة بتقاسيم بديعة وسقف المسجد مقسم إلى ترابيع منقوشة ومذهبة وأسفله مباشرة يوجد إزار عليه كتابات مذهبة وبأركانه مقرنصات بديعة المنظر وفي مؤخرة الإيوان الغربي وفي مواجهة المحراب مباشرة تجد دكة المبلغ ويحملها عدد 2 كابولي خشبي ومكتوب عليها إسم السلطان قنصوة الغورى وألقابه وأدعية له وللدكة درابزين خشبي مقسم من أسفل إلى حشوات بعضها مطعم بالسن والأبنوس وبعضها عبارة عن خرط خشبي دقيق ويتميز مسجد السلطان الغورى بمئذنته وهي من أروع وأجمل المآذن في العالم الإسلامي كله حيث أنها ضخمة ومربعة الشكل ولها 3 حطات كل منها مربع الشكل أكبرها الحطة السفلية وأصغرها الحطة العلوية وبين كل حطة وأخرى تشكيل من المقرنصات البديعة الشكل وتنتهي المئذنة من أعلى بتحفة معمارية فنية بديعة عبارة عن 5 رؤوس كمثرية الشكل يعلو كل منها هلال نحاسي …..
ومن مجموعة السلطان قنصوة الغورى نتجه إلي مجموعة السلطان قلاوون وهذه المجموعة تضم بيمارستان وقبة ومدرسة وهي تعد من أهم المزارات السياحية التي تبهر زائرى مصر من شتى أنحاء العالم ومن جميع الجنسيات كما تعد أيضا المجموعة جزء أصيل ولا يتجزأ من تاريخ الشارع العريق وشاركت بلا شك في إكساب المباني التاريخية به لمسات جمالية متميزة وسط مايمتلأ به الشارع من آثار إسلامية خالدة من شتي العصور بداية من العصر الفاطمي وحتي نهاية عصر المماليك في بدايات القرن السادس عشر الميلادى ومجموعة قلاوون تطل الواجهة الشرقية لها على شارع المعز لدين الله وتتكون من قسمين البحري الواقع على يمين الداخل من الباب الرئيسي وهي واجهة المقبرة التي دفن بها المنصور قلاوون وتعلوها القبة والقبلي ويضم المدرسة وبين القبة والمدرسة دهليز طويل يؤدي إلى البيمارستان أى المستشفى والذي بقي منه الإيوان الشرقي والإيوان الغربي ويحتفظ بكامل روعته الأثرية المعمارية وتتميز المجموعة بواجهة المدرسة المزخرفة بالحنايا المحمولة على أعمدة من الرخام يتوسطها شبابيك بمصبعات نحاسية كما يلفت النظر القبة المزخرفة بالفسيفساء والخشب المذهب والمحمولة على أربعة أعمدة سميكة أسطوانية الشكل مصنوعة من الجرانيت الأحمر وجدرانها مكسوة بالرخام وهذه القبة دفن تحتها السلطان المنصور قلاوون وإبنه الملك الناصر محمد ويذكر التاريخ أن المنصور قلاوون كان قد شرب كأسا من الشراب وهو يشاهد البيمارستان عندما أتم بناءه وقال قد وقفت هذا على مثلي ومن دوني وجعلته وقفاً على الملك والذكور والإناث والكبير والصغير والحر والعبد والجندي والأميرِ وتعد مدرسة قلاوون تحفة معمارية وفنية شغلت بال المهتمين بالآثار الإسلامية في مصر والعالم وقد أقيمت على نظام المدارس ذات التخطيط المتعامد حيث تتكون من صحن أوسط تحيط به أربعة إيوانات أكبرها إيوان القبلة ولم يبق منها الآن غير إثنين منهم هما إيوان القبلة والإيوان المقابل له أما الإيوانان الآخران فقد خربوا وحل محلهما بعض أبنية مستحدثة ويشمل إيوان القبلة المحراب بعموديه الرخاميين الرائعين وطاقيته ذات الزخارف الجصية البارزة والمفرغة التي تشهد بما يعلوها من زخارف جصية أخرى وما يقابلها بصدر الإيوان الغربي لما وصلت إليه هذه الصناعة من رقى وفن في العصر المملوكي والصحن مكشوف مستطيل في شكله وتتوسطه نافورة وتفتح الإيوانات الأربعة بكامل إتساعها على الصحن وتحيط بجدران الصحن ست خلوات وذلك من الجهة الشمالية الشرقية وقد فرشت أرضيات المجموعة بالأحجار أما السقوف فهي أنصاف أقبية برميلية وإيوان القبلة المتواجد في الجهة الجنوبية الشرقية مساحته مستطيلة وأرضيته مفروشة بالحجر ومغطى بسقف خشبي معرق ويتصدر جدار القبلة محراب الصلاة وهو عبارة عن حنية نصف دائرية وطاقيته مزخرفة بالنباتات ويحيط بها شريط كتابي يعلوه شباك مزخرف ويغلق على الإيوان حجاب خشبي له مصراعان خشبيان وتتشابه معه الإيوانات الأخرى في التصميم والزخارف والنقوش …..
ومن مجموعة السلطان قلاوون نتجه إلي قصر الأمير بشتاك وهو نموذج فريد للعمارة المدنية في العصر المملوكي وأنشأه الأمير سيف الدين بشتاك الناصري أحد أمراء الناصر محمد بن قلاوون الذي قتل بمكيدة من الأمير قوصون أثناء حكم السلطان الأشرف علاء الدين كجك ويعود تاريخ إنشائه إلي عام 740 هجرية الموافق عام 1339م وهذا القصر في البداية كان يقطنه الأمير بدر الدين بكتاش ثم إشتراه الأمير بشتاك من الورثة وأضاف إليه المساحات التي كانت حوله وكان حوله أحد عشر مسجدا وأربعة معابد من آثار الفاطميين ودار قطوان الساقي وقد أوشك هذا القصر علي الإنهيار بعد زلزال شهر أكتوبر عام 1992م وقد تم اصلاحه بالإشتراك مع معهد الآثار الألماني وإستغرقت عملية الترميم والإصلاح حوالي عامين وتكلفت حوالي 50 مليون جنيه ولهذا القصر ثلاث واجهات الأولي وهي الرئيسية تقع بالجهة الشمالية الغربية وتطل علي شارع المعز وتتكون من ثلاثة طوابق بها مشربيات ليست علي إستقامة واحدة بل علي جزئين أحدهما غائر والآخر بارز وبها رسومات هندسية آية في الجمال أما الواجهة الثانية فتقع بالناحية الشمالية الشرقية وتطل علي درب ترمز وبها عدد من النوافذ المغطاة بأجنحة معدنية وبها أيضا بوابة تؤدي للقصر والواجهة الثالثة بالجهة الجنوبية الغربية وتطل علي حارة بيت القاضي وبالنسبة للمدخل الحالي فيتم الوصول إليه بسلم خشبي مزخرف يؤدي إلي باب خشبي عليه كتابات عن منشئ القصر وتاريخ إنشائه ويتكون القصر من طابقين الأرضي وبه قاعة وإسطبلات ومخازن غلال وغرف للخدم والطابق العلوي يضم قاعة الإحتفالات وغرف النوم وكان القصر فيما مضي يحتوي طابقا ثالثا للحريم لكنه تهدم ومدخل القصر يؤدى إلي دركاة أو مساحة مربعة علي يمينها سلم يؤدي إلي الطابق الثاني وعلي يسارها إسطبلات يتم الوصول إليها من خلال دهليز به بئر أثرية للإستعمال اليومي للخيول ويعلو الإسطبلات حجرات خاصة بالقائمين علي خدمة الخيل والقاعة الرئيسية للقصر بالطابق الأرضي يتصل بها سلم صاعد ويتقدمها سطح مكشوف وتتكون من أربع إيوانات أى مساحة مربعة مفتوحة للجلوس ودورقاعة والأرضيات من الرخام في أشكال هندسية جميلة والأسقف خشبية ويتدلي منها وحدات إضاءة فريدة الشكل ويمتاز الإيوان الشرقي منها بمشربياته الخشبية الكثيرة بينما يمتاز الإيوان الغربي بنوافذ جصية معشقة بالزجاج الملون أما الإيوانان الشمالي والجنوبي فيحوي كل منهما بائكات ثلاثية العقود ترتكز علي أعمدة رخامية ذات قواعد وتيجان علي الطراز الإسلامي وملحق بهذه القاعة عدد من الحجرات ودورات المياه ولا يفوتنا هنا أن نذكر أن بجوار الإيوان الشرقي توجد فتحة باب مؤدية إلي ممرات مطلة علي الدورقاعة وكانت هذه الممرات تستخدم قديما لرؤية ما يجري بالقاعة حيث كانت النساء تجتمعن بغرف الحرملك بالدور الثالث المندثر ولا يسمح لهن بالجلوس مع الضيوف …..
ولننتقل الآن إلي بيت السحيمي وهو بيت عربي ذو طراز معمارى شرقي رائع وبديع يقع في قلب مدينة القاهرة الفاطمية في الدرب الأصفر في منطقة الجمالية والذى يتفرع من شارع المعز لدين الله الفاطمي وقد تم بناؤه عام 1058 هجرية الموافق عام 1648م وسمي بإسم آخر أصحابه الشيخ محمد بن أمين السحيمي باشا الحربي كبير قادة الجيش حينذاك وجمع في بنائه العديد من الفنون المعمارية الرائعة وقد ضمته الحكومة المصرية لقائمة الآثار المسجلة ويستغل حاليا كمتحف للعمارة العربية الشرقية الأصيلة ومركزا للإبداع الفني وتبلغ مساحته حوالي 2000 متر مربع وجدير بالذكر أن عائلة السحيمي تعد من أكبر العائلات المصرية ولها فروع في كل من القاهرة والإسكندرية والمنوفية وينقسم البيت إلي قسمين هما القسم القبلي وهو الأقدم والذى تم بناؤه عام 1648م والقسم البحرى والذى تم بناؤه عام 1699م مع ربطه بالقسم الأول فيبدوان كبناء واحد وهذا البيت يعتبر نموذجا للبيوت العربية الشرقية التقليدية الأصيلة حيث الدخول إليه يتم من خلال ردهة تسمي المجاز وظيفتها حجب من بداخل البيت عن الداخلين إليه وهي تؤدى إلى الصحن الذى توجد به أحواض بها زراعات وزهور وأشجار وتفتح عليه غرف البيت كما يبدو بهذا البيت بوضوح تأثير العمارة العثمانية التي كانت تخصص الدور الأرضي بالكامل للرجال ويسمى السلاملك والدور العلوى للنساء ويسمى الحرملك ولذلك فإننا نجد كل الدور الأرضي ليس به أى غرف بل كله عبارة عن قاعات لإستقبال الضيوف من الرجال ولبيت السحيمي صحنان أولهما الصحن الأمامي وهو يعتبر حديقة مزروعة ويتوسطه مايسمي بالتختبوش وهو دكة خشبية مزينة بأشغال من خشب الخرط وفي هذا الصحن شجرتان مزروعتان منذ بناء البيت زيتونة وسدرة وثانيهما هو الصحن الخلفي وبه حوض ماء وساقية للرى وطاحونة حبوب تدار بواسطة الحيوانات وكان هذا الصحن مخصصا لخدمات البيت وكان في البيت 3 آبار يتم الحصول علي المياه اللازمة للشرب والطهي والنظافة منها وأيضا كان يتم ملء خزان الماء الموجود بالحمام منها أيضا …..
ومن بيت السحيمي ننتقل إلي جامع الحاكم بأمر الله والذى يعد ثاني الجوامع الفاطمية بمصر بعد الجامع الأزهر الشريف وقد تم وضع حجر أساس هذا الجامع عام 380 هجرية الموافق عام 990م في عهد الخليفة الفاطمي العزيز بالله والذى توفاه الله بعد مرور عام واحد أى في عام 381 هجرية الموافق عام 991م فتوقفت أعمال البناء بالجامع إلى أن أمر الخليفة الجديد الحاكم بأمر الله وهو إبن الخليفة العزيز بالله بإستكمال البناء وليستمر البناء حتي عام 393 هجرية الموافق 1002م ولذلك تم تسميته بجامع الحاكم بأمر الله ثم أمر الخليفة عند هذه المرحلة بضرورة بناء المئذنتين لتزداد فخامة وجماليات الجامع وفنه المعمارى الراقي ومخططه الرائع ولينتهي تماما البناء عام 402 هجرية الموافق عام 1012م وصليت فيه أول جمعة يوم الخامس من شهر رمضان عام 403 هجرية الموافق عام 1013م ويقع جامع الحاكم بأمر الله في نهاية شارع المعز لدين الله الفاطمي بحي الجمالية ملتصقا بباب الفتوح وكان يقع في الأصل خارج حدود سور القاهرة القديم الذى بناه جوهر الصقلي قائد الخليفة المعز لدين الله حول القاهرة عام 359 هجرية الموافق عام 970م فلما قام بدر الجمالي وزير الخليفة الفاطمي المستنصر بتوسعة القاهرة عام 480 هجرية الموافق عام 1087م من الناحيتين الشمالية والجنوبية لمسافة 150 متر أقام السور الشمالي بالحجر ملاصقا تماما للجدار الشمالي الشرقي لجامع الحاكم بأمر الله فأصبح يحده من الشمال سور القاهرة القديم ومن الشرق وكالة قايتباى وباب النصر ومن الغرب شارع المعز والذى يطل عليه المدخل الرئيسي للجامع ومن الجنوب منطقة سكنية للأسف أقرب ماتكون إلى العشوائيات وكان الهدف الأساسي من بنائه هو وجود مسجد واسع بعد أن بدأ الجامع الأزهر يضيق بالمصلين وخاصة في يوم الجمعة فكان قرار الخليفة العزيز بالله ببناء هذا الجامع الذى أكمله إبنه الحاكم بأمر الله كما أسلفنا ويبلغ طوله حوالي 120 متر وعرضه 113 متر وفي نهاية واجهته الشمالية الغربية أى التي في الإتجاه المعاكس للقبلة توجد مئذنتا الجامع وترتكزان علي قاعدتين كل منهما مكون من جزئين يعلو كل منهما الآخر وهما علي هيئة هرم ناقص وتبرز فوق كل من الجزئين العلويين مئذنة مثمنة الشكل وتنتهي من أعلى برأس علي شكل نصف كرة وبجسم كل منهما نقوش وزخارف نباتية وهندسية بديعة بالإضافة إلي أشرطة كتابية بالخط الكوفي وبين المئذنتين وفي منتصف الواجهة الشمالية الغربية يوجد المدخل الرئيسي للجامع والمطل على شارع المعز وهو بارز عنها وكان أول مدخل بارز عن واجهة المدخل يتم بناؤه علي هذا الشكل في مصر حيث لم نرى ذلك الطراز فيما سبقه من الجوامع التي بنيت قبله وهو مغطي بقبو اسطواني عرضه حوالي 3.5 متر وطوله حوالي 5.5 متر وفي خلفيته النهائية باب إرتفاعه 2.2 متر معقود بعقد أفقي حجرى وهو يؤدى إلى الإيوان الموازى لإيوان القبلة والجامع من الداخل به صحن مكشوف تحيط به 4 إيوانات أكبرها هو إيوان القبلة ويتكون من 5 أروقة بكل واحد منها 17 عقدا والثلاثة إيوانات الأخرى كل منها مكون من 3 أروقة وبكل واحد منها 17 عقدا أيضا وجميع العقود ترتكز على أكتاف حجرية داكنة اللون تربطها ميد خشبية بها زخارف ونقوش محفورة في الخشب وتحمل العقود سقف خشبي مسطح ويحيط به من أسفله وأعلى العقود إزار جصى من الكتابة الكوفية جميلة الشكل وكان يوجد في نهايتي حائط القبلة قبتان كما كانت توجد قبة ثالثة فوق المحراب وقد تم هدم واحدة منهم وهي الشرقية عند بناء بدر الجمالي لسور القاهرة بعد توسعتها وكانت القباب مزخرفة بزخارف جصية بديعة الشكل وبخصوص شبابيك الجامع فقد جعل شباك في محور كل عقد وكل شباك كانت تزينه وتجمله زخارف جصية بديعة ورائعة الشكل أيضا …..
ومن جامع الحاكم بأمر الله نختم جولتنا بزيارة باب الفتوح وباب النصر وباب الفتوح هو أحد أبواب سور القاهرة الفاطمية بناه القائد جوهر الصقلي عام 480 هجرية الموافق عام 1087م وقد تم تجديده بعد ذلك علي يد الأمير بدر الجمالي وأصبح في مكانه الحالي في مدخل شارع المعز لدين الله الفاطمي بجوار مسجد الحاكم بأمر الله والذى يعد أكبر آثار الدولة الفاطمية في مصر وقد سمي بهذا الإسم نظرا لأن الجيوش كانت تخرج منه للفتوحات وعندما تعود منتصرة كانت تدخل من باب النصروهو بوابة حجرية ضخمة محصنة بنيت في سور القاهرة القديم جنوبي باب الفتوح علي يد القائد العسكرى الفاطمي جوهر الصقلي عام 1087م وقد أطلق عليه لاحقا إسم باب العز إلا أن سكان القاهرة فضلوا الإسم الأصلي باب النصر وهو الإسم المستخدم حتي الآن ولعل سبب هذا التمسك أن هذا هو الباب الذى كانت تدخل منه الجيوش بعد عودتها منتصرة علي أعدائها حيث مر منه سلاطين مصريون مثل الظاهر بيبرس والمنصور قلاوون والأشرف خليل والناصر قلاوون بعد عودتهم منتصرين يحملون غنائم أعدائهم ويسوقون أمامهم أسراهم وجدير بالذكر أن الوزير الفاطمي بدر الجمالي قد قام بنقل باب النصر بسور القاهرة القديم أيضا من مكانه الأصلي إلى مكانه الحالي ويتكون باب الفتوح من برجين مستديرين يتوسطان المدخل ويوجد بجوارهما طاقتان كبيرتان في فتحتيهما حلية مزخرفة بأسطوانات صغيرة وتوجد فتحات أعلى البرجين لزوم سكب السوائل المغلية علي أى معتدى قد يحاول التعدى على مدينة القاهرة أو يحاول محاصرتها وبين البرجين توجد بوابة علي شكل عقد نصف دائرى أعلاها بانوه مستطيل الشكل به زخارف محفورة في الحجر ويعلوه فتحات كالتي في البرجين وعلي نفس مستواها وعلي وجه العموم كان سور القاهرة وأبوابه ومنشآت العصر الفاطمي بوجه عام من المساجد كالجامع الأزهر ةمسجد الحاكم بأمر الله وجامع الأقمر ومسجد الإمام الحسين بداية لعصر المباني الحجرية في مصر والتي كانت قريبة الشبه في طرازها من الطراز المعمارى البيزنطي الذى تم علي أساسه تشييد العديد من مباني الكنائس والمساجد والقصور في مصر القديمة أما باب النصر فيمتاز ببرجين مستطيلين يوجد بينهما بوابة ضخمة ومرتفعة نقش علي جانبيها زخارف ترمز إلى الإنتصارات التي حققها الجيش المصرى وتعلوها فتحة محاطة بإفريز يمتد ويحيط بالبرجين المستطيلين ونقشت عليه كتابات تذكر إسم من تم بناء هذا الإفريز في عهده وهو الخليفة الفاطمي المستنصر بالله وقائد جيوشه أبو النجم بدر الجمالي وكذلك تاريخ البناء وفوق هذا الإفريز توجد فتحات المزاغل التي تستخدم في الدفاع عن القاهرة في حالة محاولة أى معتدى إقتحام الباب برميه بالسهام وبإلقاء المياه المغلية والزيت المغلي عليه ويوجد بالبوابة سلم حجرى كان تصميمه يعتبر الأول من نوعه في تاريخ عمارة هذه الفترة ويؤدى هذا السلم إلي الأبراج كما يقود إلي عدة حجرات ذات عقود حجرية وبذلك يختلف باب النصر عن باقي أبواب القاهرة بوجود هذا السلم وكذلك بأن أبراجه ذات شكل مستطيل وليست ذات شكل أسطواني ويبقي لنا أن نقول إنه في عهد الحملة الفرنسية أمر نابليون بونابرت قائد الحملة بعمل تعديلات علي باب النصر وتوسيع فتحات المزاغل لإستخدامها في الضرب بالمدافع بدلا من السهام ويعد باب النصر حاليا من المزارات السياحية كنموذج من نماذج فن العمارة الإسلامية في مصر في عصر الفاطميين وأخيرا كان باب الفتوح يرتبط بباب النصر بطريقين أولهما أعلى سور القاهرة الفاطمية وثانيهما تحت السور لتسهيل التنقل بينهما خاصة لو تعرضت مدينة القاهرة لخطر الحصار .

المهندس طارق بدراوي شهاب الدين

زر الذهاب إلى الأعلى