مقالات

سلسلة معالم مصر التاريخية علي مر العصوريكتبها :المهندس” طارق بدراوى” ** محمية وادى دجلة **

سلسلة معالم مصر التاريخية علي مر العصور
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
** محمية وادى دجلة **
محمية وادي دجلة بمحافظة القاهرة محمية طبيعية تم إعلانها بموجب قرار السيد رئيس مجلس الوزراء رقم 47 لسنة 1999م والمعدل بالقرار رقم 3057 لسنة 1999م وتبلغ مساحتها الإجمالية حوالي 60 كيلو متر مربع وهي تقع شرق حي المعادي بالصحراء الشرقية بمحافظة القاهرة ولها مدخلان مدخل رئيسي من جهة حي المعادى ومدخل آخر من طريق القطامية العين السخنة وفى المدخل الرئيسي للمحمية توجد بوابة صممت جدرانها بالأحجار الجيرية لمواءمة طبيعة المكان وزينتها ألواح خشبية فى شكل متناسق ولوحة إسترشادية لوزارة السياحة أعلى حائط البوابة للتعريف بالمحمية وما تضمه من حيوانات برية وأعشاب نادرة دونت كلماتها باللغتين العربية والإنجليزية وعلى يمين البوابة مكتب تذاكر الدخول للمحمية وعلى يساره مكتب الإدارة ويجاوره غرفة الحارس ويعتبر وادى دجلة من الأودية الهامة التي تمتد من جهة الشرق إلى جهة الغرب بطول حوالي 30 كيلو متر مارا بصخور الحجر الجيري الذي ترسب في البيئة البحرية بالصحراء الشرقية منذ أكثر من 60 مليون سنة حيث كان البحر الأبيض المتوسط خلال عصر الأيوسين يغمر هذه المنطقة وعندما إنحسر البحر إلى الشمال إنكشفت تلك المنطقة مخلفة وراءها رواسب الحجر الجيرى والطين الغنى بالحفريات البحرية ولذلك فالمحمية غنية جدا بهذه النوعية من الحفريات ويعتبر وادي دجلة جزء من الهضبة الشمالية لصخور الحجر الجيري لعصر الأيوسين والتي يبلغ إرتفاعها علي جانبي الوادي حوالي 50 متر تقريبا والتي عرفها القصاصي سنة 1993م كبيئة تتميز بطبيعة جغرافية خاصة في مصر لاتتواجد في أى محمية أخرى بها .
ويبدأ وادي دجلة علي هيئة روافد صغيرة تصب فيها مياه الأمطار التي تتساقط علي التلال المحيطة به كما تتميز محمية وادى دجلة بكونها لوحة فنية رائعة الجمال ترسمها الجبال والصخور المتواجدة بها والتي لم يتدخل فى تصميمها بشر وإنما تكونت عبر عصور طويلة وتكسو الوادى أعشاب تستمد مياهها من جوف الأرض كما تتميز المحمية بالعديد من الموارد الطبيعية التي تتمثل في العديد من مظاهر الحياة النباتية والحيوانية حيث يكسو الوادي غطاء واقي من النباتات الحولية والدائمة وقد تم تسجيل حوالي عدد 64 نوع من النباتات بالمحمية منها السلة والرطريط والعوسج والرتم والأثل والغردق والشيح وشاى الجبل والقيصوم الجبلى وغيرها وهى نباتات إما أن لها أهمية طبية أو رعوية أو تستغل كوقود وهذه النباتات في الأصل نمت على الصخور التى إنهارت من الحجر الجيرى على مر العصور حيث تتأثر الشقوق المتواجدة بتلك الصخور بمياه الأمطار المتساقطة علي الوادى فتتشبع هذه الصخور بها وتنفصل وتتساقط وتنمو عليها تلك النباتات التي تعطى المنظر الطبيعى للوادى حيث تكون ما يسمى بدجلة كانيون الذى ينبهر به الزائرون عند مشاهدته وهم يتجولون بالمحمية ويستمتعون بسكونها وبجوها الرطب المشمس وجمالها العفوي الأخاذ ولذلك يحرص زوار المحمية على الإستمتاع بقضاء يومهم داخلها باللعب بالكرة وتسلق الجبال والتنزه وسط الأعشاب الطبيعية بالإضافة إلى تنظيم حفلات الشواء والسمر في الهواء الطلق تحت سماء مفتوحة وأفق صحراوي تزينه سلسلة من الجبال المرتفعة مما يعطي إحساسا ومذاقا مختلفا للطعام ويتخيلون أنفسهم وكأنهم في الجراند كانيون الموجود بالولايات المتحدة الأميريكية الذى يشبهه إلي حد ما وادى دجلة ومن هنا نشأت هذه التسمية دجلة كانيون وجدير بالذكر أن الجراند كانيون أو الأخدود العظيم عبارة عن أخدود عظيم بالغ العمق وبالغ الإتساع وهو يقع في الجزء الشمالي الغربي من ولاية أريزونا الأميريكية ويعبر عددا من ولايات أمريكا بداية من جبال روكي ويمتد إلى سواحل كاليفورنيا ويعتبر أحد أروع المشاهد الطبيعية في العالم الذى يحرص السياح والزوار بالذهاب إليه ومشاهدته والذى يبلغ طوله حوالي 349 كيلومتر تقريبا أما أقصى عمقه فيقارب حوالي 1740 متر وقد نشأ هذا الأخدود العظيم بسبب نهر كولورادو الذي شق مجراه عبر صخور هضبة الكولورادو في خلال 40 مليون سنة كاشفا بذلك الطبقات الأرضية المختلفة التي تكونت عبر نحو 2 مليار سنة من التاريخ الجيولوجي للقارة الأميريكية ومن يشاهد طبقات الأخدود العظيم من أسفل إلى أعلى فكأنه يقرأ كتابا تاريخيا للأرض عبر زمن لم تكن فيه ثمة حياة علىها قبل نحو 2 مليار سنة ثم ظهرت الحياة على الأرض فجأة في صورة بسيطة قبل نحو 500 مليون سنة ويسمى المؤرخون تلك الفترة بإنفجار الكامبري والتي بعدها ظهرت الحياة المائية في المحيطات والبحار والأنهار ثم ظهرت بعدها البرمائيات ثم الزواحف ومن بعدها الطيور ثم أخيرا نجد في أعلى الطبقات الثدييات ثم إنتهي الأمر بظهور ونشأة الإنسان.
وعن الحياة والبيئة الحيوانية بمحمية وادى دجلة فقد تم تسجيل وجود آثار للغزال الحفري بالمنطقة مما يعطي دليلا علي وجود التيتل النوبي بها كما يضم الوادى مجموعة من الكائنات الحية الحيوانية الأخرى منها أنواع من الأرانب الجبلية والثعلب الأحمر والذئب العربي والفأر ريشى الذيل والبيوض والفأر أبو شوك والخفاش الصغير أبو ذيل وغيرها وقد تم أيضا تسجيل حوالي عشرين نوع من أنواع الزواحف ومنها السلاحف المصرية المهددة بالإنقراض والسنقور المخطط والبرص أبو كف والأفعى المقرنة وغيرها كما تم تسجيل عدد 12 نوع من طيور الصحراء الشرقية بالإضافة إلي الأنواع المهاجرة والزائرة شتاءا والمقيمة والزائرة صيفا منها طائر الأبلق المتوج ونمنمة الشجر وعصفور الزمير والغراب النوحى والحمام الجبلى والبعفة وهى نوع من البوم الكبير كما تم تسجيل العديد من الحشرات بالمحمية مثل الرعاش وأبو العيد وفراش النمر وأسد النمل وأنواع عديدة أخرى . 
ويمثل وادى دجلة أهمية تعليمية وتثقيفية وترويحية حيث يعمل على جذب السياحة ذات اليوم الواحد لطلبة المدارس والأطفال لقربه من القاهره الكبرى لإكتساب معلومات مفيدة عن الصحارى بمكوناتها المختلفة كما أنه مكان جيد لإجراء الدراسات البحثية والعلمية فى كافة المجالات النباتية والحيوانية والجيولوجية كما تتوافر به مقومات السياحة البيئية والترويحية اللازمة لممارسة رياضة المشى وإقامة المخيمات للعديد من الزائرين المصريين والأجانب داخل المحمية حيث أنه مصرح بذلك بشرط عدم إحداث ضرر للنظام البيئى بالمنطقة عن طريق إلقاء مخلفات داخلها أو قطع نباتاتها أو صيد حيواناتها وتستقبل المحمية حوالي 45 ألف زائر سنويا حيث أنها تعد مزار ومقصد سياحى ويمثل الأجانب نسبة حوالي 35% من هذا العدد وهم يحرصون على زيارتها أكثر من مرة فى الأسبوع ويقومون بسداد قيمة تذاكر الدخول والتى تصب فى خزينة الدولة بما يمثل إيرادا هاما يساهم في أعمال الصيانة والحراسة اللازمة للمحميات الطبيعية في مصر عموما من أجل الحفاظ عليها وتنميتها وكذلك المساهمة في تربية أجيال جديدة تهتم منذ الصغر بالمحميات والآثار عموما الأمر الذى يخلق لديهم ثقافة أن هذه ثرواتنا ويجب الحفاظ عليها بكل ما نملك ولذلك تنظم المحمية حملات نظافة لها وحتي الآن تأتى نسبة الإستجابة لتلك الحملات من جانب طلبة المدارس الأجنبية بدرجة أكبر بكثير من درجة إستجابة طلبة المدارس المصرية .
وجدير بالذكر أنه قد حذرت منظمات بيئية من محاولات تدمير محمية وادي دجلة الطبيعية بالقاهرة وذلك بعد توقيع بروتوكول بين محافظة القاهرة وجهاز شؤون البيئة وهيئة التنمية الصناعية يقضي بتنازل وزارة البيئة عن قطعة أرض من داخل المحمية تقدر مساحتها بنحو 198 فدانا فضلا عن تخصيص 158 قطعة أرض لمصلحة مستثمري صناعة الرخام داخل حدود المحمية وتحديد حق الانتفاع بمدة 30 سنة مقابل جنيه مصري واحد للمتر المربع وذلك علي الرغم من قرار رئيس الوزراء الصادر في عام 1999م بجعل منطقة وادي دجلة محمية طبيعية وهو الأمر الذي يمنحها حصانة خاصة عند التعامل معها أو مع المنطقة المحيطة بها وقد إعتبر مركز حابى للحقوق البيئية البروتوكول مخالفا للقوانين والتشريعات التي تنظم وضع المحميات وخاصة القانون رقم 102 لعام 1983 وقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1067 لعام 1983م وقد بلغ بناءا علي البروتوكول المذكور عدد المصانع التي أنشئت داخل المحمية 80 مصنعا منها عدد 18 مصنع عاملة بالفعل وعدد 62 مصنع متوقفة عن العمل وطالب حابى بإيجاد موقع بديل مناسب لعمل هذه المصانع على أن تنقل فورا المصانع المتوقفة عن العمل ويرد لأصحابها ما دفعوه من قيمة تخصيص الأرض وأى رسوم أخرى ووضع خطة زمنية لنقل المصانع التي تعمل فعليا وبشكل تدريجي . 
وكانت حابي قد وجهت نداءا بتاريخ 29 أغسطس عام 2006م ناشدت فيه كل من رئيس مجلس الوزراء ووزير التجارة والصناعة ووزير الدولة لشئون البيئة ومحافظ القاهرة والرئيس التنفيذي لجهاز شئون البيئة جاء فيه أن المركز فوجئ بما نشرته جريدتا الأهرام والمصري اليوم حول البروتوكول الذي عقد بين كل من محافظة القاهرة وجهاز شئون البيئة ممثلا لوزارة الدولة لشئون البيئة وهيئة التنمية الصناعية التابعة لوزارة التجارة والصناعة وأنه بعد الإطلاع على البروتوكول تبين أنه ينص على تنازل وزارة الدولة لشئون البيئة عن قطعة من أرض محمية وادي دجلة تقدر مساحتها حوالي 198 فدان و17 قيراط وسهمين وقد ذكر في البروتوكول المشار إليه أن محافظة القاهرة قد قامت بتخصيص عدد 158 قطعة أرض لصالح مستثمري صناعة الرخام داخل حدود محمية وادي دجلة الطبيعية وقد تحدد حق الإنتفاع بمدة 30 سنة ميلادية مقابل جنيها مصريا واحدا للمتر المربع من هذه الأرض ومن الواضح أن هذا البروتوكول يقنن الإستيلاء على أراضى المحمية بوضع اليد من أصحاب مصانع الرخام وحيث أنه من المعروف أن المناطق المحمية ضرورية للمحافظة على كافة الكائنات الحية خاصة المعرضة للإنقراض حيث يتواجد بتلك المناطق المحمية بيئات ممثلة لأنواع الأحياء سواء النباتية أو الحيوانية أو البحرية وأنه من الضرورى والواجب المحافظة عليها بشكل سليم مع المحافظة على التباين الحيوي والفيزيائي وكذلك التنوع البرى والجينى ولذا فقد صدر قرار السيد رئيس الوزراء عام 1999م بجعل منطقة وادي دجلة محمية طبيعية وهو الأمر الذي يعطيها حصانة خاصة عند التعامل معها أو مع المنطقة المحيطة بها فبالتالي فإنه حتى لو كان هناك خطط أو مشروعات للإستفادة من هذه المحمية أو غيرها من المحميات لتنمية مواردها فإن ذلك يكون في إطار الحفاظ على مكونات هذه المحميات حيث أصبحت بموجب تحديدها محمية طبيعية طبقا للقانون جزءا من التراث العالمي وليس المصري فقط وتكون مشمولة بالرعاية والحماية الدولية ومن هنا فإن الموافقة على وجود مصانع للرخام داخل محمية وادي دجلة يعتبر أولا إنتهاكا صارخا للحياة الطبيعية في هذه المحمية وكذلك فإن هذا البروتوكول يعتبر مخالفا للقوانين والتشريعات التي تنظم وضع المحميات وخاصة القانون رقم 102 لسنة 1983م وقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1067 لسنه 1983م وكذلك قرار رئيس مجلس الوزراء الصادر بإعلان محمية وادي دجلة عام 1999م وإذا كان عدد المصانع التي تعمل داخل المحمية عدد 18 مصنع وعدد المصانع المتوقفة عن العمل 62 فإننا نرى أنه بدلا من تقنين الوضع الخاطئ بوجود هذه المصانع داخل المحمية فإننا نطالب سيادتكم بإتخاذ الإجراءات التالية فورا وهي إيجاد موقع ومكان بديل لعمل هذه المصانع على أن تنقل فورا المصانع المتوقفة عن العمل ويرد لأصحابها ما دفعوه من قيمة تخصيص الأرض إلي جانب وضع خطة زمنية لنقل المصانع التي تعمل فعليا وبشكل تدريجي مع مساعدتهم على إيجاد أماكن بديلة ومناسبة وتعويضهم التعويض المناسب وفتح باب التحقيق في الأسباب التي أدت إلى الإعتداء على محمية وادي دجلة ووجود مصانع للرخام فيها وعدم إتخاذ الإجراءات القانونية منذ بداية نمو هذه الظاهرة حيث أن المصلحة العامة لا يمكن أن تتحقق عن طريق الإعتداء على مكونات الحياة الطبيعية وإنتهاك التشريعات التي تحميها خاصة عندما يتعلق الأمر بوجود صناعات شديدة التلوث كذلك فإنه ليس من المصلحة العامة تعرض مصر للمساءلة الدولية وتعرضها لعقوبات نتيجة الإعتداء على المحميات الطبيعية ولكل ذلك طالب مركز حابي بإتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف هذا الإعتداء على محمية وادي دجلة فورا ودون تأخير وإلغاء البروتوكول المشار إليه والذي يخالف كل التشريعات الخاصة بالمحميات الطبيعية .

المهندس طارق بدراوي شهاب الدين

 

زر الذهاب إلى الأعلى