مقالات

معالم مصر التاريخية علي مر العصور يكتبها: المهندس” طارق بدراوى” ** محمية الزرانيق **

سلسلة معالم مصر التاريخية علي مر العصور
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
** محمية الزرانيق **
تقع محمية الزرانيق في الجزء الشرقي من بحيرة البردويل في شمال شبه جزيرة سيناء على مسافة حوالي 25 كم غرب مدينة العريش ويحدها من الشمال ساحل البحر المتوسط ومن الجنوب طريق العريش القنطرة شرق ومن الشرق مناطق التنمية السياحية الممتدة من العريش غربا ومن الغرب بحيرة البردويل وتبلغ مساحتها 230 كم مربع منها حوالي 68 % مسطحات مائية وحوالي 32 % كثبان رملية وتقع على إرتفاع يصل في أقصاه إلى 30 متر فوق مستوى سطح البحر ويتميز المناخ في شمال سيناء عموما بشتاء بارد نوعا ما حيث يبلغ متوسط درجات الحرارة في المنطقة حوالي 13 درجة مئوية وصيف معتدل متوسط درجات الحرارة فيه حوالي 25 درجة مئوية وذلك نتيجة وقوع المنطقة على ساحل البحر المتوسط وهى منطقة شبه صحراوية يتراوح معدل سقوط الأمطار بها بين 80 إلى 100 ملليمتر في العام أما الرطوبة فنسبتها حوالي 70 % في المناطق الساحلية و40 % في المناطق الداخلية ومعدل التبخر يصل إلي اقل معدل له وهو 1 مم في الشهر في شهر ديسمبر وأعلي معدل له يكون 192 مم في الشهر في شهر يوليو …..
ومنذ بداية السبعينيات بدأ الإهتمام بمنطقة محمية الزرانيق كأرض رطبة ذات أهمية دولية للطيور المهاجرة ومنذ ذلك الحين إكتسبت شهرة واسعة النطاق وأصبحت مركزا لإستقبال السائحين والباحثين والمهتمين بالبيئة من جميع أنحاء العالم وتضم منطقة الزرانيق أمثلة فريدة لبيئات حوض البحر المتوسط وتعتبر محمية الزرانيق الطبيعية وسبخة البردويل بشمال سيناء أحد المفاتيح الرئيسية لهجرة الطيور في العالم حيث تمثل المنطقة محطة بالغة الأهمية للتزود بالغذاء والراحة للطيور المهاجرة من قارتي أوروبا وآسيا في طريقها إلى قارة أفريقيا سعيا وراء مصادر الغذاء وهربا من صقيع الشتاء ومن منطلق الحفاظ على هذه المكونات عظيمة الأهمية أعلنت الزرانيق محمية طبيعية بقرار السيد رئيس مجلس الوزراء رقم 1429 لسنة 1985م وفقا لأحكام القانون رقم 102 لسنة 1983م في شأن المحميات الطبيعية …..
وقد أعلنت بحيرة البردويل من قبل الحكومة المصرية كأحد المواقع الهامة ضمن إتفاقية رامسار الدولية لحماية الأراضى الرطبة الهامة والطيور المائية وذلك نظرا لموقعها المتميز وبيئتها الطبيعية الغنية التي تعتمد عليها أعداد ضخمة للغاية من الطيور المائية المهاجرة خاصة في منطقة الزرانيق كما أدرجت منظمة Birdlife International المنطقة كأحد المناطق الهامة للطيور في العالم حيث يلزم حماية أنواع عديدة من الطيور المهددة بخطر الإنقراض والأنواع ذات الحساسية العالية والتي إنخفضت أعدادها مثل طائر المرعة وأيضاً كمنطقة من المناطق ذات الحماية الخاصة بموجب إتفاقية برشلونة لحماية البحر المتوسط والمناطق ذات الحماية الخاصة في إقليمه وتهدف المحمية إلى صيانة وحماية الموارد الطبيعية من خلال تطبيق أحكام القانون رقم 102 لسنة 1983م الذي ينظم إدارة وإستغلال المحميات الطبيعية في مصر فتعمل المحمية على الحفاظ على عناصر التنوع البيولوجى وخاصة الأنواع المهددة بخطر الإنقراض والبيئات الطبيعية التي تعتمد عليها ويجب ملاحظة أن أهداف إنشاء المحميات الطبيعية تتعدى مجرد الصيانة والحماية فهى تسعى لأن تكون إحدى ركائز التنمية المستديمة وذلك عن طريق تطوير سبل مستحدثة وغير تقليدية لإستغلال تلك الموارد دون الإضرار بها مثال ذلك تنمية السياحة البيئية التي تعتمد على طبيعة المكان ومنها سياحة مراقبة الطيور والتي تعمل المحمية على تطويرها حتى تصبح مركز جذب للسياحة المحلية والعالمية تجنى ثماره منطقة شمال سيناء وتعود بالنفع والفائدة على المجتمع هناك وتعد المحمية أيضا من المناطق الهامة للدراسات العلمية والحفاظ على مناطق التراث التاريخي الموجودة بها وتقوم المحمية بالعديد من الأبحاث التي يتم إجرائها لدراسة التأثيرات البيئية للأنشطة المختلفة بالمنطقة كما تقوم المحمية بتصميم وإدارة العديد من البرامج التعليمية حيث يقوم مركز الزوار بالمحمية بتوضيح دور المحميات الطبيعية في حماية البيئة ولا يقتصر دور المركز على ذلك بل يقوم بتنظيم الدورات التدريبية للعاملين في هذا المجال والجمعيات غير الحكومية وطلبة الجامعات وغيرهم من المهتمين بالبيئة …..
وتعتمد محمية الزرانيق على 4 مصادر رئيسية للمياه وهي المياه المالحة التي تغذى بحيرة الزرانيق من خلال ثلاث فتحات للبواغيز الطبيعية وهي بوغاز الزرانيق وبوغاز أبو صلاح وبوغاز تفاحة والتي تصل ما بينها وبين البحر المتوسط وتعتمد أهمية هذه الفتحات على العوامل الطبيعية مثل شدة التيارات البحرية وإتجاهها وترسيب الرمال على الشاطئ والتآكل والنحر التي تؤدى إلى فتح تلك البواغيز أو إغلاقها دون تدخل من الإنسان ففي حالة فتح البواغيز تزداد كميات المياه الداخلة من البحر إلى البحيرة فتقل نسبة الملوحة وتتحسن نوعية المياه ومكوناتها أما في حالة غلق البواغيز والذي قد يستمر لفترات طويلة فإن نسبة الملوحة تزداد بدرجة كبيرة مما يؤدى إلى إنخفاض نوعية المياه ومكوناتها والمصدر الثاني للمياه بالمحمية هو مياه البحر المتوسط التي تدخل عبر بوغاز بحيرة البردويل رقم 2 وهو فتحة صناعية لتبادل المياه ما بين البحر المتوسط وبحيرة البردويل ويصل عرض تلك الفتحة إلى حوالي 300 متر ومتوسط عمقها مابين 4 إلي 6 متر وتصل كميات من المياه الداخلة عبر هذه الفتحة إلى محمية الزرانيق فتحسن من كفاءة ونوعية المياه بها والمصدر الثالث الذي يغذى المنطقة هو المياه العذبة التي تصل إلى المنطقة نتيجة الجريان التحت سطحي لمياه الأمطار التي تهطل على السفوح الشمالية لجبال المغارة التي تقع على مسافة حوالي 90 كم جنوبا والتي تتجه بفعل الإنحدار الطبيعي إلى الشمال فتصل إلى محمية الزرانيق وتجرى حاليا دراسة وتقييم لكميات هذه المياه ونوعيتها وتأثيرها على الإتزان المائي بالمنطقة والمصدر الرابع للمياه بالمحمية هو مياه الامطار ومتوسطها السنوي من 80 إلى 100 مم وتكون ذروة الأمطار في شهري ديسمبر ويناير في كل عام …..
وتعتبر بحيرة البردويل من أهم معالم المحمية ويفصل البحيرة عن البحر المتوسط حاجز رملي رفيع ويقع بوغازى الزرانيق وأبو صلاح في نهايته الشرقية وهما نقطتا الإتصال الطبيعى الوحيدتين بين البحر وبحيرة البردويل وقد سميت المحمية بالزرانيق نسبة إلى المسطحات المائية المتداخلة والمتعرجة التي تتخلل السبخات فيها ويبلغ أقصى إرتفاع بها إلي حوالي 30 متر فوق مستوى سطح البحر في منطقة الكثبان الرملية التي تنتشر في الجزء الجنوبي للمحمية كما أسلفنا القول وتحتوى الزرانيق على العديد من الأنظمة الإيكولوجية منها البحيرة المالحة والحشائش البحرية الشاطئية والسبخات الملحية والرمال والسبخات الطميية والكثبان الرملية والجزر والسهل الشاطئى ولكن أهم هذه البيئات من حيث التنوع البيولوجي هي الجزر وخاصة جزيرة الفلوسيات التي تحوى حوالي 76 نوع نبات والعديد من أنواع الحشرات والزواحف والثدييات والطيور والسهل الشاطئى الفاصل بين البحيرة والبحر المتوسط ويشمل نظامين بيئيين شديدي الحساسية وهما الكثبان الرملية والسبخات الملحية وتشمل الكثبان الرملية 13 نوع من الثدييات و12 نوع من الزواحف و61 نوع من الحشرات والعديد من أنواع الطيور أما السبخات فتشتمل على 11 نوع ثدييات والعديد من الحشرات والنباتات أما منطقة النباتات المحبة للملوحة والسبخات الطميية وأحواض إنتاج الملح فهي تمثل أهم أنظمة المحمية بالنسبة للطيور حيث يقطن بها العديد من أنواع الطيور المهددة بالإنقراض مثل مرعة الغلة والعقاب الملكي ويمر بمحمية الزرانيق أكثر من 260 نوع من الطيور المهاجرة معظمها من الطيور المائية بينما يصل عدد الطيور المقيمة إلى 8 أنواع فقط كما تم رصد العديد من الطيور المهددة دوليا بالإنقراض مثل مرعة الغلة وأبو اليسر أسود الجناح والشرشير المخطط والزرقاوى الأحمر والمرزة البغثاء وصقر الجراد والعقاب الملكى وأنواع مهددة بالإنقراض من الثدييات والزواحف كثعلب الفنك وقط الرمال والسلحفاة المصرية والورل الصحراوي والترسة وبوجه عام تحوى المحمية أكثر من 770 نوع منهم 54 نوع مهدد بالإنقراض كما تم رصد أزواع عديدة من النباتات النادرة بالمحمية مثل نباتات ألدا والبوصيل والهيميرا والمزرور والمليح والقلام وأنواع محلية مثل الرطريط المصري …..
وتحظى محمية الزرانيق بتنوع كبير من الفقاريات واللافقاريات.وقد سجلت أغلب أنواع الفقاريات الموجودة في المنطقة والأبحاث ما زالت جارية لاستكمال حصر وتعريف أنواع اللافقاريات والمعلومات البيئية عنها ومن أنواع الفقاريات المتواجدة بالمحمية الثدييات وقد تم حتى الآن تسجيل 11 نوع من الثدييات في منطقة الزرانيق منها اليربوع وهو من القوارض التي تعيش في المناطق الرملية ويمضى النهار في جحور وأنفاق يحفرها في الرمال وتتميز هذه الجحور بثبات درجات الحرارة واليربوع من الحيوانات التي تنشط ليلا للحصول على غذائها المكون من البذور والثمار ومن العجيب أن هذه الحيوانات لا تشرب الماء بل تعتمد لسد إحتياجاتها من الماء علي نسب المياه المتواجدة فيما تأكله من بذور وثمار ومن الثدييات المتواجدة أيضا بالمحمية فأر الرمل السمين ويعيش في أراضى السبخات ويتميز هذا النوع من القوارض بأنه من الثدييات القليلة التي تنشط أثناء النهار ويتغذى على النباتات الملحية المنتشرة في المناطق التي يعيش فيها كما يوجد بالمحمية نوع واحد من القنافذ هو القنفد الأذانى والقنافذ حيوانات بطيئة الحركة حادة السمع والشم ضعيفة الإبصار وتتغذى على الحشرات والزواحف الصغيرة وهى ليلية النشاط ويكثر نشاطها في فصلى الربيع والصيف ويعتمد القنفذ في دفاعه على الأشواك الحادة التي تكسو ظهره وعند شعوره بالخطر يتحول إلى كرة من الأشواك يصعب الإقتراب منها وإلي جانب ماسبق يوجد بالمحمية نوع من أصغر أنواع الثعالب وأجملها وهو ثعلب الفنك ويتميز بكبر حجم أذنيه وحدة بصره مما يساعده في الحصول على غذائه من الحشرات والحيوانات الصغيرة أثناء الليل وهو صياد ماهر ونادرا ما يشرب فهو يحصل على السوائل اللازمة له من الفرائس التي يلتهمها وهو من الأنواع المهددة بخطر الإنقراض نتيجة تعرضه إلى الصيد الجائر بغرض الحصول على فرائه ويوجد أيضا بالمحمية من الثدييات قط الرمال وهو من الثدييات النادرة في الصحارى المصرية ويتميز برأس مفلطحة وفراء كثيف ولونه يقارب لون الرمال مما يساعده على التخفى أثناء الصيد وهو حيوان ليلى يتغذى على القوارض والحيوانات الصغيرة …..
وتقع محمية الزرانيق على واحدة من أهم الممرات الرئيسية لهجرة الطيور حيث تتجمع مئات الآلاف منها بالمنطقة بغرض الراحة والتزود بالطعام قبل إستكمال رحلتها الشاقة عبر الصحراء إلى أفريقيا حيث تقضى الشتاء ويمثل نهاية شهر أغسطس وبداية شهر سبتمبر ذروة هجرة الطيور بمحمية الزرانيق أثناء فصل الخريف ولقد تم تسجيل ما يزيد على 270 نوع من الطيور معظمها من الطيور المائية المهاجرة ويعتبر بط الشرشير الصيفى من أكثر الطيور عددا حيث سجل في أحد المواسم ما يزيد على 220 ألف طائر كما سجلت مئات الآلاف من الطيور الأخرى من أهمها البجع الأبيض والبشاروش والبلشونات المختلفة والطيور الخواضة والنوارس والخطافات البحرية وتمر الطيور المائية بالمحمية على هيئة أسراب متلاحقة تطير بمحاذاة الشاطئ آتية من جهة الشرق ومتجهة إلى الغرب ومن ناحية أخرى تهاجر مئات الآلاف من الطيور من الشمال إلي الجنوب تمثل العديد من الأنواع عبر البحر المتوسط لتجد الراحة والحماية في محمية الزرانيق مثل السمان والمرعى والهدهد والأبالق كما تمر في المنطقة الآلاف من الطيور الجارحة والعنز الأبيض خلال فصل الربيع مستغلة تيارات الهواء الدافئة التي تساعدها على العودة إلى مواطنها الأصلية وتعتبر محمية الزرانيق من المناطق الفقيرة بالنسبة للطيور المقيمة والمتكاثرة حيث يتكاثر بالمنطقة ثمانية أنواع منها القنبرة المتوجة وهى من الطيور الشائعة والمقيمة بالقرب من السبخات وكذا المكاء الذي يقطن الكثبان الرملية والنكات الذي يتواجد في المناطق الضحلة ذات القاع الطينى وتمثل الأعداد المستوطنة بمحمية الزرانيق من أبو الرؤوس السكندرى والخطاف الصغير نسبة كبيرة من تعداد هذين النوعين بحوض البحر المتوسط …..
وقد تم تسجيل 22 نوع من الزواحف أهمها سحلية الرمال وهى من أكثر الأنواع النهارية شيوعا في بيئة الكثبان الرملية بالمحمية وتشاركها أنواع أخرى نفس البيئة مثل السقنقور والدفان وهى من أنواع السحالى المتأقلمة للحياة في الرمال أما سحلية أوليفر فترتبط بالنباتات خاصة بالقرب من السبخات المالحة ويوجد أيضا بالمحمية زاحف يسمي قاضي الجبل وتقتصر أغلب أماكن تواجده في العالم على شمال سيناء ولهذا فإن للمحمية أهمية خاصة للحفاظ على هذا النوع كما يوجد بالمحمية من الزواحف الأخرى الحرباء وهي من الأنواع واسعة الإنتشار والتي يكثر تواجدها بين فروع النباتات وتتغذى على الحشرات وعلى الرغم من الإعتقاد الشائع بخطرها وسميتها فهى في الواقع حيوان وديع ولا ضرر منه على الإطلاق أما الورل الصحراوى فهو أكبر الزواحف البرية آكلة اللحوم بالمحمية ويقطع مسافات طويلة بين البيئات المختلفة باحثا عن غذائه من الفرائس المتنوعة وهناك أنواع تنشط أثناء الليل مثل ثعبان البسباس الجبلى والبرص واسع العينين والحية القرعاء وهى النوع الوحيد من الثعابين السامة الموجودة بالمنطقة وهناك عدة أنواع من الزواحف المعرضة لخطر الانقراض في المحمية منها السلحفاة البرية المصرية التي إختفت في الآونة الأخيرة من المنطقة وهناك جهود لإكثارها وإعادتها إلى مناطقها السابقة كما تعمل إدارة المحمية على تأمين مستقبل تواجدها بالمحمية ووضع برنامج خاص للحماية متعدد التوجهات حيث يتم رصدها بإستخدام موجات الراديو بالاضافة الى الرصد بطريقة إقتفاء الأثر التقليدية كما تتواجد بالمحمية من الزواحف السلحفاة الخضراء والسلحفاة كبيرة الرأس وهما من الأنواع البحرية التي تضع بيضها على الشواطئ الرملية بالمنطقة وهى حاليا موضع دراسة لتحديد أعدادها وأفضل الوسائل لحمايتها ……
ويوجد بالمحمية تنوع في النباتات التي تعد أحد عناصر البيئة الطبيعية الهامة حيث تضفى على المنطقة الحياة والجمال لكونها تعمل على تثبيت التربة وزيادة خصوبتها كما تلعب النباتات دور أساسي في حياة العديد من الكائنات الحية الأخرى فيعتمد البعض منها عليها كغذاء أو كمأوى أو كملجأ من الأخطار ومنها ماينمو بين الكثبان الرملية المتحركة مثل الثمام وهو نبات نجيلى معمر فيعمل على تثبيتها كما أنه من أفضل نباتات المراعي الطبيعية سواء من حيث إستساغة طعمه أو قيمته الغذائية المرتفعة ومنها ايضا النصي المكنسي الذي ينمو فوق الكثبان الرملية ويقوم بدور مماثل إلي جانب شجيرات العادر المعمرة التي تنمو بغزارة على الكثبان الرملية المتحركة فتعمل على تثبيتها وتتميز بوجود نسب مرتفعة من الزيوت العطرية النفاذة والمركبات الأخرى في تكوينها والتي تستخدم في صناعة الأدوية والمبيدات الحشرية كما تنتشر في مناطق الكثبان الرملية أنواع أخرى عديدة من النباتات من أشهرها المثنان والحاد وأشجار الرتم والرطريط الأبيض وهو نبات يتحمل الملوحة ووجوده يدل على إرتفاع نسبة أملاح الكالسيوم لذلك فهو كاشف جيد لنوع التربة وتركيبها الكيميائي والغردق وهو عبارة عن شجيرات معمرة واسعة الإنتشار في الأراضى الملحية الجافة وثماره اللبية الحمراء ذات مذاق طيب وصالحة للأكل وتتغذى عليها بعض أنواع الطيور والهالوك ذقن الجن وهو نبات زهرى كامل التطفل على غيره من النباتات وأوراقه مختزلة إلى حراشيف صفراء وبنية اللون كما تنمو الخريزة بغزارة في السبخات وهى نبات عصيي يختزن كميات كبيرة من الماء وله قيمة غذائية عالية لذلك فهو يصلح للإكثار كمحصول علف جيد في الأراضى التي لا تصلح لزراعة غيره من النباتات كما توجد أنواع أخرى من النباتات البحرية مثل حشائش البحر التي توجد بكثرة في البحيرة والتي تحتمى بها وتتغذى عليها أنواع من الأسماك …..
وتضم المحمية عدة بيئات بحرية متمثلة في مياه البحر المتوسط والجزء الشرقي من بحيرة البردويل وتعيش فيها أشكال متباينة ومتعددة من الكائنات البحرية مثل الرخويات والقشريات والمحاريات والأسماك والسلاحف البحرية والدرافيل وتمثل الأسماك أحد الموارد الهامة بمنطقة المحمية وأهمها الدنيس وأسماك العائلة البورية والقاروص وسمك موسى وعلاوة علي ذلك فتوجد بالمحمية بحيرة الزرانيق شديدة الملوحة ويتراوح عمقها من متر إلى متر ونصف كما توجد بالمحمية قرية صيادين يسكنها حوالي 50 صياد وكثبان رملية في الطرف الجنوبي للمحمية وأرض المحمية مملوكة للدولة إلا أن البدو يسكنون على أطراف المحمية وهم يعتمدون على الأمطار للزراعة كما يعملون أيضاً بصيد الأسماك والطيور ورعى الأغنام والبعض منهم يعمل بشركة الملح التي تقوم بإستخلاص الملح بالمنطقة كما أن السياحة أصبحت أحد المهن الجديدة بالمنطقة …..
وعلاوة علي ماسبق فإنه توجد داخل نطاق محمية الزرانيق مواقع أثرية أهمها منطقتى الفلوسيات والخونيات وبخصوص منطقة الفلوسيات ويرجع إسمها إلى أن البدو المقيمين بالمنطقة إعتادوا العثور على العملات المعدنية الأثرية بها والتي يسمونها الفلوس وهي تقع علي الحد الشرقي لبحيرة البردويل أو بحيرة سربونيس كما كانت تسمي في العصر الروماني البيزنطي علي بعد حوالى 30 كم شرق مدينة العريش وعلي بعد حوالى 3 كم من ساحل البحر المتوسط وكان إسمها في العصر الروماني البيزنطي أوستراكين وقد أنشئت مرافئ مزدهرة ومحطات تجارية قد إستحدثت ربما كإمتداد يونانى على طول هذا الطريق ومن ضمن هذه التجمعات كانت مدينة رينوكورورا أو رينوكولورا وهي العريش حاليا ومدينة كاسيون ومدينة بيلوزيون ومدينة أوستراكين التي نتحدث عنها وغيرها وهذه المدن إزدهر نشاطها التجارى والصناعى من تجارة دولية وبناء سفن وتصنيع أقمشة وزجاج وتمليح أسماك وتصنيع بلح وصيد وقد ذكرت هذه التجمعات بشمال سيناء بواسطة المؤرخين والجغرافيين مثل ديودور الصقلى وإسترابون وبيللينى الأكبر وكلوديوس البطلمى وهيروكليز وغيرهم وفى الخرائط وخطوط السير من العصر الرومانى البيزنطى مثل خط سير أنتونينى أوجاستى وخريطة الموزايك لمادابا ولقد إزدهرت تلك المدن حتى أوائل العصر العربى وتعتبر الفلوسيات أو أوستراكين بعد الفتح العربى حامية مع ميناء تسمى الوارادا أنشئت بالقرب منها ولكن هذا الميناء قد نهب بواسطة القراصنة عام 1249م ثم لحقها تدمير بواسطة زلزال عام 1302م وبموقع الفلوسيات تمت بعض الإكتشافات بواسطة حملة التنقيب التي قامت بها جامعة بن جوريون الإسرائيلية في شمال سيناء وقت الإحتلال الإسرائيلي لها وقد إستنتجت تلك الحملة أن المدينة الرومانية البيزنطية أوستراكين تغطى مساحة بإتساع 2 كم وهو قطاع واسع من المدينة ظهر مغطى بطبقة رفيعة سمكها حوالي متر واحد مكونة من الطمى والبقايا البحرية أما جان كليدا الأثرى الفرنسى وهو أول مكتشفى أوستراكين عام 1914م فقد إكتشف بالمدينة أول بقايا أو آثار حالتها جيدة إلي حد ما من المبانى العامة مثل كنائس من العصر البزنطى وبعض المبانى الحصينة وآثار أخرى لمبني يظن أنها لدير حيث وجدت حوائطه ومقاصيره مزخرفة بكثير من الصلبان ورموز مسيحية أخرى ويعتقد أن الحصن أو الأسوار التى بنيت في هذا المكان بواسطة الأباطرة البيزنطيين كانت لحماية طريق سيناء ضد المغيرين من الفرس في غزوهم لمصر كما إكتشف كليدا مبنى البازيليكا أو السوق الرئيسي للمدينة وهو مبني واسع به العديد من المستودعات والمحلات المتسعة وقد إكتشف تحت أرضية الصالة الرئيسية به سرداب ورفات يعتقد أنها لبعض من رجال الدين كما وجد حوالى خمسين لوحة يونانية أكثرها قد نقش بإسم أوستراكين وعلى بعد حوالى 1.5 كم للشمال إكتشف كليدا كنيسة أخرى أى أن جملة ماتم كشفه بالموقع ثلاث كنائس وهذه الإكتشافات الأثرية في منطقة الفلوسيات أو أوستراكين مكنتنا الآن من إعادة بناء وتخيل تاريخها ويجب ملاحظة أن موقع أوستراكين الذى جعلها نقطة الإتصال بين الطريق الساحلى والطريق التجارى القديم الذى كان يمر جنوبها والذى كان يسمي طريق حورس وكذلك وجودها على مقربة من مخرج بحيرة سيربونيس أو البردويل إلى البحر المتوسط فإن ذلك أعطاها أهمية قصوى كمحطة طريق ومركز تجاري هام كما أنها تم إعتبارها حامية أو منطقة عسكرية مساعدة لحماية مصر في هذا الجانب ومن هنا فقد أصبحت مدينة أسقفية أى مكان الأسقف كما أنه على بعد حوالى 70 م شمال البازيليكا الواسعة تم الكشف بواسطة جان كليدا أيضا على مبنى كنيسة واضح جدا وبذلك يكون جان كليدا قد قام بالكشف عن 4 كنائس وكان من أهم ماتم إكتشافه في تلك الكنيسة إبريق من البرونز ذو يد مزخرفة بأشكال حيوانية علاوة على سرجة من البرونز أيضا يدها على شكل صليب وكذلك حوامل مسارج من البرونز كما تم الكشف عن العديد من القطع الفخارية المزخرفة هذا بالإضافة إلى الكشف عن عملتين ذهبيتين واحدة من عهد الإمبراطور البيزنطى هيراكليس ضربت في نيكومديا ما بين عام 613م وعام 614م والأخرى من عهد قسطنطين الرابع ضربت ما بين عام 668م وعام 685م …..
أما منطقة الخوينات فهي تقع على بعد 2 كم من الفلوسيات فقد قام وزير الدفاع الإسرائيلي الشهير موشى ديان بإكتشاف بعض شواهد للقبور بها وهي عبارة عن قطع حجرية من الأحجار الكلسية التى يظهر بها بقايا الأصداف البحرية والأجزاء العلوية من الأحجار على شكل إنسان وخاصة الوجه وتم تحديد قسمات الوجه باللون الأحمر ونحت لأشكال صلبان وعبارات كتبت باليونانية القديمة بها العديد من الأخطاء والكتابات توضح عمر وإسم المتوفى ووظيفته وبعض الأدعية له باليونانية القديمة وقد تم نقل بعض الآثار التى كشف عنها جان كليدا الفرنسى في القرن الماضى إلى متحف الإسماعيلية وهى معروضة حاليا هناك حيث أنشئ المتحف خصيصا لحفظ الآثار التى كان يعثر عليها أثناء فترة حفر قناة السويس أما القطع الأثرية التى كشف عنها في حفائر بعثة جامعة بن جوريون الإسرائيلية فقد إستردتها مصر من إسرائيل ومعروض جانب منها حاليا في قاعة العرض المتحفى بمدينة القنطرة شرق وبدراسة القطع الآثرية وعمارة الكنائس في منطقة الفلوسيات فنجد أنها ترجح أن يكون عصر إنشائها هو القرن الخامس الميلادى ويجب علينا أن نلاحظ أن كنائس الفلوسيات أو أوستراكين لم تدمر أى أجزاء منها أثناء الفتح العربى الإسلامى لمصر عندما مر جيش المسلمين بقيادة الصحابي الجليل عمرو بن العاص عليها في شهر يوليو عام 638م مما يعد دليلا قاطعا علي سماحة الإسلام والمسلمين وإحترامهما لأهل ودور عبادة الديانات الأخرى وتبين قطعة العملة الذهبية التى تم إكتشافها في الكنيسة الرابعة والتي تعود إلي عصر قسطنطين الرابع أن هذه الكنيسة ظلت تستخدم كمكان للعبادة لمدة 30 عاما علي الأقل بعد الفتح العربى الإسلامى لمصر كما أن الكنائس الأربعة التى إكتشفت في ذلك المكان توضح إزدهار وعلو شأن المبانى المسيحية الدينية بالإضافة الى حجمها الكبير وفخامتها في العصر الروماني البيزنطى .

المهندس طارق بدراوي شهاب الدين

زر الذهاب إلى الأعلى