مقالات

الخروج من سجن النفس

عندما نتكلم عن “الخروج من النفس” يسمعها كثيرون أنها احتقار النفس وإهمالها وكراهيتها. للأسف لأن كثيرين قدموا مفهوم “إنكار الذات” بهذه الطريقة “المريضة” (وهي طريقة قديمة ومتأصلة ربما تعود إلى دخول تأثيرات غنوسية وأفلاطونية حديثة Neoplatonist على المسيحية، ومنها ربما إلى الإسلام أيضاً، تحتقر الجسد والطبيعة البشرية وتفترض أن الاقتراب لله والعالم الروحي، يزداد باحتقار الإنسان).
هذه الطريقة غالباً ما تؤدي بالناس إلى الإنحصار في أنفسهم أكثر وكراهية أنفسهم أكثر والخوف أكثر من الناس ومن العالم ومن الله ومن الحياة مع الله.
الخروج من النفس يعني أن تتذوق الفن وتتأمل الطبيعة (أنظروا إلى طيور السماء، تأملوا زنابق الحقل) الخروج من النفس يعني أن تنظر للبشر وتتأمل حياتهم وتستمع إلى قصصهم وتفرح لفرحهم وتفهم أحزانهم (انظروا هذه المرأة. انظروا قائد المئة.. لم أجد ولا في إسرائيل إيماناً مقدار هذا. أيتها المرأة السامرية، اعطيني لأشرب ! ).
الخروج من النفس هو الحياة مع الله وفي عالم الله. مع الناس وفي عالم الناس. صحيح أن الإساءات التي تعرضنا لها تحصرنا في أنفسنا وفي ألمنا، فيزداد هذا الألم، لكن ليس من المستحيل أن نخرج خارج أنفسنا حتى ونحن متألمون.
المتألمون ألماً شديداً بسبب الإساءات الشديدة، خاصة في الطفولة (وهم الأغلبية في مجتمعات مثل مجتمعاتنا) لا يحتاجون لمن يؤنبهم ويعظهم أن “ينكروا ذواتهم” أو “يخرجوا من انحصارهم في أنفسهم” وإنما يحتاجون لمزيد من المحبة والأبوة والأمومة لكي يتغلبوا على الخوف من الناس والعالم والحياة، و على الخوف من الله أيضاً، خاصة إذا كانوا قد تعرضوا أيضاً لإساءات روحية. أي إساءات باسم الله والدين، أو من أشخاص يمثلون الله (ملاحظة : الآباء يمثلون الله دون أن يدروا).
إذا بالغت في “وعظ” هؤلاء ولومهم، فإن جزء منهم سوف يتفق معك لكن لن يخرجوا بالفعل من أنفسهم، وإنما ربما يضيفون “إدمان الدين” و”إدمان الخدمة” إلى مجموعة إدماناتهم التي اعتادوا بها الهرب من أنفسهم أو ربما للحصول على شعور بالأهمية والقيمة (بعضهم سوف لن يستنكف إضافة إدمان الدين والخدمة والانتماء للجماعة الدينية إلى أدماناته السابقة حتى وإن كان منها جنسي أو ينطوي على خيانة زوجية، طالما كل الأمور في السر)، أما البعض الآخر فسوف يغضب ويتمرد على الله وعلى المؤسسات الدينية وربما يُلحد تماماً.

مثل هؤلاء يحتاجون للحب أكثر من احتياجهم “للدفاعيات.”

هؤلاء بالذات يجب أن نُجسد لهم الحب الناضج المتزن لكي يخرجوا من أنفسهم ليروا العالم والله والآخرين ويتناقص خوفهم من كل ذلك. عندئذ، ويا للعجب ! سوف لأول مرة يرون أنفسهم ويحبونها بدلاً من الخوف والخزي.
إنكار الذات ليس كراهيتها. إنه التحرر منها المؤدي إلى محبتها محبة حقيقية
الهدف في النهاية هو أن تُحب الله ونفسك وقريبك. وكل محبة من هذه الثلاثة تقوي من الاثنتين الأخرتين وهكذا.

زر الذهاب إلى الأعلى