اخبار

حُرة هي كما لو كانت طائرًا يُحلق في الأفق عاليًا..

✍️ شروق خيري

كان القمر مُنيرًا في الأفق، الليل مُقيم في وطننا كأن لا مكان في أرضنا سوى للظلام، يبدو وأن الشتاء على وشك أن يحل، فقد كان الجو يبث نسمات باردة ورياحا خفيفة، حتى أصبحت خصلات شعري تتطاير مع الهواء، في مملكتنا لا نعلم من الحاكم، لكننا في استعداد دائم للحرب، جنود يلتفون حول وطننا، لكنهم ليسوا بحاميها، طلقات الأسلحة أصبحت كنغمة نتعايش بالاستماع إليها، بيوتاً لا تأمل سِوى للعيش في سلام، لكن نوافذها لم تكن لتمتد الشمس إليها يومًا، أطفال خُلقوا مُحاربين للدفاع عن هذا الوطن، ليس هنا من ولِد صغيرًا، جميعًا خُلقنا في نضال، اليوم كعادتهِ شوارع مُزدحمة يتخللها صوت العويل، لم يُخيل لعقلي يومًا كيف سيكون المكان إن كان أكثر هدوءًا، لكن الشوارع هنا لم تعرف للسلام سبيلا، هذه أرضنا قلب الأوطان، أرضنا الخضراء التي تروى بدم الشهداء ودموع الأمهات، التي يحاط أرضها بالورود، كنت أسير بين الطرقات الضيقة أبحث عن ملجئ يأوي خوفي ووحدتي، عجبًا لم تكن نفوسنا تشتهي الحرب يومًا، ولم نرد العيش يومًا به، لكنه يبدو وكأنه خُلق لنا، في هذا اليوم ابتعدت كثيرًا كأنني أود لو أن أصل إلى حدود دولة أخرى، أخبرهم بأننا لسنا سعداء، وأن أرضنا يحتلها الخوف، تمنيت لو أقابل شخصًا أخبره بأننا نتفادى الموت في كل لحظة، ألا تسمعون صريخنا؟ ألا تصل نيران أرضنا سماءكم؟
لكنني كمن يسير تائهًا، يعلم أنه مهما طال به المسير، مصيره محسوما، لا سبيل للهروب، لا أدري أحقيقة أنجو، أم أنني كمن يبحث عن حلم في أرض لا يُباح بها الأحلام، لقد طالت السنوات وأنا أتساءل في كل يوم ما سيكون مصيرنا غدًا.؟ هل ستُكتب الأرض بأسماء أهلها، أم سنبقى مشردين على أرضنا، خذلني شعوري وابتسمت شفتاي وفجأة غادرتني أفكاري، قويت قدمي في السير وبدلاً من أكمل سيري لأختبئ، عُدت إلى ذلك المكان الذي يأبى أهلي أن يتركوه، غير مُبالين بالحياة، صامدين، تتسع صدورهم لاستقبال الموت، أخذت خطواتي تُسرع حتى ركضت وعيناي تكاد ترى أمل حريتنا، كان يراودني بأن الدفء سيحيط وطننا يومًا، وستشرق النفوس فتلمع شمسنا في الأفق، الأماكن والطرقات ستتذكرنا، ومهما غادرنا سنبقى أحياء على أرضها، ولأنها تحيا بدمائنا، سنبقى في وطننا أبطالاً، في الحقيقة كنت خائفة حتى وصلت إلى ساحة المحتلين وعيناي تتحدى كل المخاوف، لم أرى سوى أن أصبحت كل الأسلحة صوبي، ارتفع صوتي للمرة الأولى
قائلة: أين حريتنا؟
لا أعلم من يسمعني، مثلكم أعرف أنه مهما ارتفع الصريخ، لا جدوى، فالقلوب صماء، لكننا لم نخلق لنخضع لسلطة ولا لأن تُقيدنا الأحكام ،سنعتز بحريتنا حتى وإن طال بنا الزمن، في لحظة بهتت كل الألوان أمام عيني، وكل الصور أصبحت ضبابية، خذلتني قوتي وسقط جسدي على الأرض، ما لبث سوى أن شعرت بأنفاسي تتخافت شيئًا فشيء، لكن لنظرتي الأخيرة، لم أرى شيئًا قد تغير، كنت أظن أنَّ أرواحنا أغلى من أن يحتضنها الدم ويواريها تراب الهزيمة، سيشرق وطننا من جديد، نحن فداء أوطاننا، وسنحيَّ كِرامًا أعزاء، كأننا ولدنا في غير زمن، وستشهد لنا الأماكن بالصمود رغم أنها أحيانًا كانت تهتز فزعًا، ولأن الأرض لنا، سيعتز المكان بنا، نحن من حماه…

زر الذهاب إلى الأعلى