أدب و فن

قصة قصيرة بعنوان “” آه لو تمطرين “” للآديب السيد ياسين ابراهيم “”

تدافعت الرياح في الخارج , وتوالي تصفيقها المتتالي , دون تملل وقف يتابعها تتمايل مزمجرة , و تسأل في نفسه هل ستزداد ام تمطر , منعه صوت ارتطام ضلفة نافذته التي ينظر منها من الاسترسال في افكاره , فتح النافذة ليثبت مزلاجها , وأحس بانقباض ملآه اثر متابعة الغيوم في السماء
و التي تنبأ عن جو ينوح مثيرا عواصفه في عروج غير مستقر , وتمتم

.. لو تمطرين

مع اشتداد الرياح , راحت تصفر معلنا عن عنفوانها , تنتابها حالة من الترقب وهي تتابع ما تفعله بفروع الشجرة اليتيمة امام شرفتها , يتطوح كل فرع في اتجاه و تكاد ان تسمع صوت حفيفه , ثم ترتد كلها كأنها ثملت معا , و تؤدي رقصة بدائية ,أو هي حاله من التوحد تبدو فيها مستنامة في اتجاه واحد

يستغرقها الأمر تماما , تظل ترقب هدوء عنفوان تلك الرياح و فتوتها , وتحول تصفيقها المتتالي الرتيب الي صفعات مكتسحه لكل ما أمامها .

أنهج و ادور في غرفتي بلا توقف , و عيني هناك لا تفارق زجاج الشرفه , اقترب منها , الصق وجهي به , اتطلع الي السماء , الغيوم تتشكل فيها بأشكال رائعه تنداح في تموجات و تقرفصات
تترآئ لها اشكال حيوانيه ديناصورية الحجم , اسطورية الشكل , و تتناهي صغرا بحجم غزلان المهي و الارانب البرية , و طيور عملاقة فاردة اجنحتها بمساحات شاسعة , مشكلة تعرجات , يتخللها سواد قاتم , مغيم بدوامات هائله لتتحول إلي سديم من ضباب رقيق , يتكاثف , ويتجلي كأشجار السرو وسعف النخيل .

خفت صوت الرياح , انبلجت السماء عن هدوء ندي بعد ارتعادها ومع انفلات أول قطرهةماء وملامستها زجاج الشرفة تراءي ووضح وجهه لها .

فتحت باب الشرفة, مع تحول المطر الي رزاز خفيف يتبختر في نزوله , فتحتها الي آخرها خطت الي آخر الشرفة , رفعت رأسها , اغمضت عينها , استقبلت الرزاز علي وجهها , مدت يدها , بسطت كفيها علي آخرهما ..

أتسعت الدائرة , البنات كونها , تقف في منتصفها مغمضه عينيها , تلف , تدور , محاولة الخروج من الدائرة المكونة من صاحبتها , يقودنها بخبث نحو بقعه ماء …
خلص المطر … يردن .. ليسه .. خلص المطر ل س ااا ه … يتحركن بالدائرة كلها , باجسادهن ليوسعن الدائرة و يضيقنهن حسب حركتها هي .. خلص المطر ل س … , تقبض يدا حانية علي يدها النحيلة .. حاسبي الميه يا صبوحه .. يلحق بها محمود ابن عمها , قبل ان تسقط , تفتح عينها تري بركة الماء التي قادنها اليها خبث صاحبتها , تشبثت بيده بقوة خشية الوقوع فيها , تنتفض , تتأرجح بجسمها كأنها ستقع داخل بئر سحيقة , في خفوت تقول له .. متشكرة يا محمود ..

يصرخن البنات عندما يرون فشل خبثهن , و يصرخن نكاية في ابن العم .. يا مطرا رخي رخي
يا مطرا رخي رخي .. يشدها تعالي افرجك علي المطرة من وراء ازاز اوضتي
و الصراخ يعلو منغما سريعا مستحسا المطر علي النزول اسرع .. يا مطرا رخي رخي .. يا مطرا رخي رخي , يحاول عصر شعرها , يتساقط الماء علي وجنتيها تحس بالفرحة ,تمضي متشابكه الايدي معه ..

وهو محتضنا يدها تري وجه ابيها الحنوبي الغائب عنه الابتسامة ابدا , و الذي يري
لعب البنات في الخارج .. قلة حيا .. تخاف ثورتة العارمة المكتومة ., وتحاول ان تتحرك امامه داخل المنزل مسرعا , ملبية طلبات امها , ثم تستكين في ركنها المفضل ململمة كل لعبها حتي لا يرها تدفسها بإصرار عنيد تحت الكنبه ما بين نهاية بوريه جدتها بادراجه الخمس الضخمه و بداية كنبتهاالتي تعتليها بعد صلاتها , لا يقترب والدها منها و هي خاشرة نفسها فيه , و الذي كانت تظن انه ركن له سحرا خاص يجعله لا يقربه لعقابها , لم تكن تعلم في سنها ذلك ان الحماية تلك تأتي من النظرات النارية لجدتها موجهة الي ابيها ..

– ايااااك .. ولينسحب في هدوء دون ان ينطق ..

تخافه , لاتسمع صوتة كثيرا يزغر لها بعينيه ’ في نظرتة قسوة عاتية ابلغ من اي كلمات , جهورية صوته لا تسمعها الا في مزاحه مع اخيه . عمها , شاربه الكث المطبق علي شفتيه العليا باكملها و نصف السفاي تمنت ان تراه بدونه ,عندما يضحك , وما اقل ما راته يفعل ذلك تشع عيناه بطيبه , تحتضنها بلهفه و تمضي بها الي ركنها , تغمض عينها عليها , ومزيحة بها زغرته لها .

يوقفها امامه مباشرة بعد الانتهاء من صعود الدرجات التسع الاولي للسلم , علي الدرجه الكبيرة التالية لتلك الدرجات , يمد يده محاولا ازاحه شعرهاالملتصق بعنقها
يأخذه خصلة خصلة يكوره في يده , يعصره يتساقط علي صدرها ببطئ , يحاول اعاده شعرها الي ما كان عليه قبل ان يبلله المطر , يمشطه باصابعه يكتشف ان
تمشيطه لا يعيد شعرها الي ماكان عليه قبل البلل ..

– استني اجيب المشط .
قبل ان يستدير تجري من امامه , تكاد تتعثر علي السلم و تسقط , تمسك بالدرابزين
مرتمية عليه بثقل جسمها كله , حتي تجد نفسها امام بابا شقتها , تدلف الي داخلها بنفس سرعة هبوطها السلم , متجهة الي ملازها ركنها الآمن , تصعد الي كنبه جدتها تستند علي كتفها معلقة نظرهابالنافذة و المطر ينهمر , ترفها بيدها الواهنتين و برفق اضعها علي حافة النافذة , لتجلس مسمرة عينها في زجاجها تخشي ان تفوتها نقطة واحدة منه , تضع كفيها علي وجنتيها محملقة في السماء و مائله للخلف برأسها , لتصل الي اخر مدي له و تتابعه منذ لحظة وصوله من هناك من بين تلك السحب البيضاء و الغيوم الداكنة , تطيل بها الجلسة بعد ان
تحوط ركبتيها و مرفقيها , تتابعها الجدة بحنان بالغ , و تبتسم هازة رأسها …

– بتحبي المطر اوي يا صباح …. تومئ لها دون ان تدير رأسها اليها ..

عندما صارت في الرابعة عشر كان محمودا يقرأ لها محاولاتة البسيطة في كتابة الشعر , كاتبته هي ايضا و لكنها لو تنطقه خارج شفتيها و ظل حبيسها ابدا
كثيرا ما كان يأتيها بكتاب في الشعر , يعلم انها تحب ان تسمعه يلقيه لها , خاصه
مع سقوط المطر , كان احلي ما تحب سماعه قصائد كامل الشناوي , نزار قباني
صوته يتفتح بنبرات الرجولة , تختار هي ما يقرأه لها مشدوهة تستمع اليه , ظل
هو صاحب مشوارها المدرسي صباحا و في العودة …

محمود معها في الروحه و الجايه تقول .. جدتها بحدتها الطيبة . حتي ابوها رغم
قناع تجهمه تنفرج اساريره امامها , تتمني ان تدوم تعليمات الجدة طوال اليوم
المرة الاخيرة التي رافقها فيها عودة , كانت يوم وفاة جدتها .

كان الجسم مسجي علي الكنبة وسجادة صلاتها كما هي مبسوطة في منتصف الحجرة بميل نحو القبلة , كانت الملآءة البيضاء التي لف بها الجثمان بأكمله تفضي مهابة لجلال الموت الذي أحست به , امسكت سجادة الصلاة , رفعتها ووضعتها برفق فوق وسط و صدر جدتها , كثيرا ما راتها تضعها علي وسطها و تعلم انها تشعر بالام جنبها , منذ وعت , ومرأي جدتها فوق سحادة الصلاة , و مستقبلة اياها بعد الفراغ من تسبيحها و دعوتها لها ، فاتحة زراعيها لترتمي في حضنها .

أحكي لي حكاية يا جدتي … الأن وجدت السجادة ولم تجد زراعي جدتها , يجب ان تذهب معها .
قبل أن ينتهي مساء اليوم الثالث لوفاة الجدة , تلقت أول تعليمات أبيها بوحهه الذي زاده الحزن صرامة و اخيه بجواره .
خدي بالك أبتداء من بكرة مرواحك المدرسة لوحدك , المشوار من هنا للمدرسة ربع ساعة , الخروج في الواحدة الساعه ، الواحدة و الربع تكوني هنا ،مفهوم , أنجري ، أنتابتها الحيرة و الفزع , عمقهما مفهوم و أنجري ..

الأولي كانت تحوي وعيده نحو أرتكاب أي هفوة , و الثانية عنت لها ذهاب الحماية الي غير رجعة , و أن غضبه لم يعد مكتوما .
جرت الي الحجرة الخالية لم تستطيع الاختفاء ما بين البورية و بداية كنبه الجده .
لم يعد الركن السحري يسعها , حاولت مرة وخجلت رفض جسمها الانصياع لها في التواري في كونها الركني , جثت علي ركبتيها , مالت بكتفها محاولة ان تنزوي فيه , فشلت , فكرت ان تسقط مقرفصه من فوق طرف الكنبة في انزلاق راسي ، لم تفلح , احست بنهر من الدموع السخينه , و ارتمت حاضنة طيف جدتها و نامت لأول مرة بعمق منذ و فاتها .

تنساب رخات المطر ، تتأمله , تتوحد معه , تصير نقظة فيه . نقطة كبير ة لا ترتطم بالارض ولا السماء , نقظة تنتقل في كل الاتجاهات نقطة تحس , تري , تندفع نحو الاشجار , الازهار , الوجوه , تلمسها برقة و نعومة قبل ان تسير تلك النقظة
ادهشها ان تري لب الموجودات الكائنه أمامها , حتي تلك الشجرة اليتيمة امام منزلها
تري ما بداخلها ينبض و ينعي وحدتها وسوء ما حولها و افتقاد بني جنسها حولها .
في تأملها لهذه الشجرة الوحيدة تصعد بنظرها حتي قمتها , في نهاية صعودها النظري ذاك , تشعر انها ذابت تماما داخلها اصبحت فناء فيها , تبلغ قمة الرضا متحيلة خلودها الابدي ما بقت هذه الشجرة , تمضي الي قلبها تمتزج فيها …
اهرب من بروده الجو و عنف الرياح الي دقئ قلبها تتوحد فيه … وكأن المطر يخص تلك الشجرة الآن , يغسل , يغسل اوراقها المتربة , فبدت فروعها منتشية مثلها
و بدت هي مع هطول أول قطرة , تتفتح مسامتها ,تلصق نهديها بسور الشرفة المتساقط عليه المطر , كلما زاد هطوله تزداد هي التصاقا , تسري فيهما الحيوية , بطرف خفي تحس بصدرها يلتهب , يتوهح وكأنها تتمتع بحنا ن شئ محسوس و هناك من يضغط عليهما بتؤدة , تتألق عينيها , تتلآلآ وجنتيها , لتظهر نضارة و ألق بشرتها , تصعد حمرة الصدر الي الوجه كله
تنتقل السخونة الي شقتيها , تلصقهما بزجاج الشرفة في محاوله لترطيبهما
رغم برودة الجو إلا ان جسدها كله يتحول لظي نارا تلهبها تزداد كلما اشتدالمطر هطولا , ينداح المطر علي مهل , تحس به منهمرا داخلهاو ما يلبث ان ينسل ببطئ اكثر , تعاظم السكون صار الصوت الوحيد الذي تسمعه .
الان تقول هو في الطريق اليها , مخترقا طريقا طويل بعض الشئ و لكنه لا يستغرق وقتا طويلا بدأ هزيم البرد و البرق مع هطول شديد للمطر , تتابع قطراته تتهادي علي الزجاج في انسيابية خطوط شفافه تراها بلون البنفسج الخفيف , عندما تميل برأسها يمبنا ثم شمالا , ينكسر انعكاس ضوء العربات المارة ، ما بين حدقة العين وبؤرة النظر فتلمع خيوط بنفسجية , لا تراها الا بإمالة عنقها في حركة متموجة , تتأمل ساعة الحائط التي بدي بندولها و كأنه يجنح الي الدعه , ويود التوقف , خيل اليها أنه في طريقه حقا للتوقف , تباطئ الزمن بالنسبه لها , تتعلق عيناها بدقاتة المتباطئه الكسوله و همهمتة … تأخ… ر…

و لتتوافق نبضات قلبها مع صوت دوران عقرب الثوان وصوتا تسمعه يخفق فيها يئن امامها , في دوران منتظم لدقات تدور مرة , تنبض مرة حسبت كم يقطع من الوقت للوصول اليها … تأخر … تأ… خ … ر يزداد توترها يطول انتظارها , تطوي احاسيسها تقودها قدميها الي الخارج , هواء رطب تشعر ان له طعم , رائحته تملأ انفها , روحها كلها , تستكين له , يتغلل فيها يأتي عبر تموجات حانية تجعل وجهها نديا , يستثيرها ذلك ، ماذا يمنعها ان تركض الان ………..

 

بدت كعصفورا طائش يتنقل من شجرة الي شجرة , و من فرع الي فرع لم تقوداها قدمها الي طريق محدد , استسلمت لخطواتها , تقودها من حارة الي حارة , سلكت حارات عديدة قبل ان تصل للشارع الرئيسي , رغما ان لها دربا محددا في رواحها و غدوها , لا تحيد عنه , تنفست بعمق و هي تشاهد الشارع الكبير يملأه الصمت تصنتت عليه , لافتات المتاجر و الوان انوارها المتعددة وفق نفق ذوق ومزاج أصحابها فبدت كلها متنافرة , راحت تعيد تنسيق الوان الأضواء مع تغيير أماكنها , فجاءة
أظلمت كل المدينة , أحست انها ذلك العصفور و أنها ستتناثر الي شظايا في تجوالها , اصطكت قدميها علي الأرض .
تنهمر أحاسيس لاتكتمل , تضيع في حلكة الظلام الدامس , نصفا فضيا للقمر بدا , أنفك أسره من الغيوم المتراكمة , كل ما تراه الآن دوائر تلمع و مستطيلات تبرق و أشكال غير منتظمة , بيضاوية , مربعه , كمثرية , أشكال يبدو لمعانها الفضي حسب استواء أو عدم أستواء الارض ,
كانت تشرأب بجسدها كلها عنها , تود الآ تلمس بقدميها شئ , عاودها الألحاح , ماذا لو تركض الآن ؟
ساقيها اتعرف طريقها رغم الظلام و توقف المطر .
بأنقطاع المطر تشعر بحزن شفيف , عميق , و أن روحها موحشه لا تحس بأي أأتناس مع من حولها , تمتلأ بالرغبة في البكاء , لا تطاوعها دموع , تبحث عن متكأ تستند عليه لم ينقذها سوي أنقشاع الظلام و عودة التيار الكهربائي و أنهمار المطر ثانية .
بلا أجنحه تدور في الفضاء تدور كلما أكتملت دورة , اتجهت الي اعلي مخترقة سحب رماديه تدور , تعلو , تصل الي سماء زرقاء , تدور تعلو , تعلو تبحث عن القمر هناك , حيث ينتظرها منذ زمن طويل تقبع فيه , تسكنه لا تغادره ترفض الهبوط , يخبرها انه سينتظرها غدا و في نفس الميعاد .
.. المطر في بلدنا عزيز .. كم أرقها أن تكون مدينتها الساحليه شحيحه سمائها في أنزال مطرها , أو تجرأ علي العدو الآن ؟ هل ستعرف الطريق الي منزله مع اظلام المدينة كلها مرة ثانية .
.. أن لم يقودك قلبك فلا تعول علي عينيك كثيرا .. كان دائما يردد ذلك لها
أبتل حذائها , لم ترتدي جوربا قبل نزولها , صارت قدميها في برودة تحبها , تلصصت ما حولها , علي رصيف مرتفع و قفت أخرجت قدمها اليمني من حذائها بسهولة , غمست اصابع القدم في بركة المطر , داعبتها , قبل ان ترتدي الحذاء مرة ثانية
تركت قدمها للمطر الخفيف الذي عاود الانهمار , ادارتها في كل الاتجاهات لتضمن ان المياه غمرتها كلها .
كان المطر خيوطا رفيعة غير متصلة ينزل مائلا تخيلتة ينحني ليهبط عليها , تحس به احيانا لاذعا علي وحهها , لا يؤلمها , بأزدياد هطوله و سرعته تشعر بسعادة و تزداد ضربات قلبها بسرعة , تنزلق داخلها تلك الخيوط المائية برفق كأنها تسير متعمدة البطئ , تتوحد معها و فيها لا تعرف كنة ارتياحها لذلك لكنها تدرك جيدا انها تستقبله بتبتل شديد , تعجز عن وصفه , تنظر الي السماء نحو الركام هناك يتسابق نحو التجمع , يسقط مطرا .

ترفع رأسها تتوالي خيوط الماء بلازعته المدغدغة لها , تميل برأسها أكثر تستقبله
بوجهها كله تعلم انها لا تستطيع ان تحل غطاء رأسها ترتديه منذ بلغت الرابعة عشر
.. لم تعد طفلة ..
لا تذكر انها ارتدته تنفيذا لامر الوجه الجنوبي أم ان أمها قد راق لها ذلك دون سؤال
أبيها أو نقاشه , حين فوجئت بها تجذبها أمام المرآه , حلت لها ضفيرتيها و عقصت لها شعرها , مع زغدة في صدرها و جملة بدت عابرة ولم تفهم …
– جسمك بقي فاير , اتبشنقي بالإشارب كده , خلاص انتي كبرتي لم تعودي طفلة ..
ظلت طوال اليوم أمام المرآه تنظر اليها , و كلمة أمها تراها في المرآه تتجسم بحروفها نطقا ورسما . من اين اتت امها بتلك الكلمة , ترددها بنفس طريقة امها .. اتبشنقي .. ثم تعود و ترددها بتمهل شديد و متقطعه

.. أت .. ب.. ش ..ن..ق..ي
أت ..بش .. نقي
… اتب .. شنقي ….

عاودت تقطيع الكلمة مرات و مرات وفي كل مرة تزيد حرف مع التالي له أو تنقصه
استهوتها لعبة تقطيع الحروف , في أحدي هذه التقطيعات ترتيب ما كانت تردده

بشفتيها هو .. أت .. ب.. شنق ..ي
.. .. شنق .. ي

هالها حروف ثلاثة رددتها علي غرار .. ك . ت . ب.. كما في كتاب الشيخ هلال و هي طفلة لم تتعدي الرابعه … ش..ن..ق…. شنق .
هل ارادوا شنقي حقا , تحملق في المرآه , لن تنسي يوم نزعته في يوما ممطرا ,
استقبلت برأسها و فوق شعرها الرزاز الساقط بمطر خفيف , كان الصفعة من اليد الجنوبية قاسية و عنيفة و هو يصرخ فبها .. أو تجرؤين ..
اتجهت للمرآه ثانية , ووقفت تنظر الي جسدها ثمة تغيير قد حدث , تأملت صورتها بادئة من الوجه , الصدر , الخصر , الردفين , الساقين و حتي القدمين لم يسعدها أكتمال تكور النهدين ولا انبثاق حلمتين ورديتين كأصبعي طفل رضيع ولا اكتناز
الشفتين و التورد الطبيعي لوجنتيها و كعبيها , ولا استدارة سمانتي ساقيها في تناسق مخروطي ولا دملجة الردفين في تناسب رائع مكملا لخصرها , ولا مجمل جسدها الممشوق الذي يتلائم مع فتاة في الثامنة عشر .. لا الرابعة عشر
كرهت ذلك كله , أحبت ركنها , لم يعد ملاذا , ودت لو عادت طفلة تأمن بنفسها فيه
و تستعيد و جه جدتها ………..

 

 

تنفست شهيقا مشبعا بندي المطر , منزله هناك أمامه الميدان الكبير , لكنها لا تستبينه , تكاثفت رؤها , ممرات عديدة أيا تسلك , تبدو كالهائمه , صارت تتواثب في سيرها كمن يعبر طريقا غير ممهد ملأته صخور ناتئه , مع و ثبتها , تحس انها نصفان نصف يتبدد في الفضاء , تزروه الرياح ونصف يهوي علي الأرض , يرتطم , تسمع دويه و لغة لا يعرفها غيرها , رغم يقينها بانها لغة عادية , و لكنها لغة تسكنها هي , تحاورها , تستنطقها , تموت علي الشفاه عندما تخرح لأحد , تتحشرج تهرول داخلها , لغة من الصبار المر , تمتص مرارتة بلا مبالاه تقصيها الي منفي من سراديب عميقة , تقعي بها في ازمنة يغيب وهجها و تأججها , لا تحس الماء , بل صفاء و تلك اللغة المسكونة فيها تخفق داخلها و تتهادي في دروب تنسل منها الي ركنها الآمن , طاوية الندي و بلل خفيف سري كتيار تحبه , تتقرفص فيه ولم تفكر في هصره .
تنهض بنصفها المرتطم , تلملمه , تسبح به نحو ينابيع ساخنه , تفور تطأها , تعبرها كلها , تمور أحاسيسها ’ تثور , تهدأ ,نتؤات منبجسة من الأرض مياهها كنافورات فائرة باردة , فورتها وجوها تعرفها لكنها تتلاشي سريعا , بقي وجها , وجهان , ثلاثة , وجها , وجهان , ثلاثة , وجها .. وجهان .. تبحث عن لحظة لا تستجدي فيها وجها , بل تبقيه ظلا لها في سراديبها يقودها للخروج من ترحال ازمنتها المرتجفة

واصلت مشيها نحو المنزل ,كلما دنت منه تطول المسافه اليه , راحت تدور حوله اشواط سبع , ثقلت خطواتها , تشتد الرياح تدفعها الي حيث مدخله , ثمة بقعة شاسعة تفصلها عنه كلما اقتربت , اتسعت البقعة دون بريقها , في امتداد ماردي يتسع افقيا و راسيا , و مضة بدت لها من مدخله عكستها مرايا متعددة بداخله
لامعه مصقولة مع سطح الرخام البراق , عند عبورها المدخل احست ان كل تلك المرايا
قد سطعت باضاءة باهرة و انها عارية تماما و ان المرايا المسلطة عليها الان نهشت
كل ملابسها و جردتها و اصبحت مزق من قماش , ارادت ان تتشبث بشئ ما , مدت يديها , لم تجد غير نعومة المرايا , تشبثت بنفسها و ضمت كفيها علي صدرها , احتضنته , صار وجهها في لون المطر , عدت بكل قوتها و علي درجة السلم الكبيرة التي تسبق شقتة اغمضت عيناها , راحت تصعدها هابطة الي سراديبها , توقفت تلهث , لم ينز العرق من مسامها و لكنها نضحت برودتها المحببه اليها .
هدر رعد جامح , استدارت و الاضطراب يحتاحها امام وجها , وجهان , ثلا…
وجه ابيها الجنوبي , انتابتها رعدة خفيفة سرت في كل جسدها , دوي برق خاطف
وجه وصوت جدتها …

-المطر هناك يغسلك بالخارج الآ تحبينه يا صباح , انه مائل ليلامس وجهك و يهبط نقطة , نقطة داخل صدرك لم يدخل صدري أنا ابدا هو الوحيد الذي تمنحينه صدرك
و يستسلم نهداكي لسريانه , ودون حمرة خجلك , هو ما تصيرين اماه عارية دون حرج
لينديك هو من يحيل تذمر مشاعرك الي فيض تمنيات , يداعبك فترضين لمداعبته
المتمهلة الرقيقة و تسترخين له , لا احد يتسطيع زجره او منعه عنك , زخاته الحانية ترتع معك , لا تحاولين الوقوف أمامها بهصرها او تجنبها , تبدين متأهبة لاستقبالة فور هبوطه , كشجرة يرتوي جذعها فتتطوح بانتشاء , تتألفين معه دون الوجود كله , الجميع يباغتك , يد ابيك عيناه , كلمات امك الموجعه تخابث صويحباتك بدوائرهن الخادعة , مباغتتهم تلك كانت لا تدهشك فانت و انا عرفت منذ نقشت حروف الابجدية داخلك و نطقتيها كلمات وجمل , تحولين كل ذلك داخلك لاكتشاف عالم آخر تحتويه فيجذبك اليه , لم يكن تعنين ذلك في البدأ و لكنك مضيت نحو بفطرة كانت تشدني اليك فبسطت حمايتي عليك لآخر يوم , مطرك الماطر من السماء كان يطفو بك , يدفعك للتحليق من قبر نفسك و تخلدين تنتظرين زمنا آخر ستملكينه و تحلمين أحلامك المصفده داخلك بحرية .
كنت تعصمين روحك تحسبا للحظاتك الماطر15099_397844083693747_825720885_nة لتنطلقين في نداوتها و دفئها , نداوتها في ألق وجهك و دفئها في نظرات عينيك , دفئ يشع من نظرة تتعلق بالقطرات الماطرة و التصاقك بزجاج الشرفة , تنتظرينها لتعمدك بغسل جديد بغسل الوجود دون العدم , غسل يتلائم و ذاتك كبشري من المدي لتتحدين بشفافية مع ملامح لا تبدي للرآي حولك ولكنك تعرفينها جيدا , تسعين اليها برحلة هيأت نفسك لها ومن عيونك المحملة بالف جواب لالف سؤال , كنت اقرأ اسئلتك ولا اعرف اجوبتك ولكني اسمعها في عيونك تهمس , تصرخ , تضرع , تخفق , تتوسل , تسجي , تصلي , تستكين في اغماضة تستمدينها في عمق من نذير يملأ صفحة السماء ’ تدريكينه و تتسالين و انتي ترهفين السمع وتتابعين دوائرها و اشكالها الخرافيه , تجذبك ,
ماذا لو تتكاثف السحب و تتعانق ركاماتها لتتدافع مطرا تودينه شلال يجرفك .
– كراستك المدرسية تتصفحينها مبهورة , تحملقين في صورة رايتها معك و تحسستها , تتعليق بها و تروحين فيها , تجفلين بكيانك كله لحظة مشاركة أيا لكي في النظر اليها تضعين كفك الصغيرة عليها , تداعبينها مستقبلة انزلاق مياهه بين اصابعك بنعومة , تمضين نحو عرائسك تتناوبين هدهدتها عروس عروس و تنامين بركنك في قرفصه أما نام وليدها و تنفك اهدابك مع انسياب أول قطرة للمطر علي زجاج الشرفة
تمدد صوت جدتها و سري فيها و تجلت صورتها من مرأتها التي ظنت انها هوت و تناثرت الي الالاف من الشظايا استحال لمها , ايقنت ان مرآتها لم تكن معها ولكنها فقدتها يوم موتها معها , اتكأت بجسمها مستندة بكل طفولتها علي درابزين السلم
الخشبي اللامع ليقودها الي الطريق وودت لو انه امتد حتي باب منزلها .
تمردت نسائم فصارت رياح فتيه امام شرفتها ,نحو السماء ارتفعت بوجهها كله , يتسرب منها قطرات المطر الان علي استحياء , بطيئه بطيئه ولكنها ثقيلة و كأنها تعبت من سرعة انهمار , تباطئت , نائت اكثر , تعمق فيها شعورا اكبر من انقباض
في بئر صمتها تمهل , تحسست جسدها كله , صعدت بيدها مرة آخري بنفس طريقة التحسس الهابطة , ارتاحت لكل ذلك الامتزاج بها , لم تعد هناك سوي احاسيس شفافة و جسد مسجي بملآءه بيضاء و وجهها في استدارة قمرها , ذهبت كل تغضناتة ويدا مفتوحة علي امتدادها نحوها , لم تجرؤ علي التحرك , كانت كل رغباتها قد ذابت , بردت , هوت .
وكانت هي هناك محلقة نحو السماء و تدور , ترتفع حيث ركنا آمن مملوء بدمي و عرائس و لعب تخفيها دمية دمية ,عروس عروس في عناد طفولي , وامام الشرفة رددت …
آآه .. لو .. تمط …. رين ..
تعقلت عينها بالطريق , بانتظار لقاء طال و بعد كبعد السماء و نأي كما نآي مطرها الان , وماج قلبها و انطفئت التماعة عيناها وغامت ودون وعي زفرت بكل اسي

 

… آآآه .. لو … تمطرين …………… تمت

زر الذهاب إلى الأعلى