أدب و فن

المقطع الاخير .. من قصة آه لو تمطرين للأديب السيد ياسين ابراهيم

15099_397844083693747_825720885_nتنفست شهيقا مشبعا بندي المطر , منزله هناك أمامه الميدان الكبير , لكنها لا تستبينه , تكاثفت رؤها , ممرات عديدة أيا تسلك , تبدو كالهائمه , صارت تتواثب في سيرها كمن يعبر طريقا غير ممهد ملأته صخور ناتئه , مع و ثبتها , تحس انها نصفان نصف يتبدد في الفضاء , تزروه الرياح ونصف يهوي علي الأرض , يرتطم , تسمع دويه و لغة لا يعرفها غيرها , رغم يقينها بانها لغة عادية , و لكنها لغة تسكنها هي , تحاورها , تستنطقها , تموت علي الشفاه عندما تخرح لأحد , تتحشرج تهرول داخلها , لغة من الصبار المر , تمتص مرارتة بلا مبالاه تقصيها الي منفي من سراديب عميقة , تقعي بها في ازمنة يغيب وهجها و تأججها , لا تحس الماء , بل صفاء و تلك اللغة المسكونة فيها تخفق داخلها و تتهادي في دروب تنسل منها الي ركنها الآمن , طاوية الندي و بلل خفيف سري كتيار تحبه , تتقرفص فيه ولم تفكر في هصره .
تنهض بنصفها المرتطم , تلملمه , تسبح به نحو ينابيع ساخنه , تفور تطأها , تعبرها كلها , تمور أحاسيسها ’ تثور , تهدأ ,نتؤات منبجسة من الأرض مياهها كنافورات فائرة باردة , فورتها وجوها تعرفها لكنها تتلاشي سريعا , بقي وجها , وجهان , ثلاثة , وجها , وجهان , ثلاثة , وجها .. وجهان .. تبحث عن لحظة لا تستجدي فيها وجها , بل تبقيه ظلا لها في سراديبها يقودها للخروج من ترحال ازمنتها المرتجفة

واصلت مشيها نحو المنزل ,كلما دنت منه تطول المسافه اليه , راحت تدور حوله اشواط سبع , ثقلت خطواتها , تشتد الرياح تدفعها الي حيث مدخله , ثمة بقعة شاسعة تفصلها عنه كلما اقتربت , اتسعت البقعة دون بريقها , في امتداد ماردي يتسع افقيا و راسيا , و مضة بدت لها من مدخله عكستها مرايا متعددة بداخله
لامعه مصقولة مع سطح الرخام البراق , عند عبورها المدخل احست ان كل تلك المرايا
قد سطعت باضاءة باهرة و انها عارية تماما و ان المرايا المسلطة عليها الان نهشت
كل ملابسها و جردتها و اصبحت مزق من قماش , ارادت ان تتشبث بشئ ما , مدت يديها , لم تجد غير نعومة المرايا , تشبثت بنفسها و ضمت كفيها علي صدرها , احتضنته , صار وجهها في لون المطر , عدت بكل قوتها و علي درجة السلم الكبيرة التي تسبق شقتة اغمضت عيناها , راحت تصعدها هابطة الي سراديبها , توقفت تلهث , لم ينز العرق من مسامها و لكنها نضحت برودتها المحببه اليها .
هدر رعد جامح , استدارت و الاضطراب يحتاحها امام وجها , وجهان , ثلا…
وجه ابيها الجنوبي , انتابتها رعدة خفيفة سرت في كل جسدها , دوي برق خاطف
وجه وصوت جدتها …

-المطر هناك يغسلك بالخارج الآ تحبينه يا صباح , انه مائل ليلامس وجهك و يهبط نقطة , نقطة داخل صدرك لم يدخل صدري أنا ابدا هو الوحيد الذي تمنحينه صدرك
و يستسلم نهداكي لسريانه , ودون حمرة خجلك , هو ما تصيرين اماه عارية دون حرج
لينديك هو من يحيل تذمر مشاعرك الي فيض تمنيات , يداعبك فترضين لمداعبته
المتمهلة الرقيقة و تسترخين له , لا احد يتسطيع زجره او منعه عنك , زخاته الحانية ترتع معك , لا تحاولين الوقوف أمامها بهصرها او تجنبها , تبدين متأهبة لاستقبالة فور هبوطه , كشجرة يرتوي جذعها فتتطوح بانتشاء , تتألفين معه دون الوجود كله , الجميع يباغتك , يد ابيك عيناه , كلمات امك الموجعه تخابث صويحباتك بدوائرهن الخادعة , مباغتتهم تلك كانت لا تدهشك فانت و انا عرفت منذ نقشت حروف الابجدية داخلك و نطقتيها كلمات وجمل , تحولين كل ذلك داخلك لاكتشاف عالم آخر تحتويه فيجذبك اليه , لم يكن تعنين ذلك في البدأ و لكنك مضيت نحو بفطرة كانت تشدني اليك فبسطت حمايتي عليك لآخر يوم , مطرك الماطر من السماء كان يطفو بك , يدفعك للتحليق من قبر نفسك و تخلدين تنتظرين زمنا آخر ستملكينه و تحلمين أحلامك المصفده داخلك بحرية .
كنت تعصمين روحك تحسبا للحظاتك الماطرة لتنطلقين في نداوتها و دفئها , نداوتها في ألق وجهك و دفئها في نظرات عينيك , دفئ يشع من نظرة تتعلق بالقطرات الماطرة و التصاقك بزجاج الشرفة , تنتظرينها لتعمدك بغسل جديد بغسل الوجود دون العدم , غسل يتلائم و ذاتك كبشري من المدي لتتحدين بشفافية مع ملامح لا تبدي للرآي حولك ولكنك تعرفينها جيدا , تسعين اليها برحلة هيأت نفسك لها ومن عيونك المحملة بالف جواب لالف سؤال , كنت اقرأ اسئلتك ولا اعرف اجوبتك ولكني اسمعها في عيونك تهمس , تصرخ , تضرع , تخفق , تتوسل , تسجي , تصلي , تستكين في اغماضة تستمدينها في عمق من نذير يملأ صفحة السماء ’ تدريكينه و تتسالين و انتي ترهفين السمع وتتابعين دوائرها و اشكالها الخرافيه , تجذبك ,
ماذا لو تتكاثف السحب و تتعانق ركاماتها لتتدافع مطرا تودينه شلال يجرفك .
– كراستك المدرسية تتصفحينها مبهورة , تحملقين في صورة رايتها معك و تحسستها , تتعليق بها و تروحين فيها , تجفلين بكيانك كله لحظة مشاركة أيا لكي في النظر اليها تضعين كفك الصغيرة عليها , تداعبينها مستقبلة انزلاق مياهه بين اصابعك بنعومة , تمضين نحو عرائسك تتناوبين هدهدتها عروس عروس و تنامين بركنك في قرفصه أما نام وليدها و تنفك اهدابك مع انسياب أول قطرة للمطر علي زجاج الشرفة
تمدد صوت جدتها و سري فيها و تجلت صورتها من مرأتها التي ظنت انها هوت و تناثرت الي الالاف من الشظايا استحال لمها , ايقنت ان مرآتها لم تكن معها ولكنها فقدتها يوم موتها معها , اتكأت بجسمها مستندة بكل طفولتها علي درابزين السلم
الخشبي اللامع ليقودها الي الطريق وودت لو انه امتد حتي باب منزلها .
تمردت نسائم فصارت رياح فتيه امام شرفتها ,نحو السماء ارتفعت بوجهها كله , يتسرب منها قطرات المطر الان علي استحياء , بطيئه بطيئه ولكنها ثقيلة و كأنها تعبت من سرعة انهمار , تباطئت , نائت اكثر , تعمق فيها شعورا اكبر من انقباض
في بئر صمتها تمهل , تحسست جسدها كله , صعدت بيدها مرة آخري بنفس طريقة التحسس الهابطة , ارتاحت لكل ذلك الامتزاج بها , لم تعد هناك سوي احاسيس شفافة و جسد مسجي بملآءه بيضاء و وجهها في استدارة قمرها , ذهبت كل تغضناتة ويدا مفتوحة علي امتدادها نحوها , لم تجرؤ علي التحرك , كانت كل رغباتها قد ذابت , بردت , هوت .
وكانت هي هناك محلقة نحو السماء و تدور , ترتفع حيث ركنا آمن مملوء بدمي و عرائس و لعب تخفيها دمية دمية ,عروس عروس في عناد طفولي , وامام الشرفة رددت …
آآه .. لو .. تمط …. رين ..
تعقلت عينها بالطريق , بانتظار لقاء طال و بعد كبعد السماء و نأي كما نآي مطرها الان , وماج قلبها و انطفئت التماعة عيناها وغامت ودون وعي زفرت بكل اسي

… آآآه .. لو … تمطرين …………… تمت

بقلم .. السيد يا سين ابراهيم

 

زر الذهاب إلى الأعلى