غير مصنف

العمل عبادة

344

هذه العبارة هي مقولة وليست حديث شريف، ولكن جاء في الكتاب والسنة ما يحمل هذا المعنى: فالعمل والعبادة لا يفترقان في التصور الإسلامي، ولا يتعارضان بل كلاهما يستدعي الآخر ويتطلبه، لأن العبادة عمل والعمل عبادة.
فالعمل في لغة القرآن مقرون بالإيمان، فلا تكاد تجد آية فيها عمل إلا مصحوبة بالإيمان، أو إيمانا إلا مصحوبا بالعمل، فتارة يقرن الإيمان بكلمة العمل كقوله تعالى: {وَبَشِّرْ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} البقرة: 25، وتارة يتبع الإيمان بأمر أو نهي وكلاهما عمل،
فالأمر كقوله تعالى: ٍٍ{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} البقرة: 153، والنهي كقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى} البقرة:،264.

من الواضح أن ديننا الإسلامي الحنيف ومن خلال القرآن الكريم أمرنا بالعمل الصالح، وقد ورد العديد من المواضع في الكتاب الكريم التي تؤكد على ذلك، ومنها على سبيل المثال لا الحصر :{قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُون} الأنعام/6، {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} التوبة/9، {أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} سبأ/11، {قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} الزمر39، {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} المائدة/9.

وجاء في الحديث الشريف {خيركم من يأكل من كسب يده، وان نبي الله داود كان يأكل من كسب يده}.

ونبينا الأكرم الذي هو أعظم إنسان كامل، قبّل يد العامل من باطن يده التي هي علامة للعمل، وقد قبّل باطن اليد، لا ظهر اليد، وهذه ملاحظة مهمة إذ إن آثار العمل تظهر في باطن اليد، وإنه يريد من ذلك أن يبين قيمة العمل لبني الإنسان، ويقول للمسلمين بأن قيمة العمل تتجلى هناك حيث عمل العامل.

فالعمل الصالح إذن هو عمل مأمورين به، وينبغي أن لا نستنكف من عمل معين وخاصة لآبائنا الذين عملوا وأوصلونا إلى ما نحن عليه، وبالنسبة للعراق كانت الأكثرية من الشعب هم من الفقراء الذين يعملون بأعمال بسيطة، ويكدحون ليل نهار لكي يوفروا لقمة العيش لأبنائهم، وكانت وظيفة (الشرطي) من الوظائف التي لها هيبة في المجتمع، أما الأغنياء فهؤلاء هم الأقلية وهم طبقة كانت غالبيتها لها ارتباطات لأنظمة الحكم وخاصة الملكي الذي منحهم امتيازات جعلت أبنائهم يدخلون الكليات العسكرية وكليات الطب، فاصبح منهم الضباط والأطباء والمهندسين.

استمرت هذه الحالة لحين ثورة 14 تموز/يوليو 1958م، حيث فُتحت أبواب الوظائف للطبقات الفقيرة، وكذا الحال عند مجيء حزب البعث العربي الاشتراكي للسلطة عام 1968م، حيث سًمح لأبناء العمال والفلاحين للانخراط في الوظائف التي كانت حكراً على أبناء الأغنياء، وهذا أمر طبيعي لأن غالبية المنتمين وجماهير حزب البعث هم من الكادحين والعمال والفلاحين، والقليل هم من المتعلمين.

أردت من هذه الأسطر أن لا نخفي عمل آبائنا الذين ضحوا بأنفسهم لكي يجعلوا من أبنائهم في وضع غير الوضع الذين كانوا عليه، والكثير منا وصل إلى ما وصل إليه من وظيفة وأصبح في منصب مهم، وحصل على شهادة عليا، والبعض الآخر أصبح من التجار، كل ذلك لأن آباؤنا أرادوا لنا الخير، فعلينا أن لانبخس حقهم في حالة السؤال عما كانوا يعملون، وهذه مناسبة أدعو الذين يكتبون في وسائل الإعلام أن يكتبوا أسم (الأب) تخليدا ووفاء لهم، وان لايكتفوا بذكر الأسم واللقب.

زر الذهاب إلى الأعلى