شخصيات

معالم مصر التاريخية علي مر العصور بقلم المهندس/ طارق بدراوى ** متحف أحمد شوقي **

سلسلة معالم مصر التاريخية علي مر العصور
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
** متحف أحمد شوقي **
متحف أحمد شوقي هو متحف يقع على كورنيش النيل في الجيزة بمصر وقد كرس هذا المتحف تكريما لأمير الشعراء الشاعر المصري الكبير كردي الأصل أحمد شوقي بك وهو كاتب وشاعر مصري يعد من أعظم وأشهر شعراء العربية في العصور الحديثة ولذا فهو يلقب بأمير الشعراء والذي كان يعيش في حي المطرية أحد أحياء القاهرة قرب قصر الخديوي عباس حلمي الثاني في منطقة القبة حتى نفي خارج مصر إلي أسبانيا وبعد عودته إلى مصر بنى منزلا جديدا في الجيزة يطل علي النيل أطلق عليه إسم كرمة إبن هانئ وهذا المنزل صار لاحقا متحف أحمد شوقي وقد تم تصميم بناء المنزل تصميما متميزا في صورة قصر أبيض اللون محاط بحديقة خضراء وكان قد صدر قرار جمهورى من الرئيس الراحل أنور السادات يوم 3 مايو عام 1972م بتحويل كرمة إبن هانئ إلي متحف تخليدا لذكرى أمير الشعراء أحمد شوقي وفي شهر ابريل عام 1973م تم إستلام المنزل من ورثة أمير الشعراء ليبدأ به العمل لتحويله إلي متحف وقد إفتتح المتحف رسميا في يوم 17 يونيو عام 1977م في عهد الرئيس الراحل أنور السادات .
وتعود قصة بناء هذا البيت إلي أنه كان لشوقي عادة ثابتة وهي أن يذهب كل يوم جمعه في رحلة أسرية إلى منطقة الأهرامات فقرر أن يتخذ بيتا جديدا قرب الأهرامات وقد فضل هذا المكان علي نيل الجيزة على جزيرة الزمالك المنخفضة قليلا وضاحية مصر الجديدة لإبتعادها عن قلب القاهرة آنذاك فقد كان يريد أن يملأ ناظريه بالنيل والأهرامات وأبو الهول كل صباح وكانت الأرض التي بنى عليها المنزل الجديد خضراء وأمامه ايضا فالمنطقة كلها كانت عبارة عن مساحات كبيرة خضراء وعبارة عن حديقة رائعة تلاقي النيل مباشرة وقد أقيم اليوم على جزء منها شارع الكورنيش الذي يمتد من إمبابة حتى الجيزة ولأنه كان معجبا بالشاعر العباسي الحسن بن هانئ فسمى داره بإسمه والمنزل له حديقة واسعة تكسوها الخضرة ويتوسطها تمثال لأمير الشعراء أحمد شوقي من البرونز قام بنحته الفنان المصري جمال السجيني حيث تم إزاحة الستار عنه في الذكرى الخمسين لوفاة الشاعر الكبير عام 1972م ومن جهتها أمرت الحكومة الإيطالية في عام 1962م بصناعة تمثال للشاعر أحمد شوقي ليوضع في حدائق فيلا بورجيزي أحد أشهر وأكبر حدائق العاصمة الإيطالية روما بوصفه فنان عالمي وقد حضر حفل تدشين التمثال آنذاك وزيرا الثقافة في مصر وإيطاليا إضافة لعمدة روما وعدد من الفنانين العرب والشعراء والكتاب والقصر مكون من دورين بالإضافة للقبو وعلى يمين المدخل توجد مكتبة أحمد شوقي والتي تزخر بمئات الكتب من كل فروع المعرفة كما تضم أصول المسودات والكتابات التي دونها في حياته حيث تحوي عدد 332 كتاب بالإضافة لمسودات مخطوطات لشعره بخط يده وهناك أيضا أعمال منسوبة للمطرب والملحن محمد عبد الوهاب الذي قدمه أحمد شوقي إلى الفن والذي قدم أعمالا غنائية من أشعار أحمد شوقي وأمامها غرفة للتدخين وتتلوها غرفة الطعام التي تحولت الآن إلى مكتبة للزائرين وعلي اليسار توجد المضيفة الخاصة ومحتوياتها عبارة عن سرير خشبي وخزانة ملابس من الخشب المطعم بالصدف وكنبة كبيرة الحجم وهذا الجناح شهد ميلاد ألحان المطرب محمد عبد الوهاب التي إنتشرت في مصر في أواخر العشرينيات وأوائل الثلاثينيات من القرن العشرين الماضي وعلى بعد خطوات توجد مكتبة سمعية تحوي تسجيلات لجميع أغاني عبد الوهاب التي أبدعها شوقي كما توجد مكتبة سمعية عالية التقنية في هذا الجزء من المتحف تحوي تسجيلات لأداء غنائي لعبد الوهاب بحضور أحمد شوقي ولذا يسمي هذا الجناح جناح عبد الوهاب وأهم ما في الطابق الأرضي هو القاعة الشرقية وهي عبارة عن صالون إستقبال فاخر ويتميز بالتصميم العربي والإسلامي فالسقف منقوش بالزخارف العربية أما الجدران فتزينها آيات قرآنية بالخط الكوفي وفي نهاية القاعة يمتد سلم خشبي مكسو بالرخام الأخضر ومغطى بسجادة حمراء اللون وهو السلم الذي يأخذنا للطابق الثاني وبجوار السلم يوجد قاعدة رخامية خضراء مستطيلة عليها تمثال للشاعر صنعه فنان إيطالي وعلى القاعدة لوحة تذكارية عن ذكرى تنصيب أحمد شوقي أميرا للشعراء عام 1927م ثم نجد أجنحة الأسرة وبها غرفة نوم أحمد شوقي التي لا زالت على حالها منذ رحيله فالجدار يكسوه ورق جدران هو نفسه لم يتغير منذ بناء القصر أما السرير فهو نحاسي له إطار علوي لوضع ناموسية النوم والأعمدة من النحاس وتزينه وحدات زخرفية من النحاس يقال إنها كانت مطعمة بطبقة من ماء الذهب ثم غرفة نوم أخرى خاصة بالسيدة حرمه السيدة خديجة هانم شاهين وكل ما بها ظل على ما هو عليه حتى بعد أن فارقت صاحبتها الحياة ثم غرفة المكتب الخاصة بالشاعر الكبير وتتميز بأثاثها الفرنسي الفاخر كما توجد غرفة أخرى تحوي عدد من الجوائز والأوسمة والنياشين وشهادات التقدير والهدايا التذكارية التي حصل عليها الشاعر الراحل وفي منتصف الغرفة توجد واجهة زجاجية بها بدلة التشريفة التي إرتداها الشاعر في مناسبات كثيرة وهي من اللون الأسود وصدرها مرصع بزخارف من الخيوط الذهبية وبجوار حجرة الأوسمة توجد غرفة خاصة تضم أكثر من 750 مخطوطة ومسودة لأعمال الشاعر ومجموعة من اللوحات الزيتية والتحف والصور التي تتعلق بحياة أحمد شوقي بك هذا بخلاف الصالون الخصوصي للأصدقاء المقربين وحمام خاص وحجرات خاصة بالأولاد .
والشاعر أحمد شوقي إسمه بالكامل أحمد شوقي علي أحمد شوقي بك والذى ولد بحي الحنفي بالقاهرة في يوم 20 رجب 1287 هجرية الموافق يوم 16 أكتوبر عام 1868م في عهد الخديوى إسماعيل لأب کردي وأم من أصول ترکية وشرکسية وكانت جدته لأمه تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل وعلى جانب من الغنى والثراء فتكفلت بتربية حفيدها ونشأ معها في القصر الخديوى ولما بلغ سن الرابعة من عمره إلتحق بكتاب الشيخ صالح فحفظ قدرا من القرآن الكريم وتعلم مبادئ القراءة والكتابة ثم إلتحق بمدرسة المبتديان الإبتدائية وأظهر فيها نبوغا واضحا كوفئ عليه بإعفائه من مصروفات المدرسة وإنكب على دواوين فحول وكبار الشعراء حفظا عن ظهر قلب فبدأ الشعر يجري على لسانه ولما بلغ سن الخامسة عشر من عمره إلتحق بمدرسة الحقوق عام 1303 هجرية الموافق عام 1885م وإنتسب إلى قسم الترجمة الذي كان قد أنشئ بها حديثا وفي هذه الفترة بدأت موهبته الشعرية تلفت نظر أستاذه الشيخ محمد البسيوني ورأى فيه مشروع شاعر كبير وبعدئذ سافر إلى فرنسا على نفقة الخديوي توفيق وقد حسمت تلك الرحلة الدراسية الأولى منطلقات شوقي الفكرية والإبداعية وخلالها إشترك مع زملاء البعثة في تكوين جمعية تحت مسمي التقدم المصري والتي كانت أحد أشكال العمل الوطني ضد الإحتلال الإنجليزي وربطته حينئذ صداقة حميمة بالزعيم مصطفى كامل باشا وتفتحت افكاره وميوله على مشروعات النهضة المصرية وطوال إقامته بأوروبا كان فيها بجسده بينما ظل قلبه معلقًا بالثقافة العربية وبالشعراء العرب الكبار وعلى رأسهم المتنبي لكن تأثره بالثقافة الفرنسية لم يكن محدودا وتأثر بالشعراء الفرنسيين وبالأخص راسين وموليير ومما يجدر ملاحظته أن خلال فترة الدراسة في فرنسا وبعد العودة إلى مصر كان شعر شوقي يتوجه نحو المديح للخديوي عباس حلمي الثاني الذي كانت سلطته مهددة من قبل الإنجليز ويرجع النقاد إلتزام أحمد شوقي بالمديح للأسرة الحاكمة إلى عدة أسباب منها أن الخديوي هو ولي نعمة أحمد شوقي وثانيا الأثر الديني الذي كان يوجه الشعراء على أن الخلافة العثمانية هي خلافة إسلامية وبالتالي وجب الدفاع عن هذه الخلافة ومن يتبعها في مصر ولكن هذا أدى إلى نفي الإنجليز له إلى أسبانيا عام 1915م بعد خلع الخديوى عباس حلمي الثاني عن عرش مصر في شهر ديسمبر عام 1914م فكان هذا النفي فرصة لأحمد شوقي لكي يطلع على الأدب العربي والحضارة الأندلسية هذا بالإضافة إلى تمكنه من إتقان عدة لغات مما مكنه من الإطلاع على الآداب الأوروبية المختلفة وكان أحمد شوقي في هذه الفترة مطلعا على الأوضاع التي تجري في مصر فأصبح يشارك عن بعد بأشعاره في التحركات الشعبية والوطنية الساعية لتحرير البلاد من المستعمر الإنجليزى كما كان جزء من شعره يفيض بمشاعر الحزن على نفيه من مصر ومن هنا نجد توجها آخر في شعر أحمد شوقي بعيدا عن مدح الحاكم الذي إلتزم به قبل النفي وقد عاد شوقي إلى مصر عام 1920م بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية وفي عام 1927م بايع شعراء العرب كافة شوقي أميرا للشعر والشعراء فرأى أن تكون الإمارة حافزا له لإتمام ما بدأ به عمله المسرحي حيث كان قد ألف أول مسرحية شعرية له عام 1893م وهي مسرحية علي بك الكبير وظل موضوع المسرحيات الشعرية يداعب ذهنه وخياله الشعرى الخصب من يومها وسرعان ما أخرج مسرحية مصرع كليوباترا عام 1927م ثم مسرحية مجنون ليلى عام 1932م وكذلك في السنة نفسها مسرحية قمبيز وايضا مسرحية عنترة ثم عمد إلى إدخال بعض التعديلات على مسرحية علي بك الكبير وأخرجها في السنة ذاتها مع مسرحية أميرة الأندلس وهي مسرحية نثرية وبعد تلك الفترة نجد أن شوقي قد تفرغ للمسرح الشعري حيث يعد الرائد الأول في هذا المجال عربيا وبدون منازع .
ولا يفوتنا في هذا المقام أن نذكر قصة مبايعة أحمد شوقي بك أميرا للشعراء ففي يوم 29 أبريل عام 1927م إجتمع أعلام الأمة العربية فى دار الأوبرا الخديوية لمبايعة شوقى بلقب أمير الشعراء والإحتفال بصدور الطبعة الثانية من ديوانه الذى جمع فيه أهم أعماله والذى سماه الشوقيات وبعضويته فى مجلس الشيوخ وفى هذا الإحتفال ألقى الشاعر الكبيرحافظ إبراهيم والملقب بشاعر النيل قصيدته التى قال فيها أمير القوافى قد أتيت مبايعا وهذى وفود الشرق قد بايعت معى وقد كثر الكلام حول أول من لقب شوقى بأمير الشعراء وعلي ألأرجح كان أول من أطلق عليه هذا اللقب هو الصحفي داود بركات الذى تولى رئاسة تحرير جريدة الأهرام عام 1889م عقب وفاة مؤسسها بشارة تقلا الذى رثاه شوقى ببيت صار مثلا يتردد علي ألسنة الناس يقول فيه حل بالأمتين خطب جليل رجل مات والرجال قليل وكثيرا ما كان يفتخر داود بركات بأنه أول من أطلق هذا اللقب على شوقى وهو فى بداية حياته الصحفية وقد أكد هذا الرأى الكاتب أحمد عبيد فى كتابه ذكرى شوقى الذى جمع فيه كل ما كتب عن الشاعرين الكبيرين أحمد شوقى وحافظ إبراهيم وقد صدرت طبعته الأولى عام 1932م كما أكده عبد المنعم شميس فى كتابه شخصيات حول شوقي الصادر عام 1979م ومن الثابت أن الأهرام نشر مقالا فى العدد رقم 14984 الصادر فى يوم 9 مايو عام 1926م أى قبل مبايعة شوقى بإمارة الشعر عنوانه لماذا لقب شوقى بأمير الشعراء حيث يقول صاحب المقال منذ ربع قرن ونيف جرت على لسان الأهرام كلمتان فى وصف أحمد بك شوقى وشعره الذى كان الأدباء بل الجمهور كله خاصته وعامته يترقب شعره فقالت فى وصف الشاعر إنه أمير الشعراء وقالت فى وصف شعره الشوقيات وهو ما يوثق القول بأن داود بركات هو أول من أطلق على شوقى هذا اللقب وكان اللقب الذى سبق لقب أمير الشعراء هو لقب شاعر الأمير وهو ما يدعونا إلى متابعة إنتقال شوقى من اللقب الأول إلى الآخر ذلك أن المسيرة الحياتية والإبداعية لشوقى تنقسم إلى مرحلتين المرحلة الأولى قبل النفي أى من مولده عام 1868م حتى نفيه إلى أسبانيا عام 1915م والمرحلة الثانية تبدأ منذ عودته من المنفى عام 1920م إلى وفاته عام 1932م وفى المرحلة الأولى بنى بيته كرمة إبن هانئ بالمطرية لكي يكون قريبا من قصر القبة الذى يقيم به أمير البلاد الخديوى عباس حلمي الثاني الذى كان ينظم شعرا في مدحه فلقب بشاعر الأمير وفى المرحلة الثانية من حياته بنى كرمة إبن هانئ فى الجيزة لأنها تطل على النيل المبارك الذى كان شوقي يحب أن يكون بالقرب منه من ناحية ومن ناحية أخرى فإن الجيزة قريبة من الأهرامات التى كان شوقي مغرما بها وكان يمكن رؤيتها بالعين المجردة فى زمنه وهو في بيته وهذا مايلخصه ويقوله إبنه حسين شوقي فى كتابه أبى شوقي وهو مايعطينا تصورا كاملا عن مرحلتى شوقى حياتيا وإبداعيا إذ كان فى المرحلة الأولى شاعر الأمير كما تقدم ثم أصبح أمير الشعراء في المرحلة الثانية لكن من الملاحظ أن لقب شاعر الأمير لم يستبعد اللقب الآخر أمير الشعراء من مسيرة شوقى الإبداعية بل كان اللقب يلاحقه على ألسنة بعض الأدباء والمثقفين قبل أن يبايع بذلك وقد نشرت الأهرام قصيدة له فى العدد 9069 الصادر يوم السبت الثامن عشر من شهر يناير عام 1908م يهنئ فيها شوقي سمو الأمير الخديوى عباس حلمي الثاني بعيد الأضحى وقالت فى التقديم لها ننشر اليوم للقراء قصيدة شاعر الأمير وأمير الشعراء أحمد بك شوقي .

 


وكان لأحمد شوقي الريادة في النهضة الأدبية والفنية والسياسية والإجتماعية والمسرحية التي مرت بها مصر أما في مجال الشعر فهذا التجديد واضح في معظم قصائده التي نظمها ومن يراجع ذلك في ديوانه الشوقيات لا يفوته تلمس بروز هذه النهضة فهذا الديوان الذي يقع في أربعة أجزاء يشتمل على منظوماته الشعرية في القرن الثامن عشر الميلادى وفي مقدمته سيرة لحياة الشاعر وهذه القصائد التي إحتواها الديوان تشتمل على المديح والرثاء والأناشيد والحكايات والوطنية والدين والحكمة والتعليم والسياسة والمسرح والوصف والمدح والإجتماع وأغراض عامة ولقد كان الشاعر يملك نصيبا كبيرا من الثقافتين العربية والغربية حصل عليه بسبب سفرياته المتعددة إلى مدن الشرق والغرب ويتميز أسلوبه بالإعتناء بالإطار وبعض الصور وأفكاره التي يتناولها ويستوحيها من الأحداث السياسية والإجتماعية وأهم ما جاء في المراثي وعرف عنه المغالاة في تصوير الفواجع مع قلة عاطفة وقلة حزن كما عرف أسلوبه بتقليد الشعراء القدامى من العرب وخصوصاً في الغزل كما ضمن مواضيعه الفخر والوصف وهو يملك خيالا خصبا وروعة إبتكار ودقة في الطرح وبلاغة في الإيجاز وقوة إحساس وصدق في العاطفة وعمق في المشاعر وبصفة عامة فقد منح شوقي موهبة شعرية فذة وبديهة سيالة فكان لا يجد عناء في نظم قصائده فدائما كانت المعاني تنسال عليه انسيالاً وكأنها سيل جارف فكان يغمغم بالشعر ماشيا أو جالسا بين أصحابه حاضرا بينهم بشخصه غائبا عنهم بفكره ولهذا كان من أخصب شعراء العربية وأغزرهم إنتاجا إذ بلغ نتاجه الشعري ما يتجاوز ثلاثة وعشرين ألف بيت وخمسمائة بيت شعر ولعل هذا الرقم لم يبلغه شاعر عربي قديم أو حديث وكان شوقي مثقفًا ثقافة متنوعة الجوانب فقد إنكب على قراءة الشعر العربي في عصور إزدهاره وصحب كبار شعرائه وأدام النظر في مطالعة كتب اللغة والأدب وكان ذا حافظة لاقطة لا تجد أى عناء في إستظهار ما تقرأ حتى قيل بأنه كان يحفظ أبوابا كاملة من بعض المعاجم وكان مغرما بالتاريخ ويشهد على ذلك قصائده التي لا تخلو من إشارات تاريخية لا يعرفها إلا المتعمقون في دراسة التاريخ وتدل رائعته الكبرى كبار الحوادث في وادي النيل التي نظمها وهو في شرخ الشباب على بصره بالتاريخ قديمه وحديثه وكان ذا حس لغوي مرهف وفطرة موسيقية بارعة في إختيار الألفاظ التي تتألف مع بعضها لتحدث النغم الذي يثير الطرب ويجذب الأسماع فجاء شعره لحنا صافيا ونغما رائعا لم تعرفه اللغة العربية إلا لقلة قليلة من فحول الشعراء وإلى جانب ثقافته العربية كان متقنا للغة الفرنسية التي مكنته من الإطلاع على آدابها والنهل من فنونها والتأثر بشعرائها،وهذا ما ظهر في بعض نتاجه وما إستحدثه في اللغة العربية من كتابة المسرحية الشعرية لأول مرة وقد نظم الشعر العربي في كل أغراضه من مديح ورثاء وغزل ووصف وحكمة وله في ذلك أيادٍ رائعة ترفعه إلى قمة الشعر العربي وله آثار نثرية كتبها في مطلع حياته الأدبية مثل عذراء الهند ورواية لادياس وورقة الآس وأسواق الذهب وقد حاكى فيه كتاب أطواق الذهب للزمخشري وما يشيع فيه من وعظ في عبارات مسجوعة ووقد جمع شوقي شعره الغنائي في ديوان سماه الشوقيات ثم قام الدكتور محمد السربوني بجمع الأشعار التي لم يضمها ديوانه وصنع منها ديوانا جديدا في مجلدين أطلق عليه الشوقيات المجهولة وقد إشتهر شعر أحمد شوقي كشاعرٍ يكتب من الوجدان في كثير من المواضيع فهو قد نظم في مديح النبي محمد صلى الله عليه وسلم العديد من القصائد منها قصيدتان شهيرتان هما سلوا قلبي وولد الهدى والتي غنتهما سيدة الغناء العربي أم كلثوم ونظم أيضا في السياسة وحب وطنه مصر ما كان سببا لنفيه إلى أسبانيا كما نظم في مشاكل عصره مثل مشاكل الطلاب والجامعات كما نظم شوقيات للأطفال وقصصا شعرية ونظم في المديح وفى التاريخ بمعنى أنه كان ينظم مما يجول في خاطره تارة الرثاء وتارة الغزل كما إبتكر الشعر التمثيلي أو المسرحي في الأدب العربي وقد تأثر شوقي بكتاب الأدب الفرنسي ولا سيما موليير وراسين كما أسلفنا القول في السطور السابقة هذا وقد ظل أحمد شوقي محل تقدير الناس وموضع إعجابهم ولسان حالهم حتى وافته المنية بعد فراغه من نظم قصيدة طويلة يحيي بها مشروع القرش الذي نهض به شباب مصر وكان ذلك في يوم 14 من شهر جمادى الآخرة عام 1351 هجرية الموافق يوم 14 من شهر أكتوبر عام 1932م .

زر الذهاب إلى الأعلى