مقالات

معالم مصر التاريخية علي مر العصور بقلم المهندس/ طارق بدراوى ** متحف البريد **

سلسلة معالم مصر التاريخية علي مر العصور
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
** متحف البريد **
متحف البريد أحد المتاحف المصرية العريقة وهو يحكي تاريخ البريد في مصر حيث يحتوي على أهم الطوابع التي صدرت عن هيئة البريد منذ إنشائها في عام 1886م في عهد الخديوى توفيق وقد تواكب إفتتاح هذا المتحف مع إجتماع مؤتمر البريد العالمي العاشر بالقاهرة في عام 1934م في عهد الملك فؤاد الاول والذى كان مهتما جدا بإقامة المنشآت التعليمية والمتاحف وبالحياة الثقافية في مصر وقد تم إنشاء العديد منها في عهده علي رأسها الجامعة المصرية بالقاهرة وكلية سان مارك بالإسكندرية ومبني البرلمان المصرى ومعهد الموسيقي العربية ومتحف سكك حديد مصر وغيرها كما تم في عهده تطوير متحف الركائب الملكية ببولاق والبدء في إنشاء المتحف الزراعي بالدقي في عهده أيضا ثم تم إفتتاحه في عهد إبنه وخليفته الملك فاروق ويقع متحف البريد في الدور الثاني من مبنى هيئة البريد في ميدان العتبة بالقاهرة والذى يحتوى على مجموعة من أندر الطوابع في العالم والتي تحكي تاريخ مصر من العهد الفرعوني وحتي العصر الحديث حيث كانت مصر من أوائل الدول في العالم التي عرفت طوابع البريد قبل الدولة العثمانية نفسها والتي كانت مصر تابعة لها وكانت تقوم بإصدار الطوابع بإسمها وجدير بالذكر أن هذا المتحف قد تم إصلاحه وتجديده في عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك في شهر فبراير عام 1989م .
والمتحف به عدة أقسام بداية من القسم التاريخي وهو يحكي تطور الكتابة والرسالة في عصور مختلفة مثل لوحة نارمر ومحابر من العصر الفرعوني والروماني والقبطي وورق بردي وتماثيل للكاتب أيام الفراعنة وخطابات قديمة من عصور مختلفة وقسم المؤتمرات وهو مخصص لعرض صور لمؤسس إتحاد البريد العام وصور أعضاء مؤتمرات البريد الدولي من سنة 1874م إلى عام 1924م والإتفاقيات التي أبرمت في كل مؤتمر كما أنه يضم أيضًا قسم أدوات البريد وهو يشتمل على مجموعات متنوعة من السنج والموازين والحقائب البريدية ومحافظ الطوابع والحوالات البريدية وضواغط الرصاص والأختام القديمة والحديثة وصناديق خطابات ميكانيكية وعادية وقسم الملابس وهو يضم أنواع مختلفة من الملابس لكبار الموظفين ولرؤساء الأقسام والموزعين وشارات مختلفة قماشية ونحاسية وعلامات للطوافة كما يشمل المتحف قسم المباني ويشمل نماذج مصغرة لبعض المباني البريدية كمصلحة البريد بالقاهرة ومكتب بريد بورسعيد ومكتب بريد بورفؤاد ونموذج لمكتب بريد قروي ونموذج مصغر لقلم توزيع مراقبة بريد القاهرة وقسم الخرائط والإحصاء ويشتمل على خرائط ورسومات بيانية وإحصائية تظهر تطور أعمال المصلحة من مراسلات مسجلة وعادية وحوالات داخلية وخارجية وطرود وقسم النقل ويشتمل على نماذج لوسائل نقل البريد القديمة والحديثة من عربات خشب وحديد وموتوسيكلات ودراجات وسكة حديد وبواخر لنقل البريد .
ثم يأتي على رأس تلك الأقسام وأهمها قسم الطوابع وهو مكون من مجموعات من الطوابع المصرية والأجنبية وأكليشهات وقوالب وألواح لصنع طوابع وكذلك مجموعة من نماذج خطوات العمل في صنع طوابع البريد بمصلحة المساحة كما يضم هذا القسم تصنيفا فريدا لمجموعات الطوابع لكل من البريد الأوروبي والبريد الأفريقي والبريد الآسيوي والبريد الأميريكي والبريد الأسترالي وأيضا من الأقسام الكبرى قسم البريد الجوي وهو يشمل على نماذج مختلفة من الحمام الزاجل ونماذج لبعض الطائرات مهداة من شركة الطرق الجوية الإمبراطورية وشركة خطوط الطيران الهولندية ونموذج لأول خطاب ورد إلى الإسكندرية من لندن في يوم 17 أغسطس عام 1929م وأول خطاب بالبريد الجوي أرسل بالبريد المصرى إلى مدينة كراتشي التي تقع بباكستان الآن بالخط الجوي بين القطر المصري والهند وأخيرا القسم الأجنبي والذي يشتمل على مجموعة صور لمباني ومتاحف بعض الإدارات البريدية الأجنبية وبعض الأدوات المستخدمة بتلك الإدارات .
وتاريخيا فقد ظهر أول طابع بريد على مستوى العالم في إنجلترا عام 1840م بهدف تحصيل التكاليف والمصروفات اللازمة لنقل الخطابات من مكان لآخر ممن يريدون الإستفادة من هذه الخدمة وكان على هذا الطابع صورة الملكة فيكتوريا ملكة بريطانيا حينذاك وقد قام بتصميم هذا الطابع رجل يسمي السير رولاند هيل وبعد ذلك بعامين أصدرت ولاية نيويورك في الولايات المتحدة الأميريكية أول طابع بريد أميريكي وكان عليه صورة الرئيس جورج واشنطن وفي عام 1843م ظهر طابع البريد في سويسرا وفي نفس السنة ظهر في البرازيل في أمريكا الجنوبية وفي شهر عام 1849م ظهر في فرنسا وكان عليه صورة الأمير لويس نابليون ثم ظهر في ألمانيا في نفس العام وفي مصر ظهر أول طابع بريد عام 1866م في عهد الخديوى إسماعيل بعد أن قام الخديوي إسماعيل بشراء حق إمتياز شركة البوستة الأوروبية وأنشأ البوستة المصرية التي سميت بعد ذلك بمصلحة البريد وكانت تشغل نفس مكانها الحالي في ميدان العتبة بوسط القاهرة وقد تم إصدارالطابع بفئات ثلاثة هي 5 و10 و20 بارة ويحمل إسم مصر رغم أنها كانت في ذلك الوقت ولاية من ولايات الدولة العثمانية لكنها طبعا كانت صورة من صور الإستقلالية في الحكم والتي كان الخديوى إسماعيل يتعمد إظهارها وبذلك فكما عرفت مصر السكك الحديدية قبل الدولة العثمانية فقد عرفت أيضا طوابع البريد وإستخدمتها حكوميا وأهليا قبل أن تعرفها الدولة العثمانية بفترة طويلة .
وقد ظهرت طوابع البريد الحكومية في مصر عام 1893م في عهد الخديوى عباس حلمي الثاني وكان يكتب عليها كلمة أميري تمييزا لها عن الطوابع العادية وكانت الطوابع في ذلك الوقت يتم طباعتها في إيطاليا وذلك حتي العام التالي لإصدار الطوابع في مصر أى عام 1867م حيث بداية من ذلك التاريخ أصبح يتم طباعتها في الإسكندرية في مطبعة أهلية وبداية من عام 1872م أصبح يتم طباعتها في المطابع الأميرية ببولاق بالقاهرة وفي عهد الملك فؤاد الأول وبعد حصول مصر على الإستقلال عام 1922م شهدت الطوابع طفرة كبيرة في الطباعة والتصميم والأشكال كنوع من مظاهر التأكيد على إستقلالها وعدم تبعيتها لا للدولة العثمانية ولا لبريطانيا وكانت مجموعة الطوابع التي صدرت حينذاك وكانت تحمل صورة الملك فؤاد بعدة أشكال وألوان هي أشهر مجموعات الطوابع التي صدرت في هذا العهد وتعتبر من اقيم المجموعات عند هواة الطوابع حتي الآن وفي عهد الملك فاروق الأول وفي عام 1938م تطورت أشكال الطوابع وتنوعت تصميماتها واصبحت تصدر في المناسبات الوطنية والدينية وتؤرخ للأحداث الهامة في التاريخ المصري وكان الملك فاروق الأول من أكبر هواة جمع الطوابع في العالم في عصره وكان يمنح الجمعية المصرية لهواة جمع الطوابع مبلغ 10 آلاف جنيه سنويا لكي تقوم بإهداء مجموعة من أندر وأقدم الطوابع الموجودة عندها له وكان الملك يحب الذهاب إلي المطبعة الأميرية ويحضر بنفسه عمليات طباعة الطوابع ويقوم بتجميع الطوابع التي بها أخطاء مطبعية سواء في اللون أو في الكتابة أو في الشرشرة لأنه كان مدركا أن قيمتها ستتزايد مع مرور الأيام .

 

 


وفي عصرنا الحاضر يعتبر كثير من المؤرخين أن طوابع البريد صورة من صور توثيق الأحداث التاريخية في كثير من دول العالم وفي العهد الملكي في مصر كان التأريخ لأسرة محمد علي باشا من أهم مجموعات الطوابع التي صدرت في ذلك الوقت ولذلك فقد تم إفتتاح متحف البريد عام 1934م كما ذكرنا في السطور السابقة للحرص على المحافظة على تاريخ مصر وعلي تاريخ الطوابع التي تؤرخ لأهم الأحداث التي عاصرتها كما إهتم الملك فؤاد والملك فاروق من بعده بإصدار مجموعات طوابع خاصة بالبريد الجوي لأنها تعتبر سفير لمصر في الخارج وبعد ثورة يوليو عام 1952م تم إصدار أول مجموعة طوابع بعد الثورة في عام 1954م وكانت من الطوابع الملكية بعد طمس وجه الملك بثلاث خطوط سوداء لحين عمل تصميمات جديدة للطوابع في العهد الجديد والتي تعتبر أيضا مجموعات نادرة في تاريخ الطوابع المصرية حيث ظهرت بعد ذلك مجموعة طوابع بتصميمات جديدة تؤرخ للثورة حيث تابعت طوابع البريد المصرية تأريخها لأهم الأحداث التي شهدتها فترة الستينيات و السبعينيات من القرن العشرين الماضي من الناحية السياسية والإجتماعية والعلمية كما صدرت مجموعات طوابع تخليدا لذكرى مشاهير الفن والسياسة والعلم والتاريخ سواء بمناسبة يوم ميلادهم أو يوم رحيلهم كما إهتمت هيئة البريد المصرية أيضا بالتأريخ لأول طابع بريد تم إصداره حيث صدر بإسم هذه المناسبة عدة طوابع تذكارية على مدار السنين ومثلما كانت الطوابع مهمة عند هواة جمعها كانت أيضا الظروف التي عليها أختام نادرة لها عشاقها وأيضا فإن لها دور في التأريخ للخدمة البريدية في مصر حيث كان الأجانب هما الذين يقومون بتسيير العمل فيها في البداية ثم إنتقلت الإدارة تدريجيا إلي المصريين وكان من أهم وأندر الأختام البريدية أختام مدينة بورفؤاد في عهد الملك فؤاد الأول هذا وحاليا تضم لجنة طوابع البريد التابعة لهيئة البريد والمسؤولة عن تصميمات الطوابع المطلوب إصدارها ممثلين من الهيئة ومن أساتذة الفنون الجميلة وممثلين من المطابع الأميرية التي تقوم بطباعتها ومن الهواة حيث يتفق الجميع علي إختيار الشكل النهائي للطوابع التي تصدر في كل سنة وهكذا تظل الطوابع على مرور السنين ذاكرة تحمل التاريخ المصري بكل أحداثه وشخصياته ومواقفه ومرآة صادقة تعكس طابع كل عصر للأجيال القادمة التي تليه وهذا هو الحال أيضا في كل دول العالم .

زر الذهاب إلى الأعلى