شخصيات

رجال من مصر بقلم المهندس/ طارق بدراوى ** أحمد عبود باشا **

سلسلة رجال من مصر
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
** أحمد عبود باشا **
أحمد عبود باشا هو أحد أعمدة الإقتصاد المصري وأحد رواد التمصير في عشرينيات وثلاثينيات وأربعينيات وخمسينيات القرن العشرين الماضي ونظرا لعدم إهتمام التاريخ بالإقتصاديين إلا لمن فرضت الأحداث أسماءهم تأتي صعوبة الحديث عن أحمد عبود باشا الذي كان له أثر كبير في تاريخ ومسيرة الإقتصاد المصري لم تدونه كتب التاريخ السياسي لذا تظل العديد من جوانب حياته لا يعرفها العامة وربما تكون السينما المصرية قد ألمحت إلى بعض من جوانب حياته في فيلم شيء في صدري الذي أخذ عن قصة بهذا الإسم للكاتب إحسان عبد القدوس وقد ولد أحمد عبود باشا في القاهرة عام 1889م وتلقى دراسته الإبتدائية والثانوية في مدارسها وكان والده يمتلك حماما شعبيا في حي باب الشعرية وكان عبود يساعد والده في إدارة هذا الحمام الشعبي حتى تخرج من مدرسة المهندسخانة وعمل بعد تخرجه بأجر شهري لا يتجاوز 5 جنيهات في وابور تفتيش الفرنسي هنري جابرييل الشهير بالكونت دي فونتارس بمدينة أرمنت القريبة من الأقصر ثم ترك هذا العمل بعد فترة وليتجه إلى الأعمال الحرة وإستعانت الحكومة العثمانية بخبراته وكلفته ببعض الأعمال الهندسية فأنجزها وكافأته بمنحه النيشان العثماني الرابع ثم منح بعد ذلك رتبة البكوية الممتازة وبعد ذلك سافر أحمد عبود إلى العراق حيث شارك في مشروعات الري الكبرى مع مهندس منشآت الرى الشهير السير ويليام ويلكوكس الإنجليزى الذى أقام قناطر أسيوط وخزان اسوان في مصر ثم شارك في إنشاء خط سكة حديد بغداد عشية نشوب الحرب العالمية الأولى عام 1914م . وشارك أحمد عبود باشا بعد ذلك في إنشاء شبكات السكك الحديدية في فلسطين وسوريا من خلال عمله في شركة مقاولات متخصصة في هذه النوعية من الأعمال وذلك من خلال عمله مع أحد مقاولي الطرق والكباري بفلسطين والذى كان ينفذ بعض العمليات للجيش الإنجليزي وفي تلك الفترة تعرف عبود على مدير الأشغال العسكرية للجيش الإنجليزي ونشأت بينه وبين إبنة هذا الضابط الإنجليزي المهم قصة حب إنتهت بالزواج وهنا جاء التحول الكبير في حياة هذا المهندس الشاب حيث ترك العمل مع المقاول الذى كان يعمل لديه وعمل بنشاط المقاولات معتمدا علي نفسه ولحسابه الخاص وبمساعدة والد زوجته أسندت إليه معظم أشغال الجيش الإنجليزي في فلسطين ومدن القناة في مصر حتى تكون لديه رأسمال إستطاع أن يشتري به معظم أسهم شركة ثورنيكروفت للنقل بالسيارات في القاهرة ثم شركة بواخر البوستة الخديوية والتي كانت قبل ذلك في أيدي الإنجليز وكانت آنذاك من أقوى شركات الملاحة في مصر بما تمتلكه من الأرصفة والأحواض الجافة في مينائي الإسكندرية والسويس إلى جانب الورش التابعة لها والتي كانت تعد مدرسة لتعليم الشبان المصريين فن إنشاء السفن وصيانتها ومن ثم إستطاع أن يحصل علي رتبة البشوية من الملك فؤاد عام 1930م وبعد عدة سنوات وفي عام 1935م في أواخر عهد الملك فؤاد بدأ يلمع إسمه ويظهر في ذيل قائمة أغنياء مصر في تلك الأيام وجدير بالذكر أنه بخصوص شركة بواخر البوستة الخديوية وكدليل علي قوة هذه الشركة ففي عدد شهر أبريل عام 1948م نشرت مجلة المصور موضوعا صحفيا تحت عنوان عبود باشا ينقل مجد مصر إلى أمريكا وجاء فيه إن الإقتصادى الكبير أحمد عبود باشا إستطاع أن ينقل العلم المصرى خفاقًا إلى الولايات المتحدة الأميريكية بإفتتاحه أول خط ملاحى في تاريخ البحرية المصرية بين مصر وأمريكا بباخرتين من أفخم وأكبر البواخر وهما باخرة الخديوى إسماعيل وباخرة محمد على الكبير وقد دعا عبود باشا الكبراء والعظماء إلى حفل غداء على ظهر الباخرة الخديوى إسماعيل حضره سفير أمريكا المفوض في مصر المستر بنكي تك الذي قال كلمة أثناء الحفل جاء فيها إن بواخر عبود باشا المصرية ستكون رسول صداقة وطيدة بين مصر وأمريكا وأن أمريكا لتشعر عندما تصل إليها باخرة الخديوى إسماعيل بالسعادة إذ سترى هذا الخط الملاحى الجديد بينها وبين مصر مدعما بالثقة والصداقة وحسن التعاون كما ألقي عبود باشا كلمة قال فيها إن هاتين الباخرتين ستحلان أزمة نقل ما تتطلبه مصر من أمريكا وما تود مصر أن تصدره إلى أمريكا حيث موانئ بوسطن ونيويورك كما ستحفظان لمصر عملتها من التسرب خارج البلاد وهذا يمثل فاتحة خير للإقتصاد القومي المصري . وكان عبود باشا أحد أولئك الذين إستفادوا من ظروف الحرب العالمية الثانية ليحقق ثروة طائلة من أرباح أسطول السفن الذي كان يمتلكه وفي ظل إرتفاع أجور النقل إرتفاعا خياليا إستطاع أن يشتري معظم أسهم شركة السكر والتكرير المصرية التي كان يمتلكها رجل أعمال بلجيكي يدعى هنري نوس وعندما مات نوس أسندت إدارة الشركة إلى إبنه هوج لكن عبود باشا العضو البارز في مجلس إدارة الشركة وقتها إستغل هذه الفرصة وأوعز لأصدقائه الإنجليز ليجندوا الإبن رغم أنفه وتم ذلك فعلا وذهب هوج ليشارك في الحرب ولا يعود منها بعدما قتل في إحدى المعارك وبذلك خلت الساحة لعبود باشا لينفرد بإدارة شركة السكر رئيسا وعضوا منتدبا لها وظل رئيسا لمجلس إدارتها حتى تم تأميمها في عام 1961م كما أنه قام بشراء مصنعي نجع حمادي والحوامدية وبذلك يعود الفضل لعبود باشا في تمصير صناعة السكر التي كان يحتكرها الأجانب‏ وقتها والتي تعد من أهم الصناعات بالنسبة للفلاحين الذين يعتمدون بالدرجة الأولي علي السكر كبديل للفاكهة فكوب الشاي المحلي بالسكر من أهم الإحتياجات للفلاحين وهو بديل للفاكهة التي لايعرفها المزارعون في القرى‏ لأنها كانت من الرفاهية التي يفضلها أهل المدن . وكان عبود باشا يعشق مدينة أرمنت لذلك إشترى تفتيش الكونت الفرنسي دي فونتارس والذى كانت مساحته حوالي 6 آلاف فدان والذي كان عبود يعمل فيه أجيرا وذلك بعد أن قرر الكونت الهجرة إلي البرازيل وإشترى أيضا قصره بأرمنت والذى صار يعرف بإسم سراي عبود وكان في ألأصل أحد قصور الخديوى إسماعيل الذي بناه لإستضافة الملكة أوجيني إمبراطورة فرنسا أثناء زيارتها لمصر لإفتتاح مصنعه بأرمنت الذي واكب إفتتاحه إفتتاح قناة السويس في شهر نوفمبر عام 1869م وبذلك يكون عبود باشا قد إشترى المكان الذي بدأ فيه رحلته موظفا صغيرا بكل ما فيه من منشآت ومنازل ومخازن وحظائر وكان إجمالي مادفعه مبلغ 60 ألف جنيه وسجل هذه الأملاك بإسم إبنته الطفلة مونا وقام بتجديد القصر تجديدا شاملا وكان عبود باشا أثناء زياراته السنوية القصيرة لأرمنت يقيم في قصره مع شقيقه مصطفى الذي بني مسجد أرمنت العتيق وللإستمتاع بالإقامة في هذا القصر بالأيام القلائل التي كان يقضيها مع زوجته وإبنته به بني عبود باشا حماما للسباحة وملاعب للجولف والإسكواش والتنس والبولو وفي هذا القصر تزوجت إبنته مونا من المهندس المصري محمد علي حسين الذي ترأس مصلحة الميكانيكا والكهرباء في وزارة الأشغال وكان عضوا بمجلس إدارة شركة سيمنز الألمانية كما قام عبود باشا ببناء مدرسة ثانوية في كل من أرمنت وكوم إمبو على نفقة شركة السكر التي يمتلكها ومستوصفا للعلاج أيضا وبعد قرارات التأميم عام 1961م إشترت شركة السكر هذا القصر من الحراسة وبعد إلغاء الحراسة إشترى هذا القصر الإقتصادي المصري مصطفى الزناتي أحد أبناء قرية الضبعية إحدى قرى مركز أرمنت التي ضمت أخيرا إلى مركز الأقصر وعلاوة علي ذلك فقد أقام عبود باشا قصرا فخما لإبنته مونا بجزيرة الزمالك بالقاهرة والذى تم ضمه إلى كیان كلیة الفنون الجمیلة بالزمالك بعد ثورة یولیو عام 1952م والذى إشتهر بإسم مبنى عبود والذى تحول في الوقت الحاضر إلي متحف للفنون الجميلة يضم مجموعة من المقتنیات المهمة أغلبها أعمال لفنانین عظماء على رأسهم راغب عیاد وعبد الهادى الجزار وحامد ندا ونحمیا سعد وحسین بیكار وغیرهم من الفنانين الشبان . وإمتدت إمبراطورية عبود باشا الذي أصبح أغنى أغنياء مصر إلى دائرة السياسة والرياضة والسياحة وكان يمتلك معظم أسهم شركة الفنادق المصرية بالإضافة إلى شركات الأسمدة في عتاقة والكراكات المصرية وغيرها من شركات الصناعات الكيميائية والتقطير والغزل والنسيج التي أنشأها في نهاية أربعينيات القرن العشرين الماضي وبإخنصار فقد تشعبت انشطة أحمد عبود لتشمل‮ ‬20‮ ‬شركة ومصنع كما تنامت ملكيته الزراعية وتزايد نشاطه فى تجارة القطن والمحاصيل الأخرى وقال عن نفسه ‬إنه‮ ‬يلمس التراب فيحيله ذهبا‮ ‬وقدرت ثروته فى الثلاثينيات من القرن العشرين الماضي بأكثر من‮ ‬10‮ ‬ملايين جنيه مصرى والتي كانت تساوى حوالي ‬30‮ ‬مليون دولار‮ حيث كان الجنيه في ذلك الوقت يساوى عدد 3 دولارات وفي تلك الفترة كتب عبود باشا مقالا صحفيا تحت عنوان كيف تصبح مليونيرا قدم فيه نصائحه وخلاصة تجربته وبدأ المقال قائلا ليس النجاح من الأسرار لكنه أولا وقبل كل شيء توفيق من عند الله فقد تجتمع في شخص ما كل مؤهلات النجاح من شهادات وجاه وشخصية قوية وذكاء وبراعة لكن سوء الحظ يلازمه فلا ينجح في أي عمل يقوم به بينما ينجح من هو أقل منه في الكفاءة والجاه وذكاء وأضعف منه شخصية وقد بلغ نفوذ عبود باشا في تلك الفترة لدرجة أنه أجبر طلعت حرب باشا مؤسس بنك مصر وأشهر أعلام النهضة الإقتصادية المصرية على الإستقالة من منصبه في بنك مصر في يوم 14 سبتمبر عام 1939م والذي كان قد أسسه بمجهوده بالإشتراك مع صديقه مدحت يكن باشا وذلك بعدما إشترك عبود باشا ومحمد أحمد فرغلي باشا ملك القطن في تنفيذ سياسة تقتضي سحب ودائعهما من البنك بمعدل نصف مليون جنيه يوميا حتى بلغ السحب 3 ملايين جنيه كما هددت الحكومة التي كان يترأسها علي ماهر باشا حينذاك وكان وزير المالية فيها حسين سري باشا صديق عبود باشا بسحب ودائع الحكومة الخاصة بصناديق توفير البريد من البنك فإضطر طلعت حرب باشا للإستقالة حتى لا يهتز مركز البنك وترك إدارته لحافظ عفيفي باشا طبيب الأطفال والصديق المقرب من الإنجليز ومن عبود باشا . وفي مجال الرياضة كان عبود باشا عاشقا للنادي الأهلي وكان دائما ما يتبرع بأمواله للمساعدة في بناء منشآته الجديدة وتطويره وفي يوم 13 يناير عام 1944م أقام النادي الأهلي بالجزيرة حفلة شاي تكريما لكل من عبود باشا وعبد الحميد عبد الحق نقيب المحامين ووزير الشؤون الإجتماعية السابق بمناسبة تبرع عبود باشا بمبلغ 3 آلاف جنيه لإتمام إنشاء حمام السباحة بالنادي وتقديرا لما قدمه عبود باشا للنادي والهيئات الرياضية الأخرى وقف رئيس النادي وقتها أحمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكي وألقى كلمة إستهلها بقوله إني بعد أن حنيت رأسي للراحل الكريم جعفر والي باشا رئيس النادي الأهلي سابقا أرفع رأسي بالشكر للرجلين الكريمين الأستاذ عبد الحميد عبد الحق وزير الشؤون الإجتماعية السابق وأحمد عبود باشا ثم أشار إلى إعتماد الوزير عبد الحق 3 آلاف جنيه مساهمة في إنشاء حمام السباحة في النادي الأهلي وإلى تبرع عبود باشا بمبلغ 3 آلاف جنيه أخرى للغرض نفسه وبعد ذلك تولى عبود باشا رئاسة النادي الأهلي لمدة 15 عاما في الفترة من يوم 19 فبراير عام 1946م بعد وفاة أحمد حسنين باشا في حادث سيارة وحتى يوم 19 ديسمبر عام 1961م فاز فيها دائما بالرئاسة بالتزكية وكانت تلك الفترة من أزهى عصور النادي الأهلي حيث حصل خلالها على 9 بطولات متتالية للدوري العام المصرى من عام 1948م وحتي عام 1956م وكان عبود باشا ينفق على النادي من ماله الخاص رافضا أية إعانة من الحكومة كما إستكمل بناء حمام السباحة من ماله الخاص أيضا وقام بهدم مدرج الدرجة الثالثة القديم وبني المدرج الحالي ثم إستطاع بماله ونفوذه أن يستقطع جزءا كبيرا من نادي الفروسية المجاور للنادى الأهلي لكي يصبح للنادى الأهلي واجهة على كورنيش النيل ومما يذكر لعبود باشا من خدمات للنادى الأهلي حكاية طريفة بخصوص مباراة في كرة القدم مع النادى المصرى البورسعيدى كانت ستقام في بور سعيد في خمسينيات القرن العشرين الماضي إذ أبدى أمين شعير مدير الكرة بالنادى الأهلي إنزعاجه لعدم إستطاعة صالح سليم كابتن الفريق اللحاق بالمباراة وكان النادى المصرى البورسعيدى من أقوى أندية مصر في ذلك الوقت خاصة وأنه يلعب علي أرضه ووسط جمهوره الذى يشجعه بجنون لأن صالح كان سيؤدي إمتحانا في كلية التجارة ينتهي في الساعة الواحدة ظهرا في حين أن موعد المباراة في بورسعيد في الساعة الثالثة ظهرا وما إن علم عبود باشا بالأمر حتى أرسل سيارته الخاصة إلى الجامعة لتنتظر صالح وتأخذه بعد الإمتحان مباشرة إلى المطار حيث كان في إنتظاره عبود باشا وإصطحبه معه في طائرته الخاصة إلى بورسعيد لكي يلحق بموعد المباراة . وعلاوة علي كل ماسبق قام عبود باشا في عام 1938م بإنشاء أكبر وأعلى وأشهر عمارة في مصر في ذلك الوقت والتي تعد معلم بارز من معالم القاهرة حتي يومنا هذا وكان الناس يزورونها ليروا هذا البناء الشامخ الذى يقع علي ناصية شارع قصر النيل وشارع المدابغ الذي أصبح فيما بعد إسمه شارع شريف في وسط القاهرة وأطلق عليها إسم عمارة الإيموبيليا والتي قام بتصميمها المهندسان المعماريان ماكس أزرعي وجاستون روسيو وبدأ العمل في البناء في شهر أبريل عام 1938م وإنتهى في عام 1940م وتكلفت عملية البناء مبلغ مليون و200 ألف جنيه وهو مبلغ ضخم جدا بأسعار وقت البناء وهي تتكون من برجين أحدهما بحرى من 11 طابق والآخر قبلي من 13 طابق ويضم البرجان عدد 370 شقة ويخدمهما عدد 27 مصعد مقسمة إلي 3 فئات الفئة الأولي هي البريمو للسكان والفئة الثانية هي السكوندو للخدم والسفرجية والطباخين والفئة الثالثة مخصصة للأثاث والمفروشات والعفش ويتوسط البرجين فناء فسيح به حديقة تتوسطها نافورة وتطل عليها الواجهات الداخلية للبرجين حيث الهدوء والسكينة وأسفل العمارة يوجد جراج يسع حوالي 100 سيارة ونظرا لضخامة العمارة كان يتم تنظيفها بإستخدام سيارات المطافيء مرتين كل شهر وذلك للمحافظة على جمالها ورونقها كما أنها كانت مزودة بنظام تدفئة مركزى عن طريق خطوط مواسير تمر داخلها المياه الساخنة وكان لعبود باشا فيها مكتب كان لاعبو النادى الأهلي ومنهم صالح سليم وطارق سليم وميمي الشربيني وعادل هيكل وسعيد أبو النور وفؤاد أبو غيدة ومروان كنفاني وعوضين يذهبون كل أسبوع إليه وكان يذهب معهم أحيانا أصدقاؤهم من لاعبي نادى الزمالك نبيل نصير وعلي محسن ورأفت عطية وعلاء الحامولي ومن الطريف أن عبود باشا كان يشترط على من يسكن في العمارة أن يكون أهلاويا لكنه لم يشترط ذلك بالنسبة للموسيقار محمد عبد الوهاب الذي كان يجهر بزملكاويته هو وأم كلثوم كما خصص عبود باشا شقتين في عمارة الإيموبيليا للمغتربين من لاعبي النادى الأهلي ووظف بعض اللاعبين كموظفين بشركة البوستة الخديوية وهي أكبر شركة ملاحة وبواخر في الشرق الأوسط في ذلك الوقت ومقرها في العمارة نفسها ومنهم فؤاد أبو غيدة وسعيد أبو النور وأحمد زايد وعوضين وغيرهم والذين تم الإستغناء عن خدماتهم بعد تأميم عمارة الإيموبيليا وباقي ممتلكات عبود باشا كما كان عدد كبير من الكتاب والفنانين يسكنون في العمارة كان من بينهم الكاتبين الكبيرين توفيق الحكيم وفكرى أباظة والفنانين نجيب الريحاني وليلى مراد وأنور وجدي بعد زواجهما وأسمهان وأحمد سالم بعد زواجهما أيضا وكاميليا وعبد العزيز محمود وكمال الشيخ وهنري بركات ومحمود المليجي وماجدة الخطيب ومحمد فوزي ومديحة يسري وغيرهم كما كان لبعض الفنانين مكاتب فنية بها مثل عبد الحليم حافظ وماجدة الصباحي . وفي بداية الأربعينيات من القرن العشرين الماضي ومع قيام الحرب العالمية الثانية بدأ عبود باشا يشعر بالقلق على الإستقرار السياسي في مصر وهو ما يمس بالضرورة مصالحه المالية والإقتصادية وبناءا على حسابات المصلحة مال عبود باشا إلى حزب الوفد ربما لإعتقاده أن ذلك الحزب وهو حزب الأغلبية في البلاد هو القادر أكثر من غيره على توفير الإستقرار السياسي على الأقل بغلاف الشرعية وتحفل الوثائق البريطانية في عام 1944م بتفاصيل جهود بذلها عبود باشا في لندن لتجنب السماح للملك فاروق بإقالة مصطفى النحاس باشا وهي الإقالة التي تمت فعلا في شهر أكتوبر عام 1944م وطوال السنوات التي تلت إقالة حكومة النحاس باشا وحتى عام 1948م كان عبود باشا يدعو لعودة حزب الوفد إلى الحكم وفي هذه الفترة وثق صلته بفؤاد سراج الدين باشا رجل الوفد القوى حينذاك والذى تقلد منصب سكرتير عام حزب الوفد خلفا لصبرى أبو علم باشا بعد وفاته وفي شهر يناير عام 1950م وصل الوفد إلي الحكم فعلا وظلت الوزارة الوفدية مدة سنتين وعدة أيام حتي تم إقالتها يوم 27 يناير عام 1952م بعد حريق القاهرة في اليوم السابق 26 يناير عام 1952م وبعدها تحركت الأحداث سريعا وقامت ثورة 23 يوليو عام 1952م وتم عزل الملك فاروق يوم 26 يوليو عام 1952م ونفيه خارج البلاد وتغيرت الخريطة السياسية والإقتصادية في مصر وكان عبود باشا في ذلك الوقت من طليعة مؤيدي الثورة وبعد شهور من قيامها قرر إنشاء مراكز تدريب عسكرية لتشكيل كتائب فدائية لمقاومة الإحتلال الإنجليزى فى منطقة القناة ومنح مجلس إدارة النادى الأهلي رئاسة النادى الشرفية للرئيس جمال عبد الناصر عام‮ ‬1955م ‬وفي نفس العام وفي يوم 15 أغسطس عام 1955م وقعت أول مواجهة بين الثورة المصرية وكبار الرأسماليين المصريين ومنهم وعلي رأسهم عبود باشا إذ تم فرض الحراسة على شركة السكر التي كان يمتلكها ومع ذلك وبعد تأميم قناة السويس يوم 26 يوليو عام 1956م ووقوع العدوان الثلاثي علي مصر في أواخر شهر أكتوبر عام 1956م أوقف عبود باشا جميع الأنشطة الرياضية بالنادى الأهلي وفتح باب التطوع للعمل الفدائى وبعد صدور قوانين يوليو الإشتراكية عام 1961م فضل عبود باشا الهجرة إلى أوروبا لإدارة أعماله بجزء من أموال كانت أرصدة له في بعض البنوك الأجنبية وكان قد علم أو أحس أن الدولة مقبلة على التأميم فتركها في تلك البنوك بالخارج وكانت بالصدفة المحضة كل بواخره في عرض البحر فيما عدا باخرتين واحدة في ميناء السويس وأخرى في ميناء الإسكندرية فأصدر تعليماته بسفر إحداهما إلى جدة والأخرى إلى بيروت في إنتظار أوامر أخرى ثم إتصل لاسلكيا بباقي بواخره الموجودة في عرض البحر بعدم العودة إلى الإسكندرية وأصيب عبود باشا في هذه الفترة الحرجة بأزمة قلبية ‮ ثم سافر إلى نابولي في إيطاليا ليستدعي بواخره واحدة بعد الأخرى ليبيعها هناك وبذلك أصبحت لديه أصول سائلة تكفيه هو وإبنته الوحيدة مونا وبعد ذلك مارس عبود باشا نشاطه التجاري في أوروبا وحقق نجاحا كبيرا كتاجر وكمستشار إقتصادي حتى توفي في العاصمة الإنجليزية لندن في مطلع شهر يناير عام 1964م بعد أن داهمته أمراض القلب والكلى وفي النهاية فقد ‬يعجب كثيرون بعبود باشا ويشيدون به وبأعماله وقد يتحفظ آخرون عليه وعلي أعماله وفي هذا الشأن إنطلقت العديد من الشائعات كان أشهرها أنه تمكن بنفوذه وعن طريق رشوة الملك فاروق نفسه بالإتفاق مع مستشاريه وعلي رأسهم كريم ثابت مستشاره الصحفي من إسقاط وزارة أحمد نجيب الهلالي باشا الأولي التي تولت الحكم في أول شهر مارس عام 1952م وحتي أوائل شهر يوليو عام 1952م بسبب رفعها شعار التطهير قبل التحرير وإتهامها لعبود باشا بالتهرب من الضرائب ولكن‮ ‬يتفق الجميع على أن عبود باشا كان رجلا عصاميا شديد الذكاء كما يشهد له الجميع ببراعته الفائقة وقدرته على القراءة الواعية لمعطيات الواقع والتعامل مع المتغيرات‮ كما يشهد له الكثيرون وتلك حقيقة واقعة أنه كان من رواد التمصير وإنهاء إحتكار الأجانب للعديد من الأنشطة والصناعات في مصر وقد قال عنه الكاتب إحسان عبد القدوس‮ إنه ‬كان بمثابة القدوة والمثل الأعلى عند من‮ ‬يريدون إقتحام عالم المال والأعمال فهو قائد النهضة الإقتصادية ورائد عملية التمصير التى تمثل مطلبا وطنيا لمواجهة إحتكار النفوذ الاجنبى وإنه إبن باب الشعرية فى مصر المحروسة‮ .

زر الذهاب إلى الأعلى