مقالات

دكتور السيد إبراهيم يكتب : “السويس وأفريقيا علاقات عميقة وممتدة”

 استقبلت “السويس” فرق المجموعة الخامسة المشاركة في بطولة كأس الأمم الإفريقية التي تستضيفها مصر هذا العام، والتي ضمت منتخبات “أنجولا وتونس وموريتانيا ومالي”، وقد لعبت بالفعل على ستادها الرياضي، وهو ما يعني إضافة جديدة للعلاقات التاريخية العميقة بينها وبين أفريقيا والتي تشهد امتدادًا جديدًا مع هذه الظرفية الرياضية التاريخية. إن تاريخ السويس وأفريقيا بدأ مع أجدادنا المصريين القدماء في عهد الملكة “حتشبسوت” التي دام حكمها من عام 1503 إلى 1482 ق.م، وذلك حين أرسلت فى العام السادس أو السابع من حكمها خمس سفن ضخمة إلى بلاد بونت “الصومال” لإحضار بعض منتجاتها إلى مصر، ذلك أن حتشبسوت هي من حفرت قناة “وادى الطميلات” التي طمرتها الرمال، وقد أعادت استخدامها لتربط بين النيل عند نهاية الدلتا بالبحر الأحمر، وذلك لتسيير أسطول مصر البحري بها ليخرج إلى خليج السويس وبعدها إلى مياه البحر الأحمر. لقد اهتم حكام مصر على مر العصور بضرورة أن يكون لدولتهم مدينة عند الطرف الشمالي لخليج السويس باعتبارها الرابط بين مصر والعالم، فكانت “السويس” التي ظهرت أهميتها الكبرى في العصر الإسلامي حين كانت من أهم طرق الحج بين شمال أفريقيا والحجاز؛ فعبر “درب الحج المصري” الشهير، الذي استمر حتى تحول طريق الحج إلى الطريق البحري نهاية القرن التاسع عشر الميلادي، كان الحجاج المصريون والمغاربة وحجاج الأندلس ودول غرب أفريقيا يتجمعون في رحلة تبدأ من تجمعهم في مدينة فاس ثم تشق طريقها برًا عبر الجزائر وتونس حتى طرابلس، ومنها إلى مصر. حتى الحجاج الذين يتجمعون ليخرجوا من باب النصر في القاهرة، كانوا لزامًا عليهم أن يمروا بمنطقة عجرود ومنها إلى عيون موسى للتزود بالمياه، وإن كان مقصدهم مدينة “نِخل” بسيناء وصولا إلى مدينة العقبة الأردنية، ثم يعبرون الحدود إلى مدينة ينبع السعودية، ومن الحجاج من كان تجمعهم في “الفسطاط” ويمرون أيضا بـ “عجرود” انتهاءً بـ “القلزم” التي كانت المحطة الأهم في الرحلة المقدسة. ولعل أهم ما يبرز تلك العلاقة العميقة والممتدة بين “السويس” وأفريقيا الشواهد من أولياء الله الصالحين الذين قضوا نحبهم وهم في طريق الذهاب أو العودة من الحج، ومنهم “سيدى الدكروري” وابنه “محمد الدكرورى” بضريحيهما الكائنين عند منتصف طريق السويس ـ القاهرة، وقد أشيع أن الشيخ الدكرورى مغربي الأصل وكان يقوم بتنظيم قوافل الحج من بلده. كما يشهد على عمق تلك العلاقة “سيدي عبدالله الأربعين” وهو مغربي الأصل أيضا غير أنه لم يكن رجلا واحدا، بل أربعين رجلا وطفلا وامرأة أتوا من شمال إفريقيا وقيل أنه كان آخرهم، فعُرِفَ بهذا اللقب، كما عُرفَت السويس ببلد الغريب نسبة إلى سيدي “عبدالله الغريب” واسمه: “أبو يوسف يعقوب بن محمد يعقوب بن عماد”المعروف بـ “الغريب” لاستشهاده بعيدًا عن المغرب وطنه. إن ارتباط السويس بأفريقيا يشهد اليوم سخونة ومتابعة من كل أبناء القارة السمراء الذين يشهدون نقل مباريات الأمم الأفريقية من استادها الرياضي، غير أن هذا الحدث وإن دونته سجلات الرياضة في الكاف والفيفا كحدثٍ رياضي تاريخي عالمي سينتهي مع احتفالات الختام، إلا أن ما يشهد امتداد العلاقات بين السويس وأفريقيا، فقناتها: قناة السويس، وشريان الخير، والممر التجاري العالمي، وطريق الحرير البحري، والذي يعني علاقات دائمة لا تعرف التوقف في التاريخ الذي رحل ولا في التاريخ الذي سيأتي.

زر الذهاب إلى الأعلى