مقالات

معالم مصر التاريخية علي مر العصور بقلم المهندس/ طارق بدراوى ** مدينة الأشمونين **

سلسلة معالم مصر التاريخية علي مر العصور
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
** مدينة الأشمونين **
الأشمونين مدينة بمحافظة المنيا وتجاور أطلال مدينة خمنو الفرعونية وهذا الإسم مشتق من كلمة خمن باللغة المصرية القديمة وتعني الرقم 8 إذ كان كهنة تلك المدينة يعتقدون أن عناصر خلق الكون عددها ثمانية عناصر وهي أربعة آلهة تأخذ شكل الثعابين وأربعة أخرى تأخذ شكل الضفادع وهي التي سماها الإغريق هرموبوليس ماجنا والأشمونين ذات تاريخ قديم حيث كانت مزدهرة على طول التاريخ الفرعوني والعصر اليوناني الروماني ومدافنها تقع في تونة الجبل وتقع مدينة الأشمونين غرب مدينة ملوي بنحو 8 كم ويمكن الوصول اليها بالسيارة حتى الطريق السياحي شمال مدينة ملوي 3 كم ثم الإتجاه غربا لمسافة حوالي 8 كم وبحسب إحصائيات سنة 2006م بلغ إجمالي السكان بالأشمونين حوالي 13 ألف نسمة وإسم الأشمونين هو تحريف للإسم المصري القديم خمنو أو مدينة الثمانية المقدسة ثم تغيرت إلي شمون أو شمنو وسميت بالعربية الأشمونين حيث كانت هناك شمنو الغربية وهي مدينة الأموات وشمون الشرقية وهي مدينة الأحياء وكانت الأشمونين عاصمة الإقليم الخامس عشر في مصر العليا القديمة وقد كانت مقرا لعبادة الإله تحوت إله الحكمة الممثل على شكل قرد البابون أو طائر أبو منجل ولما كان الإغريق يقرنون إلههم هرميس بالإله المصري تحوت فقد سموا المدينة هرموبوليس ماجنا وتقع هذه المدينة في قلب مصر الوسطى بالوادي الفسيح الذي يحده النيل شرقا وبحر يوسف غربا وتعد هرموبوليس من أشهر العواصم الدينية بسبب علو شأن تحوت إلهها الرئيسي وكانت هذه المدينة تهيمن على منطقة ذات أهمية إقتصادية فائقة بسبب خصوبة تربتها الزراعية وقربها من محاجر الرخام المتواجدة بالمنطقة المحيطة بها كل ذلك دفع بعض من كانوا يتولون أمرها بأن ينصبوا أنفسهم حكاما مستقلين في بعض الأحيان مستغلين فرصة ضعف السلطة المركزية فعلي سبيل المثال حدث في أواخر الأسرة السابعة عشرة أن وقعت هذه المنطقة تحت سيطرة حاكم مصري يدعى تتيان كان متعاونا مع الهكسوس وكذلك خلال عصر الإنتقال الثالث إنتحل العديد من زعماء هذه المدينة المحليين ومن ضمنهم تحوت إمحات سلطات وخصائص ومظاهر الفرعون مرة أخرى ومن بعده أدمج إخناتون نفسه منطقة هرموبوليس داخل نطاق منطقته الإعتكافية المعروفة بإسم أخيتاتون وبغض النظر عن هذه الوقائع والأحداث ومسألة قوة وسيطرة الحكام المحليين خلال عصر الإنتقال الأول لم تنفتح هرموبوليس على التاريخ إلا مؤخرا فخلال العصرين اليوناني والروماني أدى سحر وجاذبية الإله تحوت إلى إجتذاب العديد من الإغريق إلى هذه المدينة حيث نما وتطور نتاج فريد من نوعه نظرا لحدوث تزاوج وتناغم بين الحضارة الفرعونية والثقافية الهيلينستية اليونانية أدى إلي ظهور منشآت ومقابرعديدة تجمع بين خصائص ومظاهر الحضارتين في تناغم وهارموني ملحوظ وتعد مقبرة بيتوزيريس الشهيرة بتونة الجبل دليلا واضحا على ذلك ……
ولم تتبوأ الأشمونين مكانتها المرموقة في العقائد المصرية بسبب الثمانية المقدسة بها فحسب وإنما لأنها كانت كذلك مركز عبادة الإله تحوت إله الحكمة والمعرفة في مصر القديمة وإن منطقة كان لها كل هذا الثقل الديني كان لا بد أن تنال الإهتمام الكافي على إمتداد التاريخ المصري القديم وطوال العصرين اليوناني والروماني فتقام المعابد الضخمة التي تصمد لعوامل الزمن وتبني المساكن وأماكن الخدمات والمرافق ولسوء حظ المنطقة فقد زحف عليها العمران عبر العصور المختلفة والمتتابعة حتي أنه حاليا تطوقها ثلاث قرى هى الأشمونين والإدارة وإبراهيم عوض بالإضافة إلى الزحف الزراعي وماله من أضرار على الآثار ولذلك كله لم تبلغ الأشمونين مابلغته عاصمتا مصر القديمتان منف وطيبة من أهمية في الحضارة المصرية القديمة ومع ذلك فقد نما بها النشاط البنائي والعمراني منذ بواكير التاريخ المصري القديم ولكن ليس كما نما في منف وطيبة فهناك شواهد أثرية محدودة إلي حد كبير على نشاط في الدولتين القديمة والوسطى حيث عثر علي أطلال معبد من عهد الملك أمنمحات الثاني وفى الدولة الحديثة أصبحت الشواهد الأثرية أكثر وضوحا حيث عثر على أطلال معبد شيده الملك أمنحتب الثالث للإله تحوت ولم يتبق منه سوى تمثال ضخم للإله تحوت على هيئة قرد وأجزاء من تماثيل مماثلة ويعتبر هذا التمثال أضخم تمثال لقرد عثر عليه في مصروهناك أطلال معبد وبقايا تماثيل من عهد الملك رمسيس الثاني وإبنه الملك مرنبتاح وتحتفظ المنطقة بأطلال معبد من عهد الملك نخت نبف من الأسرة الثلاثين وآخر شيده فيليب أرهيديوس الأخ غير الشقيق للإسكندر الأكبر وقد ضمت مناظر المعبد بعض المناظر الخاصة بالإسكندر الأكبر وقد نالت المدينة إهتماماً كبيرا في العصرين اليوناني والروماني ومن الشواهد على ذلك كثرة الأعمدة اليونانية الرومانية التي كانت تحمل سقوف منشآت ضخمة ربما كانت أجورا أي سوق ثم تحول السوق في وقت لاحق إلى كنيسة قبطية بازيليكية كما يعتقد بعض العلماء والباحثون هذا ولا تزال المدينة تحتفظ ببعض الآثار الرومانية في صورة حمامات رومانية عامة وبقايا معبد للإمبراطور نيرون وخلافه …..
ومن أهم آثارمدينة الأشمونين متحف مفتوح في الهواء الطلق يضم تمثالين ضخمين للآله تحوت على شكل قرد بابون متضرعا للشمس بالإضافة لمنحوتات حجرية أخرى وترجع إلى عهد الدولة الحديثة وبقايا معبد للإله تحوت كان به تمثال للملك رمسيس الثاني تم نقله إلي المتحف المصرى بالقاهرة ومدخل هذا المعبد يقع علي الجانب الجنوبي منه ويوجد علي جانبيه عدد 4 صفوف من المناظر يظهر أعلاها سيتي الثاني يتقبل رمز الحياة من الإله تحوت وأسفلها وهو يتقبله من آمون رع وفي الجانب الشمالي المقابل توجد مناظر لسيتي الثاني يتناول رمز الحياة من آلهة أخرى كما يرى وهو يقدم الزهور والبخور لآمون رع وقد واصل ملوك الدولة الحديثة الإضافات والتوسعات بهذا المعبد حيث أضاف الملك حورمحب إليه صرحا كما أضاف الملك رمسيس الثاني صرحا آخر أقام أمامه تمثالين ضخمين له وعدة أفنية وصالات أعمدة وأضاف إبنه مرنبتاح العديد من المناظر للصرح الذى بناه أبوه …..
وإلي جانب هذا المعبد يوجد معبد آخر بناه الملك رمسيس الثاني شمالي مدينة الأشمونين وقد تهدم معظمه ولم يعد باقيا به إلا قواعد تماثيل ضخمة كانت قائمة في مدخل المعبد ولم يكتمل بناء هذا المعبد في عهد رمسيس الثاني وأكمله إبنه وخليفته مرنبتاح وكان صرح هذا المعبد إرتفاعه 8 متروطوله 29 متر وقد أضاف إليه مرنبتاح بهو مفتوح ولم يبق منه سوى 9 أعمدة وتمثالين كبيرين نقلا إلي المتحف المصرى ونجد علي جدران هذا المعبد مناظر لمرنبتاح يقدم القرابين أمام العديد من الآلهة مثل آمون رع وتحوت وحور وكان المعبد محاطا بسور مبني من الطوب اللبن تهدم معظمه كما يوجد معبد آخر يعود تاريخه إلي عصر الدولة الوسطي ولم يتبق منه إلا القليل من البقايا وبقاياه فيها مايدل علي أنه قد تم تشييده أيام الملك أمنمحات الثاني وبواجهة مدخله منظران يمثلان ملكا يقدم لبنا إلي إله رأس الكبش وخبزا للإله تحوت وأسفلهما تظهر بعض النصوص الدينية وفي الواجهة المقابلة لتلك الواجهة توجد عليها عدد 4 صفوف من النصوص الدينية تسجل بعض المعلومات عن المعبد …..
وتوجد ايضا بمدينة الأشمونين بقايا معبد يسمي معبد فيليب أرهيديوس وهو كما أسلفنا الأخ الغير شقيق للإسكندر الأكبر وقد بني هذا المعبد تكريما للإله تحوت أيضا وقد تم تزيين الواجهة الخارجية لهذا المعبد بعدة مناظر للإسكندر الأكبر تمثله في صورة فرعون وهو يتعبد أمام أحد الآلهة المصرية كما توجد مناظر أخرى تصوره وهو يتعبد أمام الإله تحوت وبالإضافة إلي هذا المعبد توجد بقايا لسوق يونانية وكانت تسمي الأجورا عبارة عن مجموعة من الأعمدة المصنوعة من الجرانيت الأحمر الرائعة لها تيجان كورنثية بعضها قائم وبعضها الآخر ملقاة علي الأرض وتوجد لافتة حجرية تحدد تاريخ إنشاء السوق وهو عام 350 ق.م في عهد بطليموس الثاني وزوجته أرسينوي وكما أسلفنا يظن بعض العلماء والباحثون أن تلك السوق قد تحولت في زمن لاحق إلي كنيسة علي النظام البازيليكي الذى كان سائدا في عصر الدولة الرومانية .

زر الذهاب إلى الأعلى