مقالات

معالم مصر التاريخية علي مر العصوريكتبها: المهندس” طارق بدراوى”** مسجد السيدة نفيسة رضي الله عنها **

سلسلة معالم مصر التاريخية علي مر العصور
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
** مسجد السيدة نفيسة رضي الله عنها **
ولدت السيدة نفيسة في مكة المكرمة سنة 145 هجرية ثم انتقلت مع أبيها لتعيش في المدينة المنورة بجوار الرسول عليه الصلاة والسلام وأبوها هو الحسن بن زيد بن سيدنا الحسن بن علي بن أبي طالب الشقيق الأكبر لسيدنا الحسين بن علي بن أبي طالب اى أنه حفيد سيدنا الحسن رضي الله عنه وأرضاه وكما نعلم أن كل من سيدنا الحسن وسيدنا الحسين هما سبطا أى حفيدا النبي صلي الله عليه وسلم وأولاد ابنته فاطمة الزهراء رضي الله عنها وأرضاها أى أنها إبنة حفيد حفيد النبي صلي الله عليه وسلم فهي إذن من آل البيت الصالحين رضي الله عنهم أجمعين وكان والدها يأخذها الي الغرفة النبوية الشريفة ويخاطب النبي صلي الله عليه سلم قائلا إني راض عن إبنتي نفيسة فكان يري النبي صلي الله عليه وسلم في الرؤيا يقول له وانا راض عنها برضاك عنها والحق سبحانه وتعالي راض عنها برضاي عنها ….
وتزوجت السيدة نفيسة من سيدنا اسحاق المؤتمن وجد سيدنا اسحاق هو حفيد سيدنا علي بن ابي طالب فهو إذن أيضا من آل البيت ولقب بالمؤتمن لشدة اهتمامه بالامانات و شهد له الناس بالصلاح والتقوي وكان من رواة الحديث ولما تقدم لخطبتها لم يتلق جوابا من والد السيدة نفيسة فانصرف وذهب الي الغرفة النبوية وقال بعد السلام يا جدي يا رسول الله إني خطبت نفيسة لدينها فلم اتلق جوابا من أهلها وفي تلك الليلة رأي والدها في نومه رؤيا صالحة وأن رسول الله صلي الله عليه و سلم يقول له زوج نفيسة لاسحاق المؤتمن فأطاع أبوها أمر الرسول صلي الله عليه وسلم فزوجها له …..
وقد ذكر أهل زمانها إنها من شدة إيمانها وتقواها وحرصا علي كسب أعلي ثواب حجت ثلاثين حجة أكثرها ماشية علي الأقدام اقتداءا بسيدنا الحسن بن علي وسيدنا الحسين بن علي وأهل بيت النبي صلي الله عليه وسلم الصالحين الذين كانوا يستحيون ويخجلون من الدخول إلى البلد الحرام مكة المكرمة وعلي بيت الله الحرام أول بيت وضع للناس ليعبدوا ربهم الواحد الأحد الفرد الصمد وهم راكبين …..
وقد جاءت السيدة نفيسة إلى مصر في السابع والعشرين من شهر رمضان عام 193 هجرية وتوافد إليها المحبون من الصالحين والأمراء والوجهاء فلما احست ان ذلك يشغلها عن عبادتها فكرت في العودة الي الحجاز مرة أخرى إلا أن والي مصر في ذلك الوقت وهب لها دارا واسعا ورجاها أن تقبلها وخصص لها يومين في الأسبوع للزائرين وباقي الأيام تتفرغ فيها للعبادات فوافقت وكانت تكثر من العبادة وقراءة القرآن وكانت لها سلة معلقة في مصلاها فإذا رغبت في شيء وجدته في السلة فتتعجب السيدة زينب بنت أختها فتقول لها السيدة نفيسة يا زينب من استقام مع الله كان الكون معه وفي خدمته وفي طاعته …..
وكانت السيدة نفيسة قد حفرت قبرها بيدها وختمت فيه القرآن ستة آلاف ختمة وفي آخر ختمة كانت تقرأ قول الله تعالي لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون – سورة الانعام وقبض ملك الموت روحها وهي علي هذا الحال وكان ذلك عام 208 هجرية الموافق عام 824م وكان سنها حوالي 63 عاما وأراد زوجها ان ينقلها إلي المدينة المنورة ليدفنها هناك في البقيع إلا أن أهل مصر تمسكوا بها كثيرا حتي رأي زوجها النبي صلي الله عليه وسلم يقول له لا تعارض أهل مصر في نفيسة وأتركها لهم فان الخيرات تتنزل عليهم ببركاتها ففرح وسر أهل مصر بذلك فرحا وسرورا عظيما وتم دفنها في أرض مصر وإلي يوم البعث بإذن الله تعالي رضي الله عنها وأرضاها …..
وكان أول من بني علي قبرها والي مصر عبد الله بن السرى بن الحكم وفي عهد الخليفة المستنصر بالله الفاطمي تم تجديد الضريح عام 482 هجرية الموافق عام 1089م وفعل مثله الخليفة الحافظ لدين الله عام 532 هجرية الموافق عام 1138م وفي عهد دولة المماليك وفي عام 714 هجرية الموافق عام 1315م أمر السلطان الناصر محمد بن قلاوون بإنشاء مسجد بجوار الضريح وتم تجديد كل منهما بعد ذلك على يد الأمير عبد الرحمن كتخدا عام 1173 هجرية الموافق 1760م ثم تعرض المسجد والضريح لحريق ضخم عام 1310 هجرية الموافق 1893م وهنا أمر الخديوى عباس حلمي الثاني الذى كان يحكم مصر في ذلك الوقت بإعادة بناء المسجد والضريح وكان ذلك عام 1314 هجرية الموافق عام 1897م …..
ويتوسط الواجهة الرئيسية للمسجد مدخله الرئيسي والذى يبرز عن الواجهة وتغطيه طاقية مقرنصة وللمسجد مئذنة رشيقة تم تشييدها علي الطراز المملوكي ومدخل المسجد يؤدى إلى حيز مربع مسقوف بسقف خشبي منقوش بزخارف عربية جميلة ويعلو منتصفه شخشيخة مرتفعة وهذا السقف تحمله 3 صفوف من العقود المرتكزة على أعمدة رخامية مثمنة القطاع وجدار القبلة يتوسطه محراب مكسو بالقيشاني الملون البديع وفي طرف هذا الجدار وعلي يمين المحراب يوجد باب يؤدى إلى ردهة مسقوفة وبوسط السقف شخشيخة محلاة بزخارف ونقوش عربية بديعة وهذه الردهة تؤدى بدورها إلى الضريح بواسطة فتحة معقودة والضريح حوله مقصورة نحاسية فوقها قبة ترتكز في منطقة الانتقال من الشكل المربع إلي الشكل الدائرى علي 4 أركان من المقرنص المتعدد الحطات …..
وأيضا تؤدى الردهة إلى عدد من الحجرات المتسعة التي يتم حاليا فيها الاحتفال بالمناسبات الإجتماعية مثل عقود الزواج وجدير بالذكر أنه كان قد تم صنع محراب خشبي للمسجد عام 532 هجرية الموافق عام 1137م تتمثل به دقة الصناعة الفاطمية وجمالها وبهائها وهو محفوظ الآن ومعه محرابان آخران كانا قد صنعا خصيصا أحدهما للجامع الأزهر والثاني لمشهد السيدة رقية بدار الآثار العربية بحي باب الخلق بالقاهرة .

المهندس طارق بدراوي شهاب الدين

زر الذهاب إلى الأعلى