مقالات

معالم مصر التاريخية علي مر العصوربقلم المهندس/ طارق بدراوى** مسجد الإمام الحسين بالقاهرة **

سلسلة معالم مصر التاريخية علي مر العصور
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
** مسجد الإمام الحسين بالقاهرة **
يقع مسجد الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب إبن السيدة فاطمة الزهراء وحفيد الرسول صلي الله عليه وسلم في القاهرة بمصر في القاهرة القديمة في حي الحسين وهو الحي الذي إكتسب إسمه من إسم الإمام الحسين نتيجة وجود المسجد المشار إليه في وسطه وبالقرب منه يوجد الجامع الأزهر أول المساجد الفاطمية في مصر وبالقرب منه أيضا يقع شارع المعز لدين الله الفاطمي بما يحتويه من آثار فاطمية ومملوكية وعثمانية تعد من أثمن وأشهر وأهم كنوز العمارة الإسلامية في العالم الإسلامي بأكمله والذى يعد متحفا مفتوحا للعمارة الإسلامية المتمثلة في العدد الكبير من المساجد والبيوت والأسبلة الأثرية بتصميمها المعمارى المتميز وواجهاتها بما تحتويه من مداخل وأبواب خشبية ونحاسية ونقوش وشبابيك ومشربيات وماتحتويه أيضا من أعمدة رخامية وعقود ونقوش بديعة رائعة بأسقفها وجدرانها وكتابات إضافة إلي ماتحتويه من قباب متعددة الاشكال ومآذن متعددة الأشكال والقطاعات حيث منها الدائرى ومنها المربع ومنها المثمن كما تتعدد رؤوسها فمنها المخروطي ومنها المقبب ومنها ثنائي الرأس إضافة إلي المقرنصات البديعة بالقباب والمآذن وكذلك ماتحتويه داخلها من محاريب ومنابر والتي تعد من أروع الأعمال الخشبية المحلاة والمطعمة بالنحاس مما يدل علي مدى التقدم الهائل الذى بلغه الفن الإسلامي والفنان المسلم في ذلك الزمان ….. 
كما يقع إلي جوار مسجد الإمام الحسين مقهي الفيشاوى الشهير والذي ما أن تقترب منه حتي تستقبلك رائحة النارجيلة بأنواعها المختلفة وتطالعك الوجوه العربية والأجنبية التي يزدحم ويكتظ بها المقهي العتيق والعريق في نفس الوقت وقد أنشيء هذا المقهي في القرن الثامن عشر الميلادى لصاحبه فهمي الفيشاوى أحد فتوات حي الجمالية حيث كان المقهي هو المقر الذي يدير منه شئون المنطقة وأصبح المقهي بعد ذلك مقصدا لطلاب العلم للإستذكار وخاصة طلبة الأزهر كما كان ملتقي للحركات الطلابية السرية بهدف الإعداد للمظاهرات ضد جيش الإحتلال الإنجليزي في أواخر القرن التاسع عشر الميلادى وأوائل القرن العشرين الماضي وذلك تحت ستار تناول الشاي الأخضر مع النعناع الذي تميز المقهي بتقديمه لرواده وفي فترة الحرب العالمية الثانية كان يلجأ إليه محبو السهر بعيدا عن إزعاج الغارات حيث كانت أبواب المقهي تغلق وفي الداخل يمارس الرواد لعب الطاولة والدومينو وخلافه وبجوار المسجد أيضا يوجد سوق خان الخليلي الشهير والذى يتمتع بجذب سياحي كبير بالنسبة لزوار القاهرة ومصر بشكل عام ويتميز بوجود بازارات ومحلات ومطاعم شعبية كما يتميز بكثرة أعداد السياح وإعتياد سكانه عليهم ……
وبخصوص تاريخ مسجد الإمام الحسين بن علي فقد بني المسجد الأصلي في عهد الفاطميين عام 549 هجرية الموافق لعام 1154م تحت إشراف الوزير الفاطمي الصالح طلائع بن رزيك الذى كان وزيرا للخليفة الفاطمي الفائز ثم الخليفة العاضد ويضم المسجد 3 أبواب مبنية بالرخام الأبيض تطل على خان الخليلي وبابا آخر بجوار القبة ويعرف بالباب الأخضر وقد سمي المسجد بهذا الإسم نظرا لإعتقاد البعض بوجود رأس الإمام الحسين مدفونا به إذ تحكي بعض الروايات أنه مع بداية الحروب الصليبية في القرن الثاني عشر الميلادى خاف حاكم مصر الخليفة الفاطمي الفائز على الرأس الشريف من الأذى الذي قد يلحق بها في مكانها الأول في مدينة عسقلان بفلسطين فأرسل يطلب قدوم الرأس إلى مصر وحمل الرأس الشريف إلى مصر ودفن في مكانه الحالي وأقيم المسجد عليه تكريما للإمام الحسين بن علي رضي الله عنه وأرضاه …..
وقد أجريت دراسة أكاديمية حول هذا الموضوع مفادها التأكيد علي أن موضع الرأس بالقاهرة وهو أيضا إمتداد للرأي السابق حيث يروي المؤرخ العربي الشهير المقريزي أن الفاطميين قرروا حمل الرأس من عسقلان إلى القاهرة وبنوا له مشهدا كبيرا وهو المشهد القائم الآن في حي الحسين في القاهرة وهو ما حققه المؤرخ أيمن فؤاد سيد أستاذ الدراسات الفاطمية في جامعة القاهرة في كتابه الشهير الدولة الفاطمية في مصر إستنادا الى منهج البحث العلمي إذ يقول إن أهم مشهد أضافه الفاطميون الى الطبوغرافية الدينية للقاهرة هو المشهد الحسيني حيث نقل الفاطميون في سنة 548 هجرية رأس الحسين بن علي بن أبي طالب والتي كانت مدفونة في مدينة عسقلان بفلسطين خوفا عليها من الفرنجة الصليبيين ودفنوها داخل قصر الحكم الفاطمي في قبة الديلم التي يؤدي إليها باب الديلم وهو باب القصر الفاطمي الكبير الجنوبي وهناك رواية محلية بين المصريين ليس لها مصدر معتمد سوى حكايات الناس وكتب المتصوفة مفادها أن الرأس جاءت مع زوجة الحسين عنهشاه زنان بنت يزدجرد الثالث آخر حكام دولة الفرس الذى سقطت دولته في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان قد تم أسرها وأهداها الخليفة عمر بن الخطاب إلي الإمام الحسين حيث تزوجها وأنجب منها الإمام علي زين العابدين وهي الملقبة في مصر بأم الغلام والتي فرت من كربلاء على فرس بعد مقتل الإمام الحسين زوجها هو ومعظم أهل بيته ونفر كثير من أصحابه ومؤيديه علي يد جيش تابع ليزيد بن معاوية بن أبي سفيان ثاني خلفاء الدولة الأموية في شهر المحرم عام 61 هجرية والغلام المقصود هنا هو الإمام علي زين العابدين إبنها من الإمام الحسين وهو الوحيد من أبناء الإمام الحسين الذى نجا من مذبحة كربلاء وكان صغيرا في ذلك الوقت ولذلك سمي بالغلام وسميت أمه بأم الغلام وهو يعد الإمام الرابع من أئمة الشيعة الإثني عشر بعد الإمام علي بن أبي طالب وإبنيه الإمامين الحسن والحسين ويعد نسله هو النسل الوحيد الباقي المنتمي لآل بيت الرسول صلي الله عليه وسلم حتي يوم القيامة …..
وقد تجدد بناء مسجد الإمام الحسين للمرة الأولي في أيام والي مصر عباس باشا الأول في منتصف القرن التاسع عشر الميلادى وتم تجديده مرة أخرى أيام فترة حكم الخديوي إسماعيل ومرة ثالثة في عهد الخديوى عباس حلمي الثاني في أوائل القرن العشرين الماضي وبعد عمليات التجديد هذه لم يبق في هذا المسجد أى آثار من العهد الفاطمي إلا الباب الأخضر فقط والواقع قرب قبة الضريح كما أنه من الجدير بالذكر أن المهندس الإسلامى الشهير عبدالرحمن كتخدا قد قام في سنة 1185هجرية – 1861م ببناء القبة والجزء العلوي من مئذنة الباب الأخضر وفى عام 1311 هجرية / 1893م وفي عهد الخديوى عباس حلمي الثاني تم إنشاء حجرة صغيرة داخل المسجد لكي تضم بعض الآثار النبوية مثل سيف رسول الله صلى الله علية وسلم وخصلة من شعره وقد تم زيادة مساحة المسجد بعد ذلك لأكثر من النصف وأضيف له مبنى مكون من دورين وكذلك دورة مياه مستقلة عن المسجد وفى عام 1965م أهدت طائفة البهرة الهندية مقصورة من الفضة المرصعة بصفوف من الماس للمسجد لكي تحيط بالضريح …..
ويشتمل مبنى مسجد الإمام الحسين على خمسة صفوف من العقود المحمولة على أعمدة رخامية ومحرابه بني من قطع صغيرة من القيشاني الملون بدلا من الرخام وهو مصنوع عام 1303 هجرية في عهد الخديوى توفيق وبجانبه منبر من الخشب يجاوره بابان يؤديان إلى القبة وثالث يؤدي إلى حجرة الآثار النبوية المشار إليها سابقا والمسجد مبني بالحجر الأحمر على الطراز القوطي أما منارته التي تقع في الركن الغربي القبلي فهي من عمل أبى القاسم السكري سنة 633 هجرية – 1235م وهى حافلة بالزخارف الأيوبية وقد بنيت على نمط مشابه لنمط وطراز المآذن العثمانية فهي أسطوانية الشكل ولها دورتان يفصل بينهما مقرنصات رائعة الشكل وتنتهي برأس مخروطية رشيقة وللمسجد ثلاثة أبواب من الجهة الغربية وباب من الجهة القبلية وباب من الجهة البحرية يؤدي إلى صحن به مكان الوضوء .

 

المهندس طارق بدراوي شهاب الدين

زر الذهاب إلى الأعلى