مقالات

معالم مصر التاريخية علي مر العصور يكتبها : المهندس” طارق بدراوى” ** النصب التذكارى للجندى المجهول بالإسكندرية

سلسلة معالم مصر التاريخية علي مر العصور
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
** النصب التذكارى للجندى المجهول بالإسكندرية **
وهو يقع في منطقة المنشية بالإسكندرية وقد تم بناؤه بواسطة الجالية الإيطالية بالإسكندرية كنوع من التكريم للخديوى إسماعيل نظرا لدوره الكبير في تحقيق نهضة تنموية وعمرانية في مصر خلال فترة حكمه مابين عام 1863م وعام 1879م وكنوع أيضا من التكريم لمصر نظرا لاستضافتها آخر ملوك إيطاليا فيكتور عمانويل الثالث بعد خلعه واختياره الإسكندرية للإقامة فيها وجاء تصميمه علي غرار النصب التذكارى للجندى المجهول في ميدان فينيسيا بالعاصمة الإيطالية روما ويعتبر نموذجا مصغرا منه وكان يتوسطه تمثال للخديوى إسماعيل ….. 
وهذا النصب التذكارى عبارة عن قاعدة رخامية يعلوها مجموعة من الأعمدة الرخامية الدائرية والمنقوشة بدقة ومرتبة علي شكل نصف دائرة تحيط بقبر الجندى المجهول وهذه الأعمدة تعلوها تيجان عند قمتها وتعلو التيجان كمرة نصف دائرية تربط بينها بها نقوش وزخارف وكرانيش بارزة وبمنتصف نصف الدائرة وعلي طرفيها توجد تركيبة رخامية حول كل منها 4 أعمدة وتعلوها كتلة رخامية مكعبة الشكل بها نقوش وزخارف جميلة وبمنتصف ارتفاعها كورنيشة بارزة بها نقوش وزخارف أيضا وكان يتوسط هذا النصب التذكارى تمثال للخديوى إسماعيل كما أسلفنا ….. 
وحقا يعتبر هذا النصب التذكارى تحفة فنية معمارية أبدعتها يد فنان مبدع ومكانه علي كورنيش الإسكندرية قرب ميدان المنشية ويمكن زيارته علي مدار الأسبوع وفي أى وقت من النهار أو الليل فهو مفتوح بصفة دائمة وفي عام 1964م أصدر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قرارا جمهوريا يقضي بتحويل هذا المكان إلى نصب تذكارى للجندى المجهول للقوات البحرية وتسليمه إليها خلال فترة قيادة الفريق أول بحرى/ سليمان عزت لها وتم نقل تمثال الخديوى إسماعيل إلى متحف محرم بك للفنون الجميلة ثم تم وضعه حاليا في وسط ميدان الخديوى إسماعيل بكوم الدكة في مدينة الإسكندرية …..
ومن الملاحظ أن الخديوى إسماعيل بعد خلعه من حكم مصر في أواخر شهر يونيو عام 1879م توجه إلى ميناء نابولي في إيطاليا وأقام هناك حوالي 9 سنوات حتي إنتقل للإقامة في إسطنبول وكذلك الملك فاروق بعد خلعه من حكم مصر عاش في المنفي في إيطاليا حوالي 13 سنة إلي أن توفاه الله في روما العاصمة الإيطالية في شهر مارس عام 1965م بينما لجأ الملك فيكتور عمانويل إلى مصر بعد خلعه من عرش إيطاليا بعد إستفتاء جاءت نتيجته 54% لصالح موافقة الشعب الإيطالي علي إلغاء الملكية وأن تكون إيطاليا جمهورية وقد عاصر الملك عمانويل الثالث فترة الحربين العالميتين الأولي والثانية وفترة الحكم الفاشيستي لموسليني في إيطاليا وقد توفي عام 1947م ودفن في الإسكندرية وتكريما له تم إطلاق إسمه علي أحد الشوارع الكبرى وكذلك أحد الميادين الكبرى بمنطقة سموحة بالإسكندرية وجدير بالذكر أنه قد زار مصر عام 1933م وقد استقبله الملك فؤاد عند حضوره ورحب به ترحيبا حارا يليق بمكانته …..
وتاريخيا فإن فكرة قبر الجندى المجهول نشأت في دول الحلفاء عندما رأى المسؤولون في تلك الدول أن جثث الكثيرين من الجنود الذين يلقون حتفهم في المعارك من الصعب التعرف عليها خاصة عندما يحدث بها تشوهات تخفي معالمها فقررت حكومات دول بلجيكا وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية تكريم وتخليد ذكرى هؤلاء الجنود بطريقة مبتكرة فقامت كل حكومة بإختيار جندى مجهول رمزى لكي يتم دفنه في قبر في كل عاصمة من عواصم تلك الدول أو علي مقربة منها ثم تقوم ببناء نصب تذكارى أو ضريح علي القبر تكريما له ….. 
وقد يعود أول ضريح للجندى المجهول إلى منتصف القرن التاسع عشر الميلادى وهو ضريح جندى المشاة في فريدريكا بالدانمرك بعد الحرب المسماة بحرب سكيلسفيج الأولي عام 1858م وبعده تم إنشاء ضريح آخر عام 1866م بالولايات المتحدة الأمريكية بعد أحداث الحرب الأهلية هناك بين الشمال والجنوب ولكن لم يأخذ الأمر شكل التقليد المنتظم إلا بعد الحرب العالمية الأولي والتي بلغت فيها أعداد القتلى من الجنود عددا هائلا ولم يكن في الإمكان التعرف علي هويتهم فكان تأسيس أول ضريح معروف للجندى المجهول تحت قوس النصر Arc de Triumphe بالعاصمة الفرنسية باريس وبعدها تم تشييد نصب تذكارى للجندى المجهول في العديد من العواصم الأوروبية مثل العاصمة الإنجليزية لندن والعاصمة الروسية موسكو والعاصمة البولندية وارسو وخاصة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945م وكذلك في العديد من العواصم العربية مثل العاصمة السورية دمشق والعاصمة العراقية بغداد والعاصمة الأردنية عمان ……
وجدير بالذكر أنه تم تشييد ضريح في القاهرة تكريما وتخليدا لذكرى شهداء مصر في حروبها وآخرها حرب أكتوبر عام 1973م بمدينة نصر وهو الذى دفن تحته بعد ذلك الرئيس الراحل أنور السادات بعد اغتياله أثناء العرض العسكرى بمناسبة انتصارات أكتوبر في يوم السادس من أكتوبر عام 1981م والذى يحرص جميع الرؤساء المصريين من بعده علي وضع إكليل من الزهور عليه في كل عام خلال إحتفالات مصر بنصر أكتوبر كما يحرص كثير من ملوك ورؤساء الدول الزائرين لمصر علي زيارته أيضا ووضع أكاليل الزهور عليه وبالمثل يحرص الرؤساء المصريون علي زيارة قبر الجندى المجهول في الدول التي يقومون بزيارتها وكان آخرها زيارة الرئيس المصرى الحالي عبد الفتاح السيسي لقبر الجندى المجهول في العاصمة الروسية موسكو بصحبة الرئيس الروسي فيلاديمير بوتين منذ عدة شهور .

المهندس طارق بدراوي شهاب الدين

زر الذهاب إلى الأعلى