مقالات

سلسلة معالم مصر التاريخية علي مر العصوريكتبها: المهندس “طارق بدراوى”** مسجد السلطان برقوق **

كنوز أم الدنيا
سلسلة معالم مصر التاريخية علي مر العصور
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
** مسجد السلطان برقوق **
يعد مسجد السلطان برقوق تحفة معمارية تنطق بعبق التاريخ ويقع هذا المسجد بشارع المعز لدين الله بين المدرسة الكاملية ومسجد الناصر محمد بن قلاوون وقد تم بناؤه في الفترة مابين عام 786 هجرية وعام 788 هجرية الموافقة للفترة مابين عام 1384م وعام 1386م والسلطان الظاهر أبو سعيد برقوق كان أول من تولى حكم مصر من المماليك الجراكسة وكان فى الأصل مملوكا للأمير يلبغا فأعتقه وظل يتقلب فى مناصب الدولة العليا إلى أن أسعده الحظ فتولى الملك فى عام 784 هجرية الموافق عام 1382م وبعد وفاته تولي إبنه وخليفته السلطان الملك الناصر أبو السعادات فرج بن برقوق بناء الخانقاة الملحقة بالمسجد عام 801 هجرية الموافق عام 1399م فى المكان الذى أوصى والده السلطان برقوق بدفنه فيه وأتمها عام 813 هجرية الموافق عام 1411م وساهم فى بعض الأعمال التكميلية بها أخوه الملك المنصور عبد العزيز عندما تولى الملك لفترة قصيرة عام 808 هجرية الموافق عام 1406م وقد توفر فى هذا المبنى الجليل من أغراض دينية وخيرية ما لم يتوفر فى أى مبنى أثرى آخر فقد إشتمل فضلا عن كونه مسجد فسيح علي مقبرتين لأسرة برقوق وسبيلين وكتابين لتعليم القرآن الكريم وخانقاة للصوفية كما حوى من المميزات المعمارية ما لم يحتويه أى أثر آخر ففيه منارتان وسبيلان يعلوهما كتابان وقبتان كبيرتان تتوسطهما قبة ثالثة صغيرة أعلى المحراب .
وقد تم بناء هذا المسجد علي نظام المدارس ذات التخطيط المتعامد فهو عبارة عن صحن مكشوف تحيط به أربعة إيوانات أكبرها إيوان القبلة يقابله إيوان آخر مماثل له وأقل منه اتساعا وقد تم تقسيم إيوان القبلة إلى ثلاثة أقسام وغطى القسم الأوسط منها بسقف مستو حلى بنقوش مذهبة جميلة وفصله عن القسمين الجانبيين بصفين من الأعمدة الضخمة وكسا جدران هذا الإيوان بوزرة من الرخام الملون يتوسطها محراب من الرخام الدقيق المطعم بفصوص من الصدف كما فرشت أرضيته بالرخام الملون برسومات متناسبة وقد فقد المنبر الأصلى للمسجد وحل محله المنبر الحالى الموجود بإيوان القبلة وهو منبر حجرى جميل محفور وبه زخارف متنوعة والذى أمر بعمله السلطان قايتباى عام 888 هجرية فى أواخر القرن التاسع الهجرى الموافق لمنتصف القرن الخامس عشر الميلادى وقد تم تسقيف القسمين الآخرين بقباب نصف كروية محمولة على عقود ترتكز على أعمدة حجرية مثمنة القطاع أما الإيوانان الجانبيان فمتماثلان ومتساويان وتقوم خلفهما أبنية الخانقاة من خلاو وغرف علوية أعدت لإيواء الصوفية وطلاب العلم وتقوم أعلى المحراب قبة صغيرة ويكتنف هذا الإيوان القبتان الكبيرتان المتماثلتان ويتوصل إليهما من بابين فتحا على الإيوان المذكور عليهما حجابان من الخشب على هيئة أشكال هندسية أما الإيوانات الثلاثة الأخرى فتغطيها قبوات معقودة أكبرها الغربى المقابل لإيوان القبلة وتكتنف هذه الإيوانات أبواب متقابلة يؤدى الشرقى الأول منها إلى طرقة توصل إلى ردهة المدخل العمومى للمسجد ويؤدى الشرقى الثانى المقابل له إلى القبو هذا وواجهات الإيوانات المشرفة على الصحن تنتهى من أعلى بطراز مكتوب به آيات قرآنية بنهايتها تاريخ الفراغ من بناء هذا المسجد عام 688 هجرية ويتوجها شرفات مورقة ويتوسط الصحن فسقية تعلوها قبة محمولة على أعمدة رخامية مكتوب بالطراز الذى يحيط بتنفيخها أنها جددت عام 1310 هجرية الموافق لعام 1892م أى في عهد الخديوى عباس حلمي الثاني وأرضه مفروشه برخام أبيض وتتخلله دوائر وأشرطة من الرخام الأسود .
هذا ومدفون بالقبة البحرية السلطان برقوق فى المكان الذى أوصى بدفنه فيه عند أقدام بعض الفقراء كما دفن بها وبالقبة القبلية بعض أولاده وأحفاده وللخانقاة مدخلان أولهما بنهاية الواجهة البحرية والثانى بنهاية الواجهة الغربية وتشير النقوش الكتابية التى بهما إلى إسم المنشئ وألقابه وتاريخ الإنشاء وكما تفنن المهندس فى تجميل جميع عناصر المسجد فقد أبدع فى زخرفة الضريح وتزيينه فكسا جدرانه بوزرة جميلة من الرخام الملون يتوسط الجانب الشرقى منها محراب من الرخام الملون ويعلوها إزار مكتوب عليه بالذهب إسم برقوق وألقابه وتاريخ الفراغ عام 788 هجرية ولم تقتصر عنايته على ذلك بل بالغ فى تجميل القبة التى تغطى الضريح فحلى مقرنصات أركانها بنقوش رائعة وفتح برقبتها شبابيك من الجص المفرغ المحلى بالزجاج الملون أحاطها بنقوش مذهبة كما إعتنى ايضا المهندس المعمارى الذى صمم ونفذ هذا الأثر الهام وهو المهندس إبن الطولوني بالتماثل عناية عظيمة فالناظر إلى الواجهة الغربية يجد بها منارتين متماثلتين وبطرفيها يقوم سبيلان متماثلان أيضا يعلوهما كتابان كما توفر هذا التماثل كذلك فى الواجهة الشرقية فبوسطها القبة الصغيرة التى تعلو المحراب وبطرفيها القبتان الكبيرتان ويحلى هاتين القبتين من الخارج خطوط بارزة محفورة فى الحجر على شكل دالات كما إعتني أيضا بتخطيطه وتنسيقه وتأنق فى زخرفته وتزيينه .
أما أبواب المسجد فقد كسا مصراعى الباب الخارجى منها بصفائح من النحاس ذات التقاسيم الهندسية المزخرفة على مثال أبواب مسجد السلطان حسن والسلطان قلاوون وغيرهما وفى الأبواب الداخلية نرى مهندس المسجد قد إستنبط تصميما آخر شاع إستعماله فيما جاء بعده من المساجد فكسا المصراعين بسرة فى الوسط من النحاس المفرغ بأشكال زخرفية تحيط بها أربعة أركان من النحاس المفرغ أيضا بأعلاها وأسفلها إزاران نحاسيان مكتوب بهما إسم المنشئ وتاريخ الإنشاء أما الواجهة فهى كغيرها مقسمة إلى صفف تنتهى بمقرنصات بداخلها صفان من النوافذ الصف العلوى منهما عبارة عن شبابيك صنعت من الخشب المفرغ بدلا من الجص المفرغ وهى من الأمثلة القليلة جدا التى نشاهدها فى المساجد المملوكية ويتوج الواجهة شرفات مورقة ويسير بكامل طولها طراز مكتوب به حفر فى الحجر بإسم الملك برقوق وتاريخ الفراغ عام 788 هجرية وتنتهى الواجهة من الناحية القبلية بالمدخل الشاهق بمقرنصاته الجميلة وبتلابيس الرخام التى تحلى صدره وتقوم المنارة فى الطرف البحرى من الواجهة وهى منارة ضخمة مكونة من ثلاث طبقات مثمنة حليت الطبقة الوسطى منها بتلابيس رخامية وتقوم إلى جانب المنارة القبة وهى بسيطة من الخارج لا يحليها سوى ثلاثة صفوف من المقرنص تحيط بها من أسفل هذا وقد تتابعت أعمال الإصلاح فى هذه الخانقاة خلال العشرين سنة الماضية فقامت إدارة حفظ الآثار العربية بتقوية ما تداعى من جدرانها وإعادة بناء ما فقد من بعض أجزائها فأكملت قمتى المنارتين والسبيل القبلى إلى غير ذلك من إصلاحات أخرى .

زر الذهاب إلى الأعلى