مقالات

سلسلة معالم مصر التاريخية علي مر العصورالمهندس يكتبها :”طارق بدراوى”** مسجد تغرى بردى **

سلسلة معالم مصر التاريخية علي مر العصور
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
** مسجد تغرى بردى **
يقع هذا المسجد في شارع الصليبة القاهري العريق الذى يعد قلب مدينة القطائع الطولونية وقد بني هذا المسجد الأمير إبن تغرى بردى بن عبدالله الرومي البكلمشي فى عام 844 هجرية الموافق عام 1440م في عهد دولة المماليك الجراكسة وتحديدا في أيام السلطان جمقمق الذى حكم مصر مابين عام 1438م وعام 1453م وقد ذكر علي مبارك أن مسجد تغرى بردى يعرف لدى عامة الناس بإسم جامع المودي وهو علي هيئة مستطيل طول ضلعيه 20 متر في 80 متر وفي واقع الأمر ليس أمتع من مشاهدة معالم هذا المسجد التاريخي الذى يتنسم فيه زائره عبق التاريخ ومجد الماضي التليد حيث يسير فيه الزائر فيحسب أن المماليك معه لا يفارقونه ومن خلفهم أحمد بن طولون أمير على المكان كله ويشمل هذا المسجد مدرسة وسبيل وكتاب وقبة وله واجهتان الواجهة الرئيسية والتي تشرف على شارع الصليبة وبها المدخل المكون من صفة معقودة بمقرنصات وأعلى الباب وعلى جانبيه كتابات تشتمل على آيات قرآنية وإسم المنشئ وألقابه وتاريخ الإنشاء عام 844 هجرية وعلى يسار المدخل تقوم المنارة ولها دورتان الدورة الأولي وهي السفلية مربعة القطاع وتنتهى بمقرنصات ثم تأتي الدورة الثانية وهي أسطوانية القطاع ويحلى سطحها زخارف هندسية وتنتهى بمقرنصات تعلوها مسلة مخروطية الشكل حديثة حلت محل القمة الأصلية التي كانت قد تهدمت وأعيد بناؤها في العصر العثماني وفى طرف الواجهة تقوم القبة ذات الخطوط الضخمة البارزة المتقاطعة مع بعضها والتى لا تتشابه من حيث التناسب والرشاقة مع القباب المعاصرة لها .
ويؤدى مدخل الجامع إلى ردهة مربعة على يمينها باب معقود يؤدى إلى القبة ويواجهه باب آخر يماثله يؤدى إلى طرقة توصل إلى الصحن وقد بنى هذا المسجد على نظام المدارس ذات التخطيط المتعامد وهو يتكون من صحن مكشوف كان مسقوفا فى الأصل يحد قبته إيوانان كبيران من الجهة الشرقية والجهة الغربية وآخران صغيران من الجهتين البحرية والقبلية جميعها مفتوحة عليه بعقود يعلوها طراز مكتوب به آيات قرآنية وبنهايتها تاريخ الإنشاء عام 844 هجرية وهذه الإيوانات مسقوفة ومنقوشة بنقوش متعددة الألوان وبصدر إيوان القبلة المحراب ويقوم إلى جانبه منبر صغير دقيق الصنع وتقع القبة قبلى هذا الإيوان وهى تغطى ضريحا مربعا طول ضلعه أربعة أمتار بأركانه الأربعة مقرنصات كبيرة يتكون كل منها من ثلاث حطات وهى على العموم بسيطة فى مظهرها على خلاف القباب التى أنشئت فى عصر المماليك الجراكسة والتى إمتاز أغلبها بوفرة زخارفه .
والأمير إبن تغرى بردي هو الأمير يوسف بن تغرى بردى بن عبدالله جمال الدين أبوالمحاسن بن الأمير سيف الدين الظاهري الرومي الأصل القاهري المولد والنشأة والحياة والممات والذى ولد عام 812 هجرية الموافق عام 1409م في بيت عز وجاه ورفاهية وإمارة وهو المؤرخ والأديب الكبير والعلامة الجهبذ وأحد أساتذة المدرسة المصرية في التاريخ وأبوه هو الأمير تغري بردي الذى كان من أكبر أمراء السلطان الظاهر برقوق المملوكي وقد كان له عدة بنات مثل الأقمار سعى لزواجهن من أكابر الزمان ومنهم السلطان الناصر بن الظاهر برقوق نفسه وقد مات مات أبوه وهو طفل في سين الثالثة من العمر فتولى زوج أخته قاضي القضاة جلال الدين البلقيني تربيته فحفظ القرآن صغيرا ودرس العلم واللغة على يد أساطين العلماء في عصره منهم إبن حجرالعسقلاني وبدرالدين العيني واإبن عرب شاه ولكنه شغف بالتاريخ وأحداثه منذ حداثته وكان من حسن طالعه أن درس على يد المقريزي أعظم مؤرخي العصر ورائد المدرسة التاريخية الحديثة وكانت لحياة إبن تغري بردي الناعمة والهادئة ونشأته في بيت العز والإمارة وإتصاله بالمصاهرة والصداقة مع أعيان الزمان أثر كبير في تفرغه للعلم والبحث والدرس خاصة وأن عرش مصر قد تعاقب عليه خلال هذه الفترة أكثرمن عشرة سلاطين وقد ألف إبن تغري بردي العديد من الموسوعات التاريخية الهامة بلغ عددها 12 موسوعة على رأسها كتابه الحافل النجوم الزاهرة في ملوك مصروالقاهرة والتي بدأها بفتح عمرو بن العاص مصر عام 21 هجرية الموافق عام 642م حتى قبيل وفاته مباشرة وكتابه المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي وكان إبن تغري بردي حسن العشرة تام العقل والسكون طيب الأخلاق والصفات حسن اللقاء باسم الوجه كما كان بارعا في الفروسية وقد توفي في يوم 15 من شهر ذي الحجة عام 874 هجرية الموافق يوم 14 يونيو عام 1470م .
ورغم هذا التاريخ للمسجد الا أنه قد غاب عن ذاكرة المسئولين ولم يجد من يهتم به أو يرعاه سواء من جانب وزارة الاوقاف أو وزارة الآثار ولا يهتم به إلا عدد من رواده حيث أنه يتميز بان معظم المصلين يعرفون بعضهم جيدا وعند إحتياج المسجد لأى تطوير او صيانة أو غصلاح فإن ذلك يتم عن طريق إجتهادات من هؤلاء المصلين دون أى مساهمة من أى جهة حكومية بسبب حجة نقص الموارد وعدم وجدود ميزانية كما لا توجد أى متابعة لهذا الأثر من جانب هيئة الآثار حيث يتم ذلك بشكل ظاهرى فقط دون تحقيق أى شئ ملموس يترتب علي هذه المعاينة وكانت آخر مرة تم معاينة المسجد فيها في خلال عام 2001م منذ إفتتاحه بعد الترميم الجزئي له وقد تم حينذاك عمل غطاء للسطح تجنبا لإلقاء القمامة من السكان داخل المسجد والمسجد حاليا يحتاج إلي تجهيزات كثيرة خاصة أن هناك الكثير من السائحين يأتون لزيارته ويثير إعجابهم فن المعمار الواضح في بناء المسجد كما لا توجد إدارة فى المسجد حيث يوجد عاملان فقط بالإضافة الي إمام المسجد المعين من الأوقاف والذى يحضر إلي المسجد يوم الجمعة فقط من كل أسبوع لأداء شعائر صلاة الجمعة .

 

زر الذهاب إلى الأعلى