مقالات

المهندس/طارق بدراوى يكتب عن : ** تاج محل **

تاج محل أو تاج القصور هو ضريح رائع الصنع أنيق العمارة مبني من الرخام الأبيض ويوجد على الضفة الجنوبية لنهر يامونا خارج مدينة أجرا بولاية أتر برديش الهندية وهي أكثر مدنها إكتظاظا بالسكان إذ يبلُغ عدد سكانها 1.5 مليون نسمة وهي تبعد حوالي 204 كيلومتر جنوب مدينة دلهي العاصمة الهندية وهي إحدى المدن التي تعود إلى حكم المغول المسلمين في ذلك الزمن وقد شيده الملك شاه جهان الإمبراطور المغولي ليضم رفات زوجته أرجومان بانوبجيم الزوجة الثالثة له التي تدله في عشقها والتي عرفت بعد زواجه منها بإسم ممتاز محل وقد تم تشييد هذا البناء تخليدا لذكراها ولذا فهو يشار إليه كرمز للحب والوفاء وذلك لما يرويه من قصة حب جميلة جدا وخالدة عبر السنين وقد بدأت القصة عام 1607م عندما كان الإمبراطور المغولي شاه جهان وهو إبن الإمبراطور المغولي جهانكير وحفيد الإمبراطور أکبر أعظم في سن 14 سنة عندما إلتقي شاه جهان بالأميرة الفارسية المسلمة أرجومان بانوبجيم ووقع في حبها وبعد 5 سنوات من لقائهما الأول أى في عام 1612م توجت قصة الحب هذه بزواجه منها ومما زاده حبا لها وزاد من مكانتها في قلبه أنها كانت خير عون له كما أنها كانت قائمة على شئون الرعايا خاصة الفقراء والأرامل التي لا يجدن من يعلهن فبنى لها جناحاً خاصا في القصر الملكي وأغدق عليها كل ما يمكن تخيله من الهبات والنعم حتى أنه كان يأخذها معه في الحملات العسكرية كي لا تغيب عن ناظريه وقد ظل الزوجان يعيشان في حالة من الهدوء والإستقرار وترفرف علي حياتهما السعادة حتى عام 1630م حين خرجت ممتاز محل مع زوجها في أحد الحملات العسكرية وكانت حامل في طفلها الرابع عشر وحدث أن أجهدت الإمبراطورة بشدة مما أدى لوفاتها في العام التالي 1631م بعدما وضعت الطفل وبعد أن ظلت شريكة حياة الإمبراطور طوال سنين زواجهما التسعة عشر والذى حزن علي فراقها أشد الحزن فقرر بناء هذا الضريح العظيم تخليداً لذكراها على مر الزمان وكلمة تاج محل التي تطلق علي هذا الضريح محرفة عن الإسم الذي كانت تحمله الأميرة أرجومان وهو ممتاز محل . وقد قام شاه جهان بإستدعاء النحاتين والرسامين والمعماريين والخطّاطين من جميع أنحاء الإمبراطورية وأيضا من آسيا الوسطى وإيران لتصميم هذا الضريح وإستغرق البناء ما يقارب 22 سنةً ليصل إلى الصورة التي هو عليها اليوم وقد تم بناء الضريح بشكل كامل من رخام المرمر الأبيض الذي تم جلبه من جميع أنحاء الهند ومن آسيا الوسطى وتم تطعيمه بالأحجار الكريمة ويتخذ المبنى شكل مصطبة بأربع زوايا لكل منها مدخلها الخاص المنفصل عن المداخل الأخرى والتي تتميز بعلوها الشاهق ويحيط بكل زاوية منها مئذنة متناسقة إرتفاعها 37 مترا و يحيط بمحيط كل منها ثلاث شرفات وفي وسط المصطبة يرتفع الضريح في شكل رباعي وتشغل الجزء الأوسط من البناية القبة الرئيسية التي يصل إرتفاعها إلى 22.5 مترا وقطرها 17 مترا ويقع من تحتها ضريح الزوجة ممتاز محل والذي يمتاز بالرسومات والزخارف والكتابات الإسلامية كما أنه بعد موت الملك شاه جهان تم دفنه بالقرب من قبر زوجته تحت نفس القبة وجدير بالذكر أن قبري الإمبراطور والإمبراطورة موضوعين في غرفة بالطابق السفلي بالضريح بعيدا عن أعين اللصوص والمخربين أما القبرين الموجودين في الطابق العلوى واللذين يراهما الزوار فهما نسخة منهما وليسا القبرين الحقيقيين ويحيط بالضريح حدائق كبيرة تم تخطيطها بعد الإنتهاء من بناء الضريح بخمس سنوات كما يتخذ المبنى من أسفل شكلا ثمانيا منتظما تصل أبعاده بشكل عام إلى 55 مترا عند كل طرف والتي جعلت المبنى يتخذ شكلا متماثلا من جميع الجهات ماعدا جهة المدخل والذي يمتاز ببوابة كبيرة مرتفعة ومقوسة منقوش عليها كتابات باللغة العربّة عبارة عن آيات من القرآن الكريم وهي مصنوعة من الحجر الأسود كما يحتوي مبنى الضريح أيضا على عدد كبير من الغرف التي لا تستخدم لأي غرض معين . وبالإضافة إلى القبة الكبيرة التي تضم ضريح الإمبراطور وزوجته يوجد أيضا أربعة قباب أخرى مماثلة للقبة الكبيرة في اللون والتصميم ولكنها أصغر حجماً وإرتفاعا وتقع فوق كل زاوية من زوايا المبنى هذا وتحيط بالضريح العديد من الزخارف التي كانت مصنوعة من الذهب والتي تمّ إستبدالها لاحقا بالبرونز بالإضافة إلى وجود هلالٍ ذهبي يعلو جميع هذه الزخارف ومن الجدير بالذكر أيضا أن المآذن كانت تستخدم للآذان والدعوة إلى الصلاة وليس فقط كمنظر للضريح وتبلغ مساحة حديقة تاج محل حوالي 300 متر مربع ويطلق عليها إسم حديقة المغول وهي مقسمة إلى أربعة أقسام وتتوسطها بركة طويلة يطلق عليها إسم الكوثر نسبة إلى نهر الكوثر في الجنة والذى ينعكس علي مائها شكل البوابة لتتشكل بذلك إحدى أجمل اللوحات الطبيعية خاصة في ضوء القمر أثناء الليل وتحتوي هذه الحديقة على العديد من النوافيرإلي جانب آلاف الأنواع من الطيور والأشجار والنباتات الجميلة جدا كما أن أرصفتها بلطت بالمرمر والأحجار الكريمة وحفرت بها قنوات مائية من نهر يامونا لتغذية النوافير وقد صممت وفقا لطريقة العمارة الفارسية للحدائق وهي تجسد تصور وتخيل لصورة حدائق الجنّة وبالإضافة إلي المبني الأساسي للضريح والحديقة يوجد في الجهة الغربية من موقع تاج محل مسجد تم بناؤه بإستخدام الحجر الرملي وهو يستخدم في أداء الصلوات حتي وقتنا الحاضر ويضم المسجد بوابةً رئيسيةً تسمى الإيوان وعلى جانبيها قوسان صغيران وله ثلاثة مآذن مغطّاة بالرخام الأبيض كما توجد أيضا في الجهة الشرقية من موقع تاج محل والمقابلة للمسجد دار تسمي دار الإستراحة وتسمي أيضا بيت الضيوف وهو يتشابه في بنائِه مع بناء المسجد إلى حد كبير ولكنه لا يستخدم للعبادة . وقد شارك في بناء ضريح تاج محل عدد 22 ألف عامل وألف فيل تم إستقطابهم من جميع أنحاء الدول الإسلامية في ذلك الوقت حيث كانوا من الهند وبخارى وسوريا وفارس وبغداد وقد بدأ بناؤه حوالي عام 1632م وتم الإنتهاء منه في حوالي عام 1653م وعمل فيه آلاف الحرفيين وكان البناء موكلا إلى نخبة من المهندسين المعماريين المتميزين تحت إشراف إمبراطوري وبلغت التكلفة النهائية للضريح 32 مليون روبية هندية وتم الإنتهاء من البناء تماما في عام 1653م ويعتقد المؤرخون أن المهندس الهندي إستاد أحمد لاهوري هو من صمم واشرف علي تنفيذ هذا الضريح الفخم وعاونه إسماعيل أفندي أحد المهندسين المعماريين الذين تم إسنقدامهم من إسطنبول عاصمة الدولة العثمانية وعيسى أفندي وهو من أصل فارسي ولكنه درس فنون العمارة على يد معمار سنان أغا التركي والذى شارك في تصميم جزء كبير من الضريح وكاظم خان الذي أتى من بلاد لاهور وكانت مهمته تليين الذهب وتشكيله لوضعه في زخارف القصر وشارنجلا أحد نحاتي دلهي وكانت مهمته تشكيل الفسيفساء وأمانة خان الإيراني وكانت مهمته تخطيط منطقة الضريح . ويحكى أن التكاليف الباهظة التي تم إنفاقها من أجل بناء هذا الصرح الضخم قد دفعت أبناء شاه جهان الأربعة الكبار بإتهامه بالسفه والجنون وبعد أن أصابه المرض بدأت قصة الصراع الدامي على السلطة بينهم ففتك إبنه أورنجريت بإخوته الثلاثة وزج بأبيه المريض في السجن في إحدى قاعات القلعة الحمراء وكان يعزي شاه جهان في محبسه أنه كان يقف أمام مرآة وضعها له أحد المهندسين في أحد الأعمدة تعكس صورة الضريح الذي يبعد عدة أميال عن سجنه فينظر إليه وكأنه يزور زوجته في قبرها حيث كانت آخر كلمات زوجته الراحلة ممتاز محل وهي تودع الدنيا لا تتزوج من بعدي لن تحب إمرأة مثلي ولا تنسي أن تزور قبري وحيث أنه كان يعشقها كل العشق ووفيا لها في حياتها وبعد مماتها فقد كان يزور قبرها وهو حر طليق ثم ظل يزوره عبر المرآة وهو سجين حتى أغمض الموت عينيه عام 1666م وليدفن إلي جوارها في قبر آخر داخل الضريح هذا وفي منتصف القرن التاسع عشر الميلادى وكنتيجة الثورة ضد الإنجليز الذين كانوا يحتلون الهند والتي إندلعت عام 1857م شوه الضريح وتعرضت أحجاره للتخريب بفعل جيش الإحتلال البريطاني وفي نهاية القرن التاسع عشر الميلادى أمر اللورد البريطاني جورج كورزون بإصلاحه وترميمه وإعادة تأهيله . ويعتبر هذا الضريح من أجمل نماذج العمارة الإسلامية المغولية وطراز فريد من نوعه حيث يعتبر نموذج أو طراز أو أسلوب يجمع بين الطراز المعماري الفارسي والتركي والعثماني والهندي وعلي الرغم من أنه تعتبر قبة الضريح الرخامية البيضاء هي الجزء الأكثر شهرة في تاج محل إلا أنه في الواقع يعد مجمع متكامل من الهياكل ومن عجائب هذا الضريح أن لونه يتغير أكثر من مرة على مدار اليوم الواحد تبعا لزواتيا أشعة الشمس الساقطة عليه وإنعكاسات ألوان الزهور والمياه من حوله فتتدرج ألوانه من الأبيض إلى النيلي والبنفسجي والعاجي كما أن هذا القصر قد تم بناؤه بإعتماد التناظر بين أجزائه فيبدو كل جزء وكأنه مرآة للأخر إلا مكان القبرين حيث لم يكن دفن شاه جهان بجانب زوجته مخططا له لذلك دفنت ممتاز محل في منتصف الضريح بينما بني قبر الإمبراطور بجوارها وإلي جانب ذلك تقول بعض الأساطير إن الإمبراطور شاه جهان أراد أن يبني نسخة مطابقة تماما لتاج محل من الرخام الأسود على الجانب الأخر منه ويربط بينهما جسر ليكون مقاما له لكن بسبب مرضه وإنقلاب إبنه عليه لم يستطع إتمام ما أراده وليدفن إلي جوار زوجته ومحبوبته وكأن القدر لم يشأ أن يتم بناء الضريح الأخر كي لا يفرقه عنها فترقد كل روح بعيدة عن الأخرى . وفي حقيقة الأمر فإن قيمة هذا المبني الأساسية لا تكمن في الأحجار ولا الزخارف رغم روعتها وبهائها الأخاذ إنما في معناه الإنساني وما يحمله من مشاعر ضربت أسمى المعاني التي عرفتها البشرية حتى بعد مرور أكثر من ثلاثة قرون ونصف القرن على بنائه حيث لم ينس العالم ذكر هذين العاشقين شاه جهان وممتاز محل ومازال يضرب بهما المثل في الوفاء وقد أصبح ضريح تاج محل في عام 1983م من مواقع التراث العالمي لمنظمة اليونيسكو العالمية وإعتبرته درة الفن الإسلامي في الهند وواحد من الروائع المعمارية في التراث العالمي الذي حاز على إعجاب الجميع في شتى أنحاء الأرض ولذلك نجده يستقبل سنويا ملايين السياح من شتي بقاع العالم وجدير بالذكر أنه في عام 2000م أُقيمت حملة عالمية لإختيار عجائب سبعة جديدة في العالم وتم إختيار الكثير من الأماكن التاريخية والأثرية كان منها ضريح تاج محل الذي تمكن من الوصول إلي التصفيات النهائية وبالفعل تم إختياره ليكون أحد عجائب الدنيا السبع الجديدة في عام 2007م إلى جانب كل من مدينة البتراء بالأردن وسور الصين العظيم وهرم تشيتشن إيتزا ببلدة يوكاتان بالمكسيك ومدينة ماتشو بيتشو القديمة ببلدة كوزكو بدولة بيرو بأمريكا الجنوبية وتمثال المسيح الفادي بالعاصمة البرازيلية القديمة ريودى جانيرو والمدرج الروماني العملاق المتواجد وسط العاصمة الإيطالية روما والمعروف بإسم الكولوسيوم .

المهندس طارق بدراوي شهاب الدين

زر الذهاب إلى الأعلى