مقالات

ملكة اكجيل تكتب : “الفقر من الارث الى التوصيم “

 

الجزء الاول
الفقر لغة؛ هو العوز و الحاجة او النقص في شيء ما قد يكون مادي او معنوي .
و في علم الاجتماع؛ يصطلح الفقر على أنه مستوى معيشي منخفض لا يؤمن الاحتياجات الصحية والمعنوية المتصلة بالاحترام الذاتي للفرد أو مجموعة من الأفراد .
من هذا التعريف العلمي يتضح ان الفقر هو عدم القدرة على الحفاظ على المستوى الأدنى من موارد العيش الكريم ، مما يعني غياب الحد المقبول من الدخل المادي لتلبية الحاجيات الأساسية، ويشار بالفقر بشكل عام إلى مستوى منحط و مرفوض انسانيا و اجتماعيا من الوضع الاقتصادي ؛ وضع يتسم بالحرمان من ابسط سبل المعيشة وانعدام قدرات تعتبر ضرورية لحياة بشرية كريمة.
فالفقر نتيجة الحرمان المادي الملحوظ كالسكن الغير الصحي ، وسوء التغذية، والهندام البئيس ، ويؤثر الفقر بشكل كبير على مجموعات وفئات قدرتها على الوصول إلى المصادر الاقتصادية محدودة او منعدمة بشكل واضح .
عندما نتكلم عن آفة الفقر نستحضر الحديث النبوي الشريف ” لو كان الفقر رجلا لقتلته ” لنعرف انه وضع مكروه رغم ان الارزاق بيد الله ؛ فالله سبحانه قد انعم علينا بوسائل العيش الكريم ، كما انه حث على العدالة في توزيع خيراته لندرك ان الفقر هو نتاج الانسان و ليس الله فهو لايمت بصلة لصفات الذات الالاهية بل هو متصل بفقر الضمير الانساني و جشع المنظومة الاجتماعية و الاقتصادية التي ترتكز على الربح الآني و الاناني في نفس الوقت .
فالفقر متواجد في كل الازمنة و في كل الحضارات لانه مرتبط دائما بنقص او انعدام وسائل العيش منذ القدم فنجد الفلاح و الراعي و الصياد قديما يعتبران من الفقراء لانهم لايملكان قوت يومهما ان لم يبدلا مجهودا يوميا مثلا في الحضارة المصريه القديمة و نجد في اسيا ان الفلاح يقوم بالسخرة لاجل قوته اما اوروبا فلا احد ينسى العصور الفيوداليه و ما عاشته الشعوب من قهر و مجاعة خلال العصور الوسطى ، بحيث يصبح المواطن درجة ثانيه في الهرم السكاني و مملوكا للنبيل في اقطاعه مقابل كوخ كمأوى و شربة بطاطس في المساء في احسن الاحوال ..
ولغاية القرن الماضي كان الفقير في المغرب كل من لايملك عقارا او املاكا زراعية او لايمارس الصناعه التقليدية . ففي المدن العريقة كانت مهنة العطارة مهنة خاصة باليهود لدرجة ان العطار لايشرف اي اسرة للمصاهرة .
تغيرت ايديولوجيات الاقتصاد و الطبقية الاجتماعية مع ظهور البرجوازية لتظهر طبقة الفقراء بشكل اعمق وتصبح فرقين ؛ فريق البروليتاريا و فريق المنبوذين و المتسولين او المتواجدين على حافة المجتمع.
فاصبح الفريق الاول يمتلك الطموح للعبور الى ضفة الطبقة الوسطى في حين الفريق الثاني يصارع من اجل البقاء لانه لايملك و سائل الابحار في الهرم الاجتماعي .
الفريق الاول تسلح بالنضال الاجتماعي لتبرز معه ايديولوجية النضالات الشعبية و تأطر تحت مظلة النقابات المهنية و الحرفية تارة يطفو على السطح بافكار ماركس و تارة تغرقه الهيمنة الراسمالية بالفكر الحر الليبرالي و كثيرة هي هزائمه امام غريزة التملك والسلطة عند الانسان عامة و هذا موضوع جد متشعب له تبعات و نتائج على البشرية جمعاء .
الفريق الثاني و الذي سنبدأ به وهو الفقير المنبوذ في المجتمع او مايسمى عند الغرب La Classe Stygmatisée يعني الطبقة الموصومة في المجتمع بالفقر و هذا التوصيم يأتي عبر احصائيات الفقر الاجتماعي و المؤسسات الاجتماعية المسؤولة حصريا عن تنمية وسائل العيش لهذه الطبقة المعدمة اقتصاديا.
اولا هذه الطبقة تعاني تهميش لايمكن حصره في مجال واحد و ذلك لسوء توزيع الثروات الاقتصادية و ايضا التعليمية بين افراد المجتمع و كذلك بين اطراف المجتمع الدولي فمثلا لايكفي الصومال ان تكون دولة مسلمة و عربيه لكي تتجنب المجاعة بين افراد ساكنتها و المجتمع العربي يمتلك ثروة طاقية يسيل لعاب الغرب لها. و لايكفي اليونان ان تنتمي لدول الاتحاد الاوروبي لتتجاوز ازمتها الاقتصادية و التي اصبحت اطول من عمر ساستها . و المكسيك ليس مهما ان تكون جارة لاقوى اقتصاد عالمي لكي تضمن العيش الكريم لملايين الفقراء في اكواخ الصفيح.
كثيرة هي الأمثلة لسوء توزيع الثروات التي اصبحت بيد الشركات المتعددة الجنسية و اشخاص يسيرون الجوع الانساني كعرائس على المسرح العولمة .
داخل الدول ايضا هناك سوء توزيع مقصود لجعل الشعوب في يد المؤسسات المسيطرة على الموارد الانتاجية فمقولة “جوع كلبك يتبعك ” سارية المفعول و مخدر فعال في مجتمعات تغني ان شبعت البطون و تنتحب ان جاعت و انت صاحت تصيح بعشوائية تقضم ظهر مطالبها لأن الجوع الفكري مستفحل فيها لدرجة انها غير قادرة على ادراكه .
ففي كل مكان يسيطر فيه الفقر نجد الرذيلة و الجريمة مرافقة له. فهل هناك علاقة بين الفقر والانحراف الاخلاقي؟
هذا ماتوحي به عبارة “ثقافة الفقر” عند الانثروبولوجي اوسكار لويس في احد كتبه عن الفقر المادي و علاقته بالفقر الاخلاقي . و سنعود لهذه الفكرة في دراستنا لمحيط الفقر عند الطبقة المنبوذة كمرتع للسلوك الشاذ و الحرمان من الكرامة الانسانية مما ادى الى ظهور سلوكيات للفقير داخل المجتمع لتصبح الصدقة مقابل صكوك الغفران .

زر الذهاب إلى الأعلى