مقالات

د. محمود سطوحي يكتب : المسئولية .. وقوة المجتمع والأمة..!!

لماذا تغيب هذه الكلمة كثيرا عن أذهاننا ونحن نواجه مشاكل وأحداث الحياة….فما هي المسئولية ؟؟ هي أعمال يجب علينا أن نقوم بها وإن لم نقم بها فنحن مساءلون أي نقع تحت طائلة المساءلة…. بمعني الإتهام والذي قد ينتهي بعقوبة…فكثير من الناس عندما تظهر أو تطرأ أي مشكلة يكون كل همهم التنصل من أي إرتباط بالمشكلة الطارئة خوفا من هذه العقوبة المجهولة..فيدعون عدم المعرفة أو عدم الإنخراط في أي فعل يخص هذه المشكلة أو عدم تواجدهم البتة في مسرح الأحداث….

فلماذا هذا الخوف المرضي وهذا الهروب من المسئولية الذي نجده في الكثيرون حتي وإن كانوا فعلا منخرطين في أسباب ومقدمات ومفردات الأحداث .؟؟؟!!!!…وعلي العكس من هؤلاء المنسحبون نجد القليلون الذين يصمدون في مواقعهم حتي وإن كان إنخراطهم في الأحداث ضئيلا وحتي إن عرضهم هذا الموقف لتحمل تبعات أحداث لم يشاركوا فيها كثيرا…

إنه بلا تأكيد عامل التربية والثقافة المجتمعية المتوارثة والتي هي نتاج خبرات وتاريخ الشعوب…ففي مجتمعات يتهرب أفرادها من المسئولية سنجد أن من يقع عليه عقاب ومردود المشكلة هو كبش فداء….وعادة يكون كبش الفداء هو أضعف فرد في القطيع المجتمعي بينما الفاعلون الحقيقيون ينعمون برفه العيش وبذخ الحياة…وهذه المجتمعات هي المجتمعات التي تعاني من الظلم والقهر وغياب العدالة.. إذن فوجود العدالة والشفافية هو ما سوف يساهم في نشأة أفراد يتحملون المسئولية ولا يفورن منها فرار مقيتا…

والسبب الثاني للتهرب من مسئولية المشاكل هو أن طرق التربية المتوارثة كانت تميل إلي أن تفقد الشخص ثقته بنفسه وقدراته سواء عن عمد أو بدون عمد…فدائما ما كنا نسفه الصغير عندما يبدي رأيه في حضرة الكبير ودائما ما نرمي المجتهدون أنهم لا يعرفون بواطن الإمور وبالتالي فلنترك لصاحب الحل والعقد إتخاذ قرارتنا المصيرية بالنيابة عنا…علي كل المستويات…ومن يجرؤ أحيانا علي مناطحة القوي المسيطرة يكون عقابه شديدا… فكيف إذا نطالب هذا الشخص علي تحمل المسئولية وهو يعرف نهاية المطاف… ويضاف لهذا أن مناهجنا التعليمية لا تؤهل المتعلمين علي حل المشاكل بقدر ما تعلمهم حفظ حلول بعض المشاكل القديمة..فهؤلاء عندما يواجهون مشكلة جديدة أما أن يلجأوا لحلول محفوظة أو يهربوا تماما من حل المشكلة الجديدة لأنهم غير قادرين علي فهمها وحلها.. .. كما أن غياب أو ضعف الجانب الأخلاقي في شخصية المواطن الذي لم يتلقي التعليم أو التأهيل الكافي تدعم توجهه نحو التملص من المسئولية..

والمجتمعات التي يتربي أفرادها علي الهروب من المسئولية هي تلك المجتمعات التي تبحث دائما عن الزعيم الملهم حتي تحمله مسئولية الفعل والقرار والمصير…ونجد أفرادها بعيدون عن المشاركة في مواجهة المشاكل العامة للوطن أو المجتمع.. وعندما تناقشهم في أي مشكلة تخص المجتمع فسيكون كل همهم تحميل الآخرون المسئولية…فإذا تحدثت عن مشكلة النظافة كانت الحكومة أو المحليات هي السبب…وإذا تحدثت عن مشكلة التعليم أو الدروس الخصوصية كانت وزارة التعليم هي السبب الأوحد…وإذا تحدثت عن مشكلة التخلف العلمي والإقتصادي كان الإستعمار هو السبب….وحتي إذا تساءلت عن أسباب صراعات طائفية أو عائلية في بعض المناطق.. كان الجواب السريع أن قوي خارجية هي من يزرع بذور الفتنة….وكل هذه المواقف إنما تنم عن آليات التملص والهروب من المسئولية وإلقاءها دائما علي الآخرين…وهذا لن يؤدي أبدا إلي تطور هذه المجتمعات بقدر ما ستظل دائما تعيش في غيبوبة تبعدها عن الواقع المعاش..

إذن المجتمع الذي يريد النهوض حقا هو المجتمع الذي يربي أفراده علي تحمل المسئولية… بداية من أتفه المشاكل حتي أعقدها…وعدم إلقاء مسئوليتها بالكامل علي علي الآخرين حتي وإن كانوا فعلا جزءا منها..هو المجتمع الذي يشعر أفراده أنهم جميعا علي قدم المساواة وأنهم شركاء في ماضي وحاضر ومستقبل وطنهم وأنهم شركاء في أرض وهواء وبحار وأعماق أرضهم وبالتالي سيتحملون هم ومسئولية الوطن الذي يشتركون في ملكية ترابه وهوائه ومائه..
أ.د. محمود سطوحي
24 إكتوبر 2018

زر الذهاب إلى الأعلى