أدب و فناخباراقتصادتحقيقاتسياسهعاجلمقالات

فاسدون ولكن!

خلق الله الناس من طين ومن رحمته أن جعلهم مختلفين، يختلف الناس فى الأشكال والصفات وفى المباديء والأفكار. ويتفاوت الناس فى القُدرات والمهارات، هذا أمرٌ معلوم ولم يكن ليسبب مشكله في أي مجتمع من المجتمعات إذا أُسند كل أمرٍ إلى من هو أهلٌ له.

رأيتُ فيما يرى اليقظان أن في بلادي أغلب الناس نيام فى منازل الغفله، يتكئون على فُرشٍ خشنه يظنون أنهم في نعيم، يضاجعون كل خطيئه وقترفون كل أثم، كلامهم الفُحش وأكلهم السحت، الحق بينهم ضائع والكِبر فيهم فاش. صاحب المقصد  الحسن والنية الصالحه والمنهج القويم غريبُ لا مقام له بينهم.
تتهاوى ألأمةُ بلاداً ومجتمعات ومؤسسات وأفراد ويرى الكثير أن السبب فى ذلك هو الفساد الذي يلتهم مُقدرات بلادنا وأنه لا خلاص لنا إلا بالقضاء على الفساد، إن مفهوم الفساد فى كثيرٍ من الاحيان مرتبط إرتباطاً وثيقاً بالرشوه والإختلاس والسرقه وما إلى ذلك، لكن هناك بابٌ من أبواب الفساد يغفل عنه كثيرٌ من الناس وهذا النوع من الفساد أكثرُ خطراً وأشد  ضرراً إنه  إسناد الأمر إلى غير أهله.

إن الضعف والقوة ، واللين والشده ، والحلم  والجهل ، والشجاعة والجبن وما إلى ذلك من صفات تتواجد جميعها فى الإنسان لكن إذا غلب الحلم الجهل كان الإنسان حليماً وإذا فاقت شجاعته جُبنه كان شجاعاً ورغم أن الصفات الإيجابيه تعزز من قيمة الفرد وتجعله أكثر فائدة ونفع ورغم أن الإسلام حث الناس على التغلب على تلك الصفات السلبيه لكن لا يكلف الله نفساً إلا وسعها فإن المؤمن قد يكون جباناً وقد  يكون ضعيفاً لكن كل صفةٍ سلبيه لم تسبب ضرراً لغيره لا تضره فالمؤمن القوي خيرٌ وأحبُ إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كُلٍ خير. لكن هذا المؤمن الضعيف لا يجوز أن يتجاهل ضعفه ويتسبب فى الإضرار بالناس وكل إنسان على نفسه بصيراً. إن سالم مولى ابي حذيفه رضى الله عنه كان نحيل الجسد قال له المهاجرون يوم اليمامه: يا سالم، إنَّا نخاف أن نؤتى من قِبلك، فقال سالم: بئس حاملُ القرآن أنا، إن أُتيتم من قبلي  فأعطوه الرايه فأمسكها بيمينه حتى قطعت يمينه، فأخذها بيساره حتى قطعت يساره فاعتنقها حتى قُتل. كان رضي الله عنه يعلم أن ضعف جسده لن يمنعه من حمل الرايه فأخذها بحقها فقاتل حتى النهايه .

إن المسلمون الأوائل كان عندهم شجاعه كافيه أن يعترفوا بنقاط قوتهم ومواطن ضعفهم لذلك تميزوا بشكل فريد وتخصصوا كُلٍ في ما يحسنه فمنهم من حمل السيف و الرمح ومنهم من حمل القرطاس والقلم ومنهم من إشتغل بالتجاره فزودهم بالمؤنه والعتاد ومنهم من إشتغل بالقضاء ومنهم من وتولى أمور الناس كذلك علمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أبو ذر رضى الله عنه  قلت يا رسول الله، ألا تستعملني؟ فضرب بيده على منكبي ثم قال ( يا أبا ذر إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها ) رواه مسلم.

إننا اليوم بحاجه إلى إعادة النظر فى الطريقه التي تُدار بها كل المؤسسات داخل مجتمعاتنا نحتاج أن ندقق فى معايير وطرق الاختيار لكل منصب فنقدم الكفائه على الواسطه ونحتاج وبشده أن لا تكون الاقدميه هي العامل الرئيسي والوحيد فى الترقي أو عند اختيار المناصب القياديه وكذلك نحتاج إلى منهجيات مختلفه فى الإدارة، إن متوسط إنتاجية الفرد فى العالم العربي على أقصى التقديرات لا تتعدى ثلاثه وعشرون دقيقه فى يوم عمل متوسطه ثمان ساعات، وهذا يرجع بلا شك إلى سوء إدارة. إن الاستغلال الامثل للطاقات داخل كل مؤسسه يعزز من قيمتها ويزيد من أرباحها. وبداية التحول من الخساره إلى الربح ومن الفشل إلى النجاح داخل المؤسسات هو الإستثمار في الأفراد عن طريق إعادة توزيع الأدور والمهام وفق إمكانيات وقدرات ومعرفة كل فرد ليأخذوا مهام عملهم بحقها ويؤدوا الذي عليهم فيها.

 

زر الذهاب إلى الأعلى