مقالات

د/ محمود سطوحي يكتب : “الكنز المفقود”

تزخر الأرض التي نعيش عليها بعديد من الكنوز التي دأب الإنسان علي إكتشافها وتطويعها لمصالحه….لكن أهم هذه الكنوز هو العقل الذي هو مفتاح جميع الكنوز الأخري….
وتختلف الأمم في درجة تقدمها ورفاهيتها طبقا لقدرتها علي إكتشاف وتطويع وتشغيل هذا الكنز في المناخ المناسب له وبالطريقة اللائقة به…وبذا لا تتوقف درجة التقدم علي الكثرة ولكن علي قدر إعمال العقل..فنجد أمما صغيرة العدد تتفوق علي أمما كبيرة العدد طبقا لدرجة إستخدام هذا الكنز بالطريقة المناسبة..ونجد أمما بلا ثروات طبيعية وشعوب قليلة العدد تتفوق علي أمما كبيرة العدد غنية الثروات….
نتصايح كثيرا في الشرق وندعي أن السبب هو الإستعمار كي نخفي جريمة إهمالنا للكنز الغائب….فلو كنا حقا بحثنا عن هذا الكنز ووضعناه في مكانه المناسب وأعملناه حق الإعمال لما إستطاع أي إستعمار أن يتخطي حدودنا…ولما فرض علينا أسعارا بخسة لثروات طبيعية هي كل ما نتشدق به ونخاف عليه بينما فالكنز الأكبر قد أهملناه بأنفسنا ففقدناه. وفقدنا معه الكثير من الكنوز الطبيعية…ففتح الطريق لضعفنا..
الإستعمار ليس بالأساس نتيجة لطمع الآخرين بقدر ماهو نتيجة للتخلي عن عنصر القوة الأكبر وهو العقل…
قد يقول قائل ولكننا كنا ولا زلنا نستخدم عقولنا ولكن الإستعمار أتي بجحافل الشر ليقضي علي مقومات حضارتنا…لا ياسيدي لم يأتي الإستعمار لشعوب مبدعة قوية متعلمة ففرض عليها الجهل ولكنه جاء لحضارات مضمحلة…فسهل تفكيكها…
ولازلنا ندعي أن الإستعمار يريد أن يقوض مبادئنا وذاتيتنا الآخلاقية…وكأننا وصلنا لقمة الأخلاق… وما هي إلا أضغاث أحلام نهرب إليها من واقع أليم لا نريد الإعتراف به….هذا الواقع يقول أن حضارتنا إنتهت بتغييب العقل…وعندما غاب العقل ضعفت مقومات الحضارة …
الحل إذا ليس النكوص مرة أخري لما كنا عليه قبل مرحلة الإستعمار فما كان قبل الإستعمار هو المقدمة الحقيقية للإستعمار ………ولكن الحل في البحث عن كيفية الوصول للكنز المفقود وكيفية إعماله بالطريقة الملائمة التي قادت الأمم الأخري للتطور ونحن لا زلنا إليها ناظرون منبهرون.. 
ولكن البعض يقول إننا نستخدم عقولنا فلدينا مدارس وجامعات ويستخدم المتخرجون عقولهم….ولكن قد يكون هذا هو الحد الأدني من إستخدام العقل….وللأسف لا تبني الحضارات بالحد الأدني لكنها تبني بأقصي الحد الأقصي…
كيف نصل للكنز المفقود….بداية يجب تحرير العقل من الخوف والعوز والجهل والمرض….وتحرير العقل يعني تحرره من إرث القيود القديمة التي تغطت بشعارات براقة وإرتبطت إما بقوي عقائدية أو أفكار مجتمعية خفية تناهض قيام العقل…نحتاج لعدة مباديء حتي نحرر العقل…
وفيما يلي بعض الخطوط العامة لتحرير العقل وتوظيفه
أولا الإعتراف أن العقل هو الحل وهو مفتاح جميع المشاكل وبه مفاتيح كنوز العالم والكون إذا كد جليا…
ثانيا: تربية العقول التربية الفكرية السليمة التي تعتمد علي المنطق والفلسفة..عن طريق تعليم فائق الجودة مستمر ومتسع للجميع..
ثانيا: منع تجريم عمل العقل وإن تصادم مع ما درجنا علي من أفكار وقناعات أو حتي معتقدات…فإذا إصطدم معنا فالحل هو مزيد من إعمال العقول وليس تدمير العقول التي نصفها بالشر والشيطانية ليسهل تدميرها…حل النزاع بين العقول يكون بمزيد من إعمال العقل وليس وضع حد لإعمال العقل..
ثالثا: توفير الحرية الكاملة لعمل العقل بلا قيود تحت أي مسميات.
رابعا: توقير وتثمين ورعاية عمل العقل وإثابته أعظم إثابه فهو الذي يؤدي إلي كل المكاسب التالية…فخسف قيمة عمل العقل يحبط عمل العقول فلا تعطي أقص قدراتها..
خامسا: توظيف العقل في كل مناحي الحياة…حتي وإن فشل أحيانا فالفشل قد يكون خطوة أساسية في مسيرة النجاح… ومهما كلف أحيانا فالنتائج النهائية لعمل العقل تغطي أي تكاليف مبدئية..

د / محمود سطوحي

 

زر الذهاب إلى الأعلى