أسلاميات

أفضال الصيام في الإسلام ؟!

** أفضال الصيام في الإسلام **
إعداد / عاطف عبد الوهاب 
في غضون أيام قليلة سيحل علي جموع المسلمين شهرا جليلا يعد من أعظم الشهور عند الله وذلك لما يححويه هذا الشهر الفضيل من خيرات ونفحات وشعائر رائعة تشعر معها بالطمأنينة والراحة النفسية والروحانيات التي تبعث السكينة في نفوسنا جميعا.ألا وهو شهر رمضان المبارك. 
ونذكر هنا أن الصيام ركيزة من ركائز الإسلام حيث ميز الله بعض الأزمنة على بعض فجعل مثلا يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع وجعل شهر رمضان أفضل شهور السنة تعبدا والتزاما، وجعل العشرة ليالي الأخيرة من رمضان أفضل عشرة ليالي في السنة، وجعل فيها ليلة القدر أشرف ليلة على الإطلاق، مبينا أن كثيرا من المسلمين يظن خطأ أن الآية القرآنية الكريمة {وَالْفَجْرِ، ولَيَالٍ عَشْرٍ} تتحدث عن العشرة أيام الأول من ذي الحجة، وهذا غير صحيح لأن المقصود العشرة ليالي الأخيرة من رمضان، وفيها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.
وأن شهر رمضان هو الشهر الوحيد الذي خصه ربنا تبارك وتعالى بالذكر في محكم كتابه، وهذا تشريف لهذا الشهر قال تعالى: {إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ والأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} وفسر لنا الرسول صلى الله عليه وسلم الأشهر الحرم لكن لم يُذكر في القرآن الكريم شهرا بالاسم غير شهر رمضان المبارك، وهذه إشارة من الله سبحانه وتعالى إلى أنه شرف شهر رمضان على غيره من الشهور، كما شرف مكة المكرمة والمدينة المنورة وبيت المقدس على غيرها من الأماكن.
وتتعاظم مكانة الشهر الفضيل – كما يقول د.النجار- بإنزال كل الكتب السماوية في هذا الشهر، إذ أن الشائع بين الناس أن شهر رمضان أُنزل فيه القرآن فقط وهذا غير صحيح، لأن هذا الشهر أنزلت فيه كل الكتب السماوية السابقة كصحف إبراهيم وزابور داود وتوراة موسى وإنجيل عيسى، مشيرا إلى أن الإمام الطبراني روى في الكبير بسند الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أُنزِلت صحف إبراهيم أول ليلة من شهر رمضان وأنزلت التوراة لست مضت أو خلت من شهر رمضان وأنزل الزبور لثلاث عشرة مضت من شهر رمضان وأنزل الإنجيل لثماني عشرة خلت من شهر رمضان وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من شهر رمضان”، مؤكدأ أن الناس يجب أن يعلموا أن الذي أنزل القرآن هو الذي أنزل الإنجيل هو الذي أنزل التوراة هو الذي أنزل الزابور هو الذي أنزل صحف إبراهيم، وإن كانوا يجلون هؤلاء الأنبياء فعليهم أن يجلوا شهر رمضان لأن الصيام فرض فيه تعظيما لهذا الشهر، ولابد أن يعلم الناس أن إنزال الكتب السماوية في هذا الشهر يعني وحدة الهداية الربانية، ووحدة رسالة السماء والأخوة بين الأنبياء، وأن محمد صلي الله عليه وسلم الذي خُتِمت به هذه السلسة الطويلة من الأنبياء والمرسلين تعهد ربنا تبارك وتعالى بحفظ وحيه بينما تُرِك الوحي السابق لأهله فضيعوه. 
وأن الصيام من أحب العبادات إلى الله سبحانه وتعالى، وأن المصطفي صلي الله عليه وسلم وهو أعبد الناس لله كان يجتهد في رمضان ما لا يجتهد في سواه وكان يجتهد في العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في سواها، وأن الحقيقة المستلهمة من أحاديث الرسول الله صلى الله عليه وسلم أننا نعظم الشهر بالصيام، ولا نعظم الصيام بالشهر، كما أن هذا الشهر فيه ليلة القدر، وهي خير من ألف شهر أي أكثر من 83 سنة، قال تعالى “إنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ. ومَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ القَدْرِ. لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ. تَنَزَّلُ المَلائِكَةُ والرُّوحُ فِيهَا بِإذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ. سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الفَجْرِ”.
تلاوة القرآن وتدبره
وإن كثيرا من المسلمين يتخيل أنه إذا ختم القرآن عشر مرات في رمضان فانه قد أدى عملا عظيما، لكن هذا ليس كافيا لأن القرآن نزل لنا لنفهمه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يوصينا بتدبر القرآن، والتدبر منزلة أعلى من مجرد التلاوة ، لقوله صلى الله عليه وسلم “من قرأ القرآن ولم يعربه – يعني لم يفهمه – أوكل الله تعالى به ملكا يكتب له بكل حرف حسنة والحسنة كما أُنزِل بعشرة أمثالها ومن قرأ القرآن وأعرب بعضه أوكل الله تعالى به ملكين يكتبان له بكل حرف عشرين حسنة والحسنة بعشرة أمثالها ومن قرأ القرآن وأعربه أوكل الله تعالى به أربعة من الملائكة أربعة أملاك يكتبون له بكل حرف سبعين حسنة والحسنة بعشرة أمثالها” فالتدبر له سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة يعلمها ربنا تبارك وتعالى، والله عز وجل يقول {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}، {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ ولَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً}، مؤكدا أن تدبر القرآن منزلة أعلى من مجرد التلاوة، وكان جبريل عليه السلام يدارس الرسول صلى الله عليه وسلم القرآن في كل ليلة من ليالي الشهر الفضيل. 
وعن وجه الإعجاز في الصيام وأن الصيام معجزة علمية ومعجزة طبية حقيقية، لأن الغذاء الذي يأكله الإنسان يتحول لجلوكوز يذهب للمخ، والخلايا تأخذ منه ما تحتاجه، وجزء يستخدمه الجسم لإعادة الخلايا التي تتكسر في الجسم، والإنسان يفقد من جسده حوالي (١٢٥) مليون خلية في كل ثانية فيحتاج إلى بناء هذه الخلايا من جديد، ويختزن الجسم جزءا من الغذاء إما على هيئة جلايكوجين في الكبد أو على هيئة جلايكوجين في العضلات أو على هيئة دهون في أماكن مختلفة من الجسم وحينما يجوع الإنسان يبدأ يسترجع هذا الطعام ويحلله لكن إذا بقي الإنسان على مدار العمر يأكل ثلاثة وجبات إفطار وغذاء وعشاء فيتكدس في الجسم كميات من هذه الدهون وهذه الأطعمة التي تبدأ تضر بالجسم، لافتا إلى أن الصيام على الطريقة الإسلامية هو أفضل وسيلة من وسائل إعطاء الجسم فرصة من الزمن يتخلص فيها من الزيادات ويتجدد فيه بناء خلاياه بطريقة جيدة، كما أن الصيام يقوي الإرادة حيث يمتنع الإنسان بإرادته عن الطعام والشراب ويتحكم في شهواته المختلفة لفترة زمنية معينة، فهذا تدريب نفسي عظيم للإنسان لإعانته على التحكم في إرادته ورغبائه وشهواته الصيام. 
وأن الصيام ينطوي على قيم أخلاقية تفوق القيم المادية بمراحل كثيرة جدا وتتمثل في إشعار الغني في المجتمع بألم الفقير، فحينما يشعر الصائم بألم الجوع أو ألم العطش خاصة في أيام الصيف الحارة يدرك معاناة الفقير الذي لا يملك مثلا كسرة الخبز ولا قطرة الماء، ومن ثم يرطب الصيام من قلوب الأغنياء تجاه الفقراء في المجتمع فيحسن هذه العلاقة ويجعلها قائمة على العطاء والأخذ، لا الحقد والغل لأنه إذا لم يقم الغني بواجبه تجاه الفقراء، تنشأ الأحقاد والكراهية ، والصيام يعود الإنسان على ضبط اللسان فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” فإن سبه أحدا أو شتمه فليقل إني صائم أني صائم”.
وأن الغربيين الذين لا يعرفون الصيام الإسلامي، يعالجون بالصيام الطبي، مشيرا إلى أنه ظهرت في الآونة الأخيرة كتب طبية عديدة تتحدث عن الصوم لـ” شلتون” صاحب كتاب “التداوي بالصوم” و” آلان كوت” مؤلف “الصوم الطبي النظام الغذائي الأمثل” و” هنرك تانر” مؤلف “الصوم إكسير الحياة” و” لوتسنار” صاحب مؤلف “العودة إلى الحياة السلمية بالصوم الطبي”. 
وأوضح أن الصوم الطبي هو تجويع كامل، أما الصيام الإسلامي- فكتب عنه أطباء مسلمون كالدكتور حسان شمسي باشا أو الدكتور عبد الجواد الصاوي والدكتور محمد علي البار- ويبدأ من الفجر الصادق إلى غروب الشمس وتتراوح مدته ما بين (٨) ساعات و(١٦) ساعة أقصاها .
وهذا الوضع الأمثل لتخلص الجسد من المخزون الزائد لو زادت المدة عن ذلك قد يصبح صياما ضارا، أما الصيام الطبي فقد يمنع الإنسان عن الطعام أربعين يوما متواصلة باستثناء الماء، وقد كتب أحد الأطباء المسلمين المرموقين عن أن الصيام يقوي جهاز المناعة بالجسم فيتحسن الأداء الوظيفي للخلايا اللمفاوية إلى عشرة أضعاف وتزداد نسبة الخلايا المسؤولة عن المناعة النوعية، زيادة كبيرة وترتفع أعداد بعض الأجسام المضادة في الجسم وتنشط الردود المناعية نتيجة لزيادة البروتين الدهني وتتجدد الخلايا أثناء مرحلة البناء تجددا كبيرا، ومن هنا فعلاقة الصيام بجهاز المناعة علاقة وطيدة ولكنها تحتاج إلى تأكيد طبي بتجارب مختبرية.

زر الذهاب إلى الأعلى