مقالات

عاطف عبد الوهاب يكتب : تهديد أمريكا لمصر والعرب

يواجه الأمن القومى المصرى التهديد الامريكى الغربى على مصر ومنطقة الشرق الاوسط بعد ان استطاعت ثورة 30 يونيو إيقاف المخطط المعروف بالشرق الاوسط الموسع،وهو الامر الذى جعل الولايات المتحدة الامريكية فى حالة تخبط، ومهاجمتها المستمرة للثورة، وإيقافها المعونة العسكرية عن مصر.
والولايات المتحدة كانت تسعى مع جماعة الاخوان الى تغيير العقيدة العسكرية للقوات المسلحة، بحيث تتحول من عقيدة قتالية إلى مكافحة الإرهاب والشغب، ورصدت لها مبلغ 500 مليون دولار من المعونة العسكرية للبدء فى ذلك التحول، ولم تكن ترغب فى أن تكون لمصر قوة عسكرية تخوض أى معارك أو تهدد أمن إسرائيل، الامر الذى جعلها تأخذ موقفا ضد الثورة وما تلاها، لأن ذلك سيؤثر بشكل مباشر على خططها التى بدأت فى تنفيذها فى مصر، ومن ثم استكمالها الى باقى دول المنطقة، فالجيش المصرى الآن مستهدف من قبل الولايات المتحدة وحلفائها.
وإذا نظرنا بعمق إلى توجهات الولايات المتحدة فى منطقة الشرق الاوسط نجد أنها تنفذ خططا طويلة الأجل، بهدف تدمير القوة العربية كاملة، وتفتيت الدول لدرء أى مخاطر عن مصالحها بمساندة بعض دول المنطقة، وبخاصة تنفيذ مشروع الشرق الاوسط الموسع، والقضاء على محور الشر الذى أعلن عنه من قبل الرئيس الامريكى السابق جورج بوش الأبن فى عام 2001 بعد احداث11 سبتمبر، وكان يقصد وقتها العراق وايران وسوريا.
واستطاع البنتاجون الامريكى ان يضع خططه من اجل الوصول لذلك الهدف من خلال تدمير الجيوش العربية وجعلها بلا قوة قد تعمل على مواجهة اى خطط ترغب فى تنفيذها، وجاءت البداية فى عام2003 وبعد الاحتلال الأمريكى للعراق، ومع تعيين بول بريمر كأول حاكم أمريكى للعراق قام باتخاذ قراره الأول بحل الجيش العراقي. وهو الامر الذى لم يحدث فى اى دولة فى العالم من قبل. فالجيش يعنى هوية الدولة. كما يعنى الاستقرار لها ومواجهة اى عمليات داخلية او خارجية, وحتى لو كان منكسرا بعد حرب لا يمكن ان يتم حله الا لو كانت هناك اسباب تهدف الى ذلك, وهى اسباب تصب جميعها فى مصلحة الولايات المتحدة، وأهمها جعل العراق بلا هوية لإعادة تشكيلها من جديد والعمل على تقسيمها دون اية مقاومة. إلا أن المخطط الامريكى ازداد شراسة مع دخول تنظيم القاعدة فى الاراضى العراقية وتم تدمير ما تبقى من كيان وهوية الدولة العراقية. مما جعل العراق تبتعد عن الصورة الاقليمية بعد أن كانت قوة مؤثرة بشكل كبير فيها.
لم يتوقف المخطط الامريكى الجهنمى عند. هذا الحد فقط بل إن الولايات المتحدة قامت فى عام2004 بإقرار مشروع الشرق الاوسط الموسع فى قمة الثمانى ثم من بعدها فى قمة اسطنبول لحلف الناتو بحيث جعلت للحلف مهام أمنية وإستراتيجية داخل المنطقة من اجل ان يكون له الغلبة من خلال إعادة نشر قواته فى مواقع استراتيجية مثل البحر الاحمر والخليج العربى وقواعد عسكرية فى دول اخري.
وخلال تلك الفترة بدأت الإدارة الأمريكية فى فتح قنوات اتصال مع بعض القوى المعارضة فى بعض الدول العربية لتكون موالية لها فى حال تنفيذ أى ثورات بعد اعلان كوندليزا رايس وزيرة الخارجية الامريكية فى الادارة الامريكية السابقة، عن مصطلح »الفوضى الخلاقة« الذى يجب ان يتم تنفيذه فى منطقة الشرق الاوسط والدول العربية، وحاولت الادارة الامريكية ان يكون لها حلفاء فى حال حدوث ثورات عربية وهو الأمر الذى كانت تخطط له الولايات المتحدة لاعادة تشكيل المنطقة كما ترغبها لحماية مصالحها وجعل اسرائيل هى القوة الوحيدة ومن ثم القضاء على القوة العربية المهددة لها.
وجاءت بعد ذلك ثورات الربيع العربى لتجد الولايات المتحدة دورا أكبر لها لتكون نصيرا للديمقراطية فى الشرق الاوسط، وهو الظاهر من خلال تصريحاتها التى دائما ما تطلقها القيادات فى الادارة، أما الخفى منها فيهدف الى تنفيذ مشروعها الكبير من خلال تدمير مؤسسات الدول، ثم تدمير الجيوش العربية، واضعاف الدول فى القدرة على تحديد مستقبلها منفردة، وتجعل من الولايات المتحدة وصية عليها تنفذ تعليماتها التى هى فى الغالب تدمير لكل ما هو قوى فى تلك الدول مثلما حدث فى النموذج العراقي، وهو ما يظهر جليا فى تعامل الادارة الامريكية مع الملف السوري، فبرغم ما يفعله النظام من قتل وذبح للمدنيين، فإن الولايات المتحدة جاءت لها فرصة ذهبية لتدمير الجيش السورى تماما من خلال تسليح المعارضة وادخال البلاد فى حرب أهلية وتتحول الثورة من سلمية الى دموية يقتتل فيه الجانبان، وفى النهاية تخرج سوريا مهلهلة بلا جيش ومدمرة اقتصاديا، وبها صراعات طائفية
وقد فعلت ذلك من قبل مع ليبيا من خلال دور الناتو هناك وتسليح المعارضة، ثم بعد ذلك صراعات قبلية تدخل الدولة فى دوامة كبيرة يتم بعدها الاحتكام للولايات المتحدة وحلفائها فى الغرب ليتم تقسيم ليبيا إلى دويلات صغيرة
أما بالنسبة الى مصر فهى نموذج مختلف بالنسبة لباقى الدول العربية، فمصر ليس بها خلافات إثنية، وليس بها خلافات قبلية فهى دولة متماسكة، حتى بعد الثورة، لان بها جيشا قويا قادرا على حماية الدولة وأركانها، برغم المحاولات العديدة من البعض لاقحام الجيش فى صراعات، فإنه استطاع أن يبتعد عن ذلك كله ويحمى الدولة مرة أخري.

زر الذهاب إلى الأعلى