شخصيات

حدث في مثل هذا اليوم” 24 أكتوبر 1973″ الجزء الثاني

 

اعداد : منصور متولى

وفي حوالي الساعة العاشرة والدقيقة الخمسين صباحا، وبعد النجاح الذي حققته الكتيبة المدرعة التي سيطرت على منطقة المحافظة دون أي مقاومة بقيادة المقدم يوسي في عربات مدرعة نصف جنزير في ثلاث موجات كل موجة كانت تتكون من 8 دبابات وكل دبابة منها تتبعها عربة مدرعة، وكانت هذه القوة هي التي اختيرت لتكون المجهود الرئيسي للهجوم على السويس. وعبرت القوة المدرعة منطقة المثلث، وأخذت تجتاز طريق الجيش في ثبات وتؤدة، وقد بلغت ثقة الاسرائيليين بعدم تجرؤ أحد من أهل المدينة على مقاومتهم الى الحد الذي جعل قادة الدبابات يقفون جميعا ليطلوا من أبراج دباباتهم المفتوحة للفرجة على الشوارع التي يمرون من خلالها. ووصلت الموجة الأولى الى ميدان الاربعين دون أن تصطدم بأي مقاومة. وأطلق محمود عواد من طاقم الكمين الأول من منظمة سيناء قذيفتين من قاذفه الصاروخي آر بي جي على الدبابة الأولى فأصابتها القذيفة الأولى باصابة سطحية، بينما طاشت القذيفة الثانية. وأسرع الكمين الثاني الذي كان يتكون طاقمة من أفراد منظمة سيناء أيضا ليأخذ موقعه عند سينما رويال، وأمسك البطل ابراهيم سليمان بالقاذف آر بي جي 7، وجلس القرفصاء بجوار المخبأ الذي كان يقع بين سينما رويال وسينما مصر، وطلب من زميله محمد سرحان أن يعد له القذيفة. وعندما أصبحت الدبابة الأولى التي تتقدم الرتل على بعد حوالي 12 مترا من موقعه صوب ابراهيم سليمان القاذف بدقة نحوها وضغط على الزناد لتنطلق القذيفة وتستقر أسفل برج الدبابة التي اختل توزانها وتوقفت ومالت ماسورة مدفعها على الارض.

وانتقل ابراهيم سليمان الذي كاد يطير فرحا الى الجانب الآخر من المخبأ ليطلق القذيفة الثانية على العربة التي كانت تتبع الدبابة والتي كان يستقلها أفراد المظليين فاشتعلت فيها النار. وكانت هذه اللحظات القصيرة هي نقطة التحول في المعركة. ففي الوقت الذي توقفت فيه مدرعات الموجة الأولى أمام قسم شرطة الأربعين بتأثير المفاجأة، خرجت آلاف حاشدة من الجنود والمواطنين الى الميدان والشوارع المحيطة بقسم الشرطة، وهم يهتفون في حماسة “ألله أكبر .. الله أكبر”. وأخذوا في اطلاق نيران بنادقهم ورشاشاتهم على أطقم الدبابات، بينما ألقى البعض بقنابله اليدوية داخل أبراج الدبابات التي أخذت تنفجر ويشتعل بعضها بالنار حتى تحولت المنطقة الى قطعة من الجحيم.

ولم يلبث الاسرائليون أن قفزوا من الدبابات والعربات المدرعة، وهم في حالة عارمة من الذعر والارتباك، وأسرعوا في مجموعات يحتمون ببعض المباني المجاورة لقسم الشرطة. وحاول بعضهم الدخول الى سينما رويال ولكنهم ضربوا عند مدخل السينما، ونجحت مجموعة اسرائيلية تتكون من 25 فردا في دخول قسم شرطة الأربعين، واستطاعوا بنيران رشاشاتهم السيطرة على القسم الذي كان يتكون من طابقين وتحيطه سواتر عالية مبنية بالطوب الأحمر، وكان في داخله عدد من ضباط الشرطة والجنود. وتمكن خمسة جنود اسرائيليين من الصعود الى أسطح بعض العمارات وأخذوا في اطلاق نيران رشاشاتهم على المواطنين.

وعندما أبصرت دبابات الموجتين الثانية والثالثة ما لحق بمدرعات الموجة الأولى من فتك وتدمير، حاولت الاستدارة الى الخلف في ارتباك شديد للعودة الى منطقة المثلث. ونظرا لضيق الشارع اصطدمت بعضها بالبعض وحطم بعضها سور السكة الحديدية الممتد بحذاء الشارع. وكانت أربع دبابات قد تسللت خلف مسجد سيدي الأربعين من ناحية المثلث، فتصدى لها كمين من الفرقة 19 مشاة بقيادة المقدم حسام عمارة كان مرابطا على شريط السكة الحديد وأطلق عليها صواريخه وأجبرها على العودة.

وأثناء عودة دبابات الموجتين الثانية والثالثة عبر طريق الجيش للخروج من المدينة، خرجت حشود ضخمة من الجنود والمواطنين من البيوت المهدمة على طول الشارع، وأخذوا يطلقون نيران بنادقهم ورشاشاتهم ويقذفون الدبابات بالقنابل اليدوية وزجاجات المولوتوف الحارقة وهي تفر أمامهم كالفئران المذعورة.

وقد اعترف الجنرال جيرزوج – رئيس دولة اسرائيل الاسبق – في كتابة حرب التكفير أن الكتيبة المدرعة التي دخلت السويس من ناحية المثلث وكان عدد دباباتها 24 دبابة قد قتل أو جرح عشرون قائد دبابة من قادتها الاربعة والعشرين.

وكان الامر الذي يدعو الى الدهشة ان الكتيبة المدرعة المتمركزة في منطقة المحافظة لم تحاول التدخل مطلقا في معركة قسم الاربعين وظلت في أماكنها. وقد حاولت خمس دبابات منها التقدم على طريق بورتوفيق، ولكن الدبابة الأولى اصطدمت بلغم مضاد للدبابات فقطع جنزيرها وتوقفت الدبابات الأربع الأخرى، وعادت الى موقعها بمنظمة المحافظة بعد أن سحبت الدبابة المعطلة. وأثناء المعركة كلف المحافظ الملازم الأول عبد الرحيم السيد من الفرقة 19 مشاة بالتوجه الى دبابات العدو التي تحاصر المحافظة. ولكن الكتيبة المدرعة في منطقة المحافظة لم تلبق ان انسحبت فور حلول الظلام، وعادت الى الزيتية متبعة نفس الطريق الذي تقدمت عليه في الصباح.

زر الذهاب إلى الأعلى