تحقيقات

■ شارع عبد العزيز عالم مذهل ■ تقرير يكتبه / عاطف عبدالوهاب

■ سوق شارع عبدالعزيز بقلب حي العتبة الشهير بوسط القاهرة الذي يعج بشباب من مختلف الأعمار، منهم سيدات أيضا يستقبلونك في مداخل الشارع بعبارات متلاحقة مثل: هل تود أن تشتري أم تبيع؟ أم ترغب في إصلاح هاتفك المحمول؟ أم تريد شراء أجهزة كهربائية..؟ كله موجود عندنا.

أسئلة كثيرة تتلقاها وأنت تهم بالدخول إلى وسط هذه السوق التي تعتبر من أشهر أسواق القاهرة، حيث يأتي الزبائن من جميع أنحاء مصر ويقصدها بعض السياح لمتعه المشاهدة ومعايشة السوق عن قرب، وأحيانا للاستفادة من خبرات العاملين بها، حيث تخصصوا في التعامل مع جميع الهواتف المحمولة، إلى جانب فك شفرة أي جهاز ونسخ الأفلام السينمائية سراً.

بيع أجهزة المحمول

وترجع نشأة هذا الشارع لنحو 150 عاما مضت، وتحديدا لزمن الخديوي إسماعيل الذي عهد للمهندس الفرنسي «هوسمان» لإعادة تخطيط القاهرة لتصبح باريس الشرق، وإنشاء ما يلزم من ميادين وشوارع، وكان شارع عبدالعزيز من بينها، حيث أمر الخديوي بتسميته باسم الخليفة العثماني السلطان عبدالعزيز، وهو يمتد من ميدان العتبة الخضراء إلى ميدان عابدين، ويصل طوله لنحو كيلو متر تقريبا، ويعتبر من أهم الشوارع التجارية في القاهرة منذ بداية عصر الانفتاح الاقتصادي في سبعينات من القرن الماضي، حيث تخصص تجار الشارع في بيع الأجهزة الالكترونية، وفي بداية الألفية الجديدة حدث التحول لبيع أجهزة المحمول.
ويقدر حجم التجارة المتداولة في سوق شارع عبد العزيز بنحو عشرة مليارات جنيه سنويا، حسب دراسة للخبير الاقتصادي د.حمدي عبد العظيم، العميد السابق لأكاديمة السادات للعلوم الإدارية.

«صبى طيارة»

وفي أحد المحال يجلس مصطفى الشبراوي»31 سنة» أمام منضدة صغيرة، عليها هواتف محمولة تنتظر دورها في الإصلاح والصيانة، وفي الجهة الأخرى من المنضدة كان خالد زميله في المحل منهمكا في وصلة «فصال» مع زبون يرغب في بيع هاتفه.

ويقول مصطفى: فور حصولي على بكالوريوس التجارة قبل ثماني سنوات فشلت في إيجاد عمل مناسب، واقترح عليًّ أحد الأصدقاء الذي يملك محلا في شارع عبدالعزيز أن أساعده في استقطاب الزبائن إلى محله، وشرعت في العمل معه «صبى طيارة»، وهو مصطلح يطلق على الشباب الذين يتولون استقطاب الزبائن المترددين على السوق وإقناعهم بأن المحل الذي يعملون لحسابه هو الأفضل سواء في إصلاح أو فك الشفرة أو شراء أجهزة جديدة أو مستعملة.

وأضاف: كنت أستثمر وقت الراحة لأتعلم أعمال الفنيين بالمحل، وبعد خمس سنوات وأنا أتنقل من محل إلى آخر استطعت أن أتقن جميع الطرق الفنية لصيانة الهواتف، وكذلك اكتسبت الخبرات اللازمة لتثمين أي هاتف محمول يرغب صاحبه في بيعه واستبداله والوقوف على حالته، وأنا اليوم أعمل في محل خاص بي ولي زبائن يثقون بمهاراتي ويأتون خصيصا إليَّ من جميع أحياء القاهرة.

مصطفى يمثل نموذج لعشرات الشباب العاملين في شارع عبد العزيز ممن كانوا عاطلين عن العمل أو يحملون شهادات جامعية، ولم يجدوا بديلا سوى هذه السوق، وآخرون رفضوا العمل في المصالح الحكومية برواتب متواضعة، واختاروا مهنة «فني محمول» التي تدر عليهم أموالا طائلة.

«سليمان نوكيا»

وإلى جانب الشارع الرئيسي يتوزع عدد من المحال الصغيرة عبر الأزقة الضيقة، وهي تختلف باختلاف تخصصها، فهناك من يبيع الهواتف المحمولة الجديدة والمستعملة، وهناك من يبيع أجهزة التقاط القنوات الفضائية «الدش»، وآخرون متخصصون في بيع الأجهزة الكهربائية، ومنهم من يجمع بين كل التخصصات، حيث دفع ارتفاع القيمة الإيجارية للمحال بالسوق، التي تتراوح ما بين 5-8 آلاف جنيه شهريا للمساحة الصغيرة، إلى أن يتشارك بضعة فنيين من تخصصات مختلفة في استئجار المحل، ويتخذ كل منهم لنفسه زاوية صغيرة به لممارسة تخصصه. واللافت في السوق إطلاق أسماء ماركات الهواتف المحمولة على الفنيين العاملين بها، فهناك «علاء اريكسون» و»سليمان نوكيا» و»حمدي موتورلا ..الخ».

ويقول سليمان نوكيا «44 سنة» فني محمول: الرزق تساهيل، ومكسبنا ليس في كثرة بيع أجهزة الموبايل الحديثة وإنما في بيع وشراء المستعمل، فأي جهاز جديد مكسب البائع منه يتراوح من 10-20 جنيها، فلا يستطيع بائع أن يزيد على ذلك، فكلنا نشتري جملة من وكلاء تلك الشركات العالمية بالقاهرة ولو لم أبع بسعر معقول، وفي توقيت مناسب، فإن الزبون يتركني ويذهب لمحال أخرى، بينما في المستعمل من الممكن أن اشتري جهازا إمكانياته جيدة بثمن زهيد وانجح في بيعة بسعر كبير، وهذا يعتمد على خبرات الزبون في أجهزة المحمول وحاجته للجهاز وقدرته على الفصال.

وأشار إلى أن أجهزة المحمول الصينية الصنع أثرت على سوق الماركات المستعملة كالنوكيا والاريكسون، وغيرها، فمن حيث السعر يباع الصيني بنصف الثمن على الرغم من أن إمكاناته ضعيفة، وعندما يرغب الزبون في بيعه يخسر كثيرا فلا تباع الأجهزة الصينية إلا بربع ثمنها الأصلي إذا وجد من يرضى بشرائها.

رقم مميز

وأوضح أسامة شحاتة، «35 سنة»، بائع، أن مكاسب بيع خطوط هواتف المحمول هي الأخرى زهيدة، فسعر الخطوط دوماً في النازل، ويتراوح حاليا بين 3و10 جنيهات، وفقاً لما يقرره وكلاء تلك الشركات، ونسبة الخصم التي تمنحها الشركة كلما ارتفع مقدار المبيعات.

وأشار إلى أن بيع الأرقام المتميزة يعود على البائع بمقابل جيد، لاسيما وأن هناك من يتردد خصيصا على السوق بحثاً عن رقم متميز يتوافق مع عيد ميلاده أو مناسبة خطبته أو زواجه، وهكذا يظل الزبون يفتش بين الأرقام حتى يعثر على مبتغاه، وعندها يجد البائع الفرصة مواتية لطلب الثمن الذي يتناسب مع مقدرة الزبون المادية، ويتضح هذا جليا من هيئته ونوعية ملابسة وماركة المحمول الذي يقتنيه، وسعر الرقم المميز قد يصل إلى ألف جنيه لاسيما تلك التي يسهل حفظها.

ويشتهر شارع عبدالعزيز أيضا بأنه أكثر شوارع القاهرة شهرة في بيع الأجهزة المنزلية بأسعار أقل كثيرا مما يعرض في بقية الأسواق، وتلك الأجهزة تباع أيضا في محال المحمول، حيث يستغل أصحاب تلك المحال واجهة المحل في إصلاح وعرض الهواتف المحمولة .
مع وجود إشارة مكتوبة إلى أن عمل المحل هو بيع الأجهزة الكهربائية، وأحيانا تكون الإشارة عبر عرض تليفزيون أو ثلاجة في ركن من الواجهة. ويرجع أحمد توفيق، «41 سنة «، بائع، سبب ذلك إلى رواج المحمول وإقبال الزبائن من مختلف أنحاء القاهرة على الشارع، وهذا ما جعل أصحاب المحال الكبيرة يؤجرون النصف الأمامي من المحل لتجار المحمول، والنصف الآخر يظل بنشاط الأدوات الكهربائية نفسه، لتحقيق أكبر قدر ممكن من الاستفادة. وأوضح أن السوق ككل كانت في بادئ الأمر لبيع الأجهزة الكهربائية إلى أن راجت تجارة المحمول، مما جعل التجار يغيرون نشاطهم بشكل سريع.

لغة سرية

وهناك لغة سرية متداولة بين العاملين بالسوق تستخدم خصيصا في وصف حالة الزبون الذي يحضر إلى السوق لبيع هاتف مستعمل. فلفظ «خرابة» يطلق على الأجهزة المستعملة الرديئة، ولفظ «سقعان» لوصف جهاز مستعمل بحالة جيدة، بينما لفظ «المبلول» يعني وجود شك في أن المحمول مسروق لعدم وجود ما يثبت ملكية الزبون، كعقد بيع وشهادة ضمان أو أن هيئة الزبون لا تتناسب مع فخامة الجهاز الذي يرغب في بيعه، مما يدعو العاملين بالسوق الى تجنب شرائه خشية الملاحقات الأمنية.

قراصنة السينما

لا يقتصر عمل الفنيين في شارع عبدالعزيز على إصلاح الهواتف والبيع والشراء فقط، إنما هناك شباب تخصصوا في قرصنة السينما المصرية والعالمية، إذ بعد الأسبوع الأول من نزول أي فيلم جديد في دور العرض تجد نسخة مقرصنه منه وبجودة عالية داخل هذه السوق العجيبة وبسعر لا يتعدى 5 جنيهات للأسطوانة، الأمر الذي استدعى تدخل الجهات الرسمية لتشديد المراقبة على بائعي تلك الأقراص المدمجة، في ظل تصاعد شكاوى منتجي السينما، الأمر الذي جعل البعض يبيع هذه الأقراص المدمجة بشكل سري.

 

زر الذهاب إلى الأعلى