اخباراخبار عربية و عالميةعاجلمقالات

وليد موسى يكتب : سلاطين العلماء وعلماء السلاطين …

 إن الناظر فى حال الامة من قريب أو من بعيد يرى بوضوح أن أكبر معركة خسرتها أمتُنا فى العصر الحديث هي معركة “صناعة الإنسان” ، ولعل كثيرٌ من المفكرين والمصلحين أدركوا هذه الحقيقه منذ عقودٍ طويله ونبهوا لها وبينوا خطورة ذلك فهدمُ الإنسان وجعلُه مسخاً بلا روحٍ أو هويةٍ أو قضيةٍ يحيى لأجلها يعني هدم الأمه.

ومع أن الناسَ عند الله سواسية كأسنان المشط إلا أن الله يُحمّلُ كلَ نفسٍ ما تطيق وعلى قدر العطيةِ من الرحمن تقع المسؤليه على الإنسان ، فلا يستوي حسابُ الغني وحساب الفقير ولا يستوي حسابُ الصحيح وحسابُ المريض كذلك لن يستوي حساب العالِم والجاهل لا فى الأجر ولا فى الوزر .

وقد أخذ الله العهد والميثاق على العلماء أن يبينوا الحقّ ولا يكتموه ، وكذلك حذر رسولُ الله عليه الصلاة والسلام من كتمان العلم وجعل اللهُ أحقَ الناسِ بخشيته أهلُ العلم ((إنما يَخشى الله من عِبَادهِ العُلماءُ) وكل ذلك لخطورة دور العلماء فى حياة الأمم ، فالعالِم الفاسد يُفسد على الناس دُنياهم وأخرتهم ، لذلك فإن العالم لا يجوز له أن يداهن ولا يجوز له أن يكتم الحق ولو خشي على نفسه الفناء ((الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله وكفى بالله حسيبا)). وفي تاريخ الأمم لحظات فاصله تكون كفيله بأن تضع الأمه على الطريق الصواب أو تزج بها فى غياهب التيه وعند هذه اللحظات تحديداً يُبتلى العلماء فمنهم من (يصبر) ومنهم من (يُفتن) فيضِلّ ويُضِل ، وثبات العالم يتبعه ثباتُ عوام الناس وقد دأب التاريخ على تخليد أسماء هؤلاء العلماء :

فمنهم الأمام (أحمد بن حنبل) الذى وقف كالجبل أمام فتنة خلق القرأن يدافعها حتى انقضت ؛ فحفظ الله به الأمة من الضلاله وصار إماماً لأهل السُنه ومنهم (العزُ بن عبد السلام) الذى باع أمراء المماليك ونادى الصالح أيوب بإسمه مجردًا بلا ألقاب قائلاً يا أيوب ، فالتفت الحاكم ليرى: من الذي يخاطبه باسمه بلا ألقاب؟ ثم قال له العزّ : ما حُجَّتُك عند الله – عز وجل – غدًا إن قال لك: ألم أُبَوِّئْكَ ملك مصر، فأبحت الخمور؟ فقال: أويحدث هذا في مصر؟ قال : نعم، في مكان كذا، وكذا، حانة يباع فيها الخمر وغيرها من المنكرات، وأنت تتقلّب في نعمة هذه المملكة؟فقال: يا سيدي، أنا ما فعلت هذا، إنما هو من عهد أبي. فَهَزَّ العز بن عبد السلام رأسه وقال: إذن أنت من الذين يقولون: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ) [الزخرف:22]، فقال: لا، أعوذ بالله، وأصدر أمرًا بإبطالها فورًا.

وإذا كان التاريخ الإسلامى يذخر بأمثال هؤلاء الأفذاذ من العلماء العاملين المخلصين فإنه أيضاً يذخر بالكثير من علماء السلاطين الذين يستعملهم أهل السطوه وأصحاب السلطه لتوسيع نفوذهم وبسط سلطانهم على رقاب العباد فتجد هؤلاء يلوون ألسنتهم ويحملون النصوص الشرعيه ما لا تحتمل من المعاني ويطلبون رضا الحكام قبل رضا من بيده ملكوت السموات والأرض سعياً وراء الدنيا ورغم أن التاريخ لا يذكر أمثال هؤلاء إلا القليل منهم الذين عظُمت خيانتهم فإن الحاضر كفيل بأن يعطينا صوره عما حدث فى الماضى من أمثال هؤلاء المنافقين الذين يتزيّون بأزياء اهل الدين.

 (العلماء) هم مجموعه قليلة بالنظر إلى عدد الأفراد فى المجتمع وهدم بعض أو كل هذه الشريحه من الأمه يؤخر (الصحوة والنهضه) كثيراً وكذلك كل شريحه تهدم من المجتمع تفت فى عضده ولذلك تجدُ دعاةَ الإصلاح دائماً ما يضعون (الإنسانَ) كأول عامل من عوامل بناء الحضاره فالأستاذ مالك بن نبي مثلاً يرى أن مقوّمات الحضارة ثلاث أولها (الإنسان) ثم (التراب) ويقصد به الأمكانيات الماديه ثم (الزمن) .

ولعل من أهم الكتب التى تصف بدقه داء الأمة ودوائها كتاب (طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد) للكوكبي رحمه الله والذي يرى أن الاستبداد وهو التصرف فى الأمور المشتركة بمقتضى الهوى ، وهو أصل كل داء وإذا ما ترقّى الشعب فى المعارف قل الأستبداد ولذلك نجد المستبد دائماً يخشى من علماء الاجتماع الذين لهم تأثير فى تعريف الناس بحقوقهم وما لهم وما عليهم ويشعروهم بقيمتهم ويكفى أن تعلم أن (الكوكبي) رحمه الله قُتل مسموماً ورغم علمه بأن ذلك المصير هو نهاية جهاده بقلمه فما صده ذلك عن التبيان فهل يتعظ علماءُ السُلطان.

زر الذهاب إلى الأعلى