مقالات

عبدالرحمن عويس يكتب : “رسالة الي الأبوين “

 

إن نعم الله عز وجل لا تحصى، وعطاياه لا تعد، ومن تلك النعم العظيمة وأجلّها نعمة الأبناء، قال الله تعالى: ﴿ المَالُ وَالبَنُونَ زِينَةُ الحَيَوةِ الدُّنيَا } ولا يَعرفُ عِظَم هذه النعمة إلا من حُرم منها، فتراه ينفق ماله ووقته في سبيل البحث عن علاج لما أصابه. وهذه النعمة العظيمة هي أمانة ومسئولية يُسأل عنها الوالدان يوم القيامة، وزينة الذرية لا يكتمل بهاؤها وجمالها إلا بالدين وحُسن الخلق، وإلا كانت وبالاً على الوالدين في الدنيا والآخرة.
وإن تربية الأبناء تربية صحيحه أمر قد نبهنا الله إليه فقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارة}

فالآية نداء لأهل الإيمان بأن يعملوا جاهدين لإبعاد أنفسهم وأهليهم من النّار، لذلك؛ فإنّ مهمة تربية الأولاد مهمة عظيمةٌ يجب على الآباء والأمهات أن يحسبوا لها حسابًا، ويعدوا العدة للقيام بحقها؛ خصوصًا في هذا الزمان الذي تلاطمت فيه أمواج الفتن، واشتدت غربة الدين، وكثرت فيه دواعي الفساد حتى صار الأب مع أولاده كراعي الغنم في أرض السباع الضارية، إن غفل عنها ساعةً؛ أكلتها الذئاب، فهكذا الآباء والأمهات إن غفلوا عن أولادهم ساعةً؛ تاهوا في طرق الفساد.
فأنتَ أيها الأب.. وأنتِ أيتها الأم.. سوف تُسألون؛ فَلْيعد كلٌ منكم للسؤال جوابًا، فكل من وهبه الله نعمة الذرية؛ وجب عليه أن يؤدي أمانتها بأن يُنشئ أبناءه ويربيهم تربيةً إسلاميةً، وأن يتعهدهم منذ نعومة أظفارهم.
وإنّ الطفل الناشئ كالعجينة اللينة في يد صانعها يشكلها كيفما أراد، أو كالصحيفة البيضاء قابلةٌ لكل ما يكتب فيها أو ينقش عليها.

ومِن هنا يجب على الوالدين أن يكونا حريصين على ما يصدر منهما أمام أولادهما، فلا يتحدثان إلا بالصدق، ولا ينطقان إلا بالحق، ولا يتعاملان معهما إلا بالرحمة والشفقة والرفق، وأن يُبَينا لأولادهما الخطأ والصواب.

ففتى اليوم سوف يصبح أبًا غدًا، وفتاة اليوم سوف تكون أمًّا في المستقبل، ولا بد من إعداد كل منهما إعدادًا طيبًا؛ ليكونوا لبـِناتٍ صالحاتٍ في بِناء صرح الأمة الإسلامية.

فعلى الوالدين أن يقوما بتنفيذ المنهج التربوي الذي رسمه الإسلام، وإنما يكون ذلك عن طريق مراقبة سلوك الأبناء، واختيار أصدقائهم حتى لا يختلطوا بذوي الأخلاق الفاسدة والعادات القبيحة، فإن الأولاد إذا تعودوا علي الخير في صغرهم؛ نشئوا عليه وسعدوا به في الدنيا والآخرة، وكان لوالديهم الأجرَ العظيمَ والثوابَ الجزيلَ من العالمين، وإن نشئوا على الشر وتعودوا عليه؛ شقوا وهلكوا، وكان الوزر والإثم معلقًا برقبة أولياء أمورهم، والقائمين على تربيتهم إذا هم قصَّروا في هذا الواجب، فعلى المؤمن أن يقي نفسه وأهله من عذاب الله قبل أن تضيع الفرصة، ولا ينفع الاعتذار.

وينبغي علينا أنّ نربي أولادنا على معرفة الله ووحدانيته، وحبه وطاعته، وحب رسوله صلى الله عليه وسلم وأتباعه والاقتداء به، ونعلمهم الصلاة، وندربهم على الصيام والجود، والعفو والحلم والشجاعة، ونخوفهم من السرقة والخيانة، والكذب والغيبة والنميمة، والفحش في الكلام وأكل الحرام، فإنّ قلب الطفل جوهرةٌ نفيسةٌ قابلة للخير والشر، وأبواه هما اللذّان يميلان به إلى أحد الجانبين، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، }

كما يجب على المسلم أن يراقب أبناءه، فلا يتركهم فريسةً لما يكتب في بعض الصحف والمجلات التي تتحدث عن إباحة الرذيلة، والتي تتسبب في فساد الأخلاق، وانحراف الشباب والفتيات، كما يجب عليه أن يصون أبناءه عما يذاع بوسائل الإعلام أو ما يشاهد في التلفاز ودور السينما، ووصلات النت من مسلسلاتٍ ماجنةٍ، وأفلامٍ صاخبةٍ تؤدي إلى السقوط والضياع.
وفوق ذلك كله؛ يجب على المسلم أن يحتاط في إطعام أولاده، فلا يكتسب قوتهم من الحرام، فإن الأولاد إذا طعموا الحرام؛ خشي ألا يُبارك فيهم، وأن يميل طبعهم إلى كل خبيثٍ، فيكونون بلاءًا على أهليهم، ومصدر شقاءٍ لأوطانهم.

زر الذهاب إلى الأعلى