أدب و فن

قصة قصيرة .. بعنوان “ترنيمة الخوف” .. بقلم/ هدي الشريف

وقف…….
يطل……
من شباك حجرتة يتأمل الحارة التي يقطن بها..حيث البيوت العتيقة المتلاصقة..التي تعانق شبابيكها وتغازل جدران حوائطها بعضها البعض من شدة تلاصقهما. تفوح منها رائحة العراقة وعبق الماضي المختلط بأنفاس سكانها .

ورائحة (أولاد البلد البسطاء ) الذين أ رتضوا أن يكون نصيبهم من القاهرة تلك الحوائط التي تعانقت معا في محاولة اخيرة لاحتضانهم .بعد أن انتهي عمرها الافتراضي أعاد ترميم جدرانها أنفاسهم .

يتأمل دكاكين الحارة وعزف سنان السكاكين علي حجر يديره بمشط رجليه .
سير الجحر الدوار يصاحبه صوت السنان القوي وهو يشدو … اسن السكاكين اانااا و المقص ….يتداخل معه في سيمفونيه صوت (القهوجي ) الذي يغلفه أصوات طرقعة الدومينو لبعض عواجيز الحارة ورجالها الذين اعتادو التجمع والسهر ليصفعون الحياة علي وجهها بعد عناء يوم شاق .

إنبعث من شباك الغرفة الملاصقة لغرفته ذلك الصوت اليومي الذي إعتاده كل ليلة فأصبح جزأ لايستطيع ان يكمل ليلته الا به….. صوت جاره الجزار … وهو يترجي زوجته أن ترضي عنه وتعطيه فرصة أخري ليستطيع إرضاء رغباتها الملتاعة وشبابها المتعطش الذي يبحث عن من يروي ظمأه.. فلقد وعده عطار الحارة أن يصنع له وصفة سحرية أخري يستطيع معها إشباع شبق زوجتة التي لا تخجل من التعبير عن رغباتها ..
إنها ليست اقل جمالا من جارتها وصديقتها المقربة زوجة تمرجي الحارة.. وكيف تقص عليها هي وجاراتهم مغامرات زوجها الصند يد..

كان قد أرتبطا بحكاويهن وهن يفترشن درجات السلم الخشبي .واللاتي لايتحرجن في ان تحكي كلا منهن حكاويهن السرية مع أزواجهن كل ليلة.. لقد إعتاد التلصص عليهن وإستراق السمع لتصله كل الحكايات الليلية .
..
لم يكن لديه صعوبه في أن يسمع و يشاهد بعض جيرانه المتلاصقة غرف نومهم مع غرفته.. إو من خلال شباك الحمام الذي يطل علي حمامات الجيران..
كانت سلوته في تلك الحكاوي و الأحاديث والمشاهد الساخنه العابرة اليه لتخترقه وتؤجج كل مافيه من خيالات متشوقه لإفراغ شوقه بأي طريقة وربما بكافة الطرق..
لم يكن يستطيع الزواج ولا تصلح غرفته الوحيدة لذلك..كان يعمل كاتب حسابات لدي تاجر الاقمشة بالحارة . ذلك التاجر العجوز الذي طالما مرت عليه زوجتة المترهلة البدينه لتجلس مكانه في المحل حينما لايستطيع النزول بسبب إصابته بداء السل..

كانت المرأة لا تتورع في أن تكشف عن اجزاء من جسدها عمدا وهي تحاول مغازلته .
دائما يحاول الإبتعاد عنها خشية أن يتورط معها في علاقة ربما أردته قتيلا من شدة بدانتها وكي لايفقد عمله إن شعر ذلك العجوز بتلك العلاقة فتنتهي أيضا علاقته بتلك الجنيهات القليلة التي يتقاضها كل أول شهر.. كان يتعمد الإنخراط ودفن عينيه في دفتر الحسابات . متعمدا عدم رفع عينيه حين يأتيه صوتها الفولازي الحاد وهي تحاول أن تتدلل بسخافة تفقده ماتبقي من مشاعر.. وربما شعر بإمتعاض حين تحاول العبث في جسدة بعينيها الحادتين كعيون البوم المتسعه.. ياله من مشهد مؤلم يصيبه بالغثيان حينما يجول بخاطره وربما يفقده الرغبه تماما في مضاجعة فتيات أحلامه وفي سيدات المنزل اللاتي يتعذبن من عدم قدرة أزواجهن علي ري أجسادهن المتعطشة ,
يعيده الي هدوءه صوت زوجة الجزار التي اعتادت فضح زوجها وإذلاله . متعمدة إن يعلو صوتها الذي يعلن عن غضبها الممزوج بالرغبة . لكنه سرعان مايتحسس رقبته خشية سكين الجزار ونصله المسنون إن حاول مغازلة تلك الزوجه ورفضتة.. وربما فضحتة عند زوجها وسيدات الحارة الأخريات التي لا تتحرج وهي تقص عليهن معاناتها الليلية لتنعي شبابها الذي ستنطفئ شموعة المتقدة علي سرير ذلك الجزار العاجز عن تلبية رغبات جسدها الثائر..

اصبح يعرف أدق أسرارهم الليلية أكثر مايعرف نفسه.. كان يستطيع أن يحدد متي ستقع المعركة ومتي تدخل زوجة الجزار الحمام لكي تطفئ لظي شوق جسدها بالماء.. وبات ينتظر صوت ضحكاتها الخليعة وهي تحكي لجاراتها عن تعاستها و ندمها علي موافقتها الزواج منه.. لكنها لم تجد حيلة لأن تمنع او تمتنع عن الموافقة علي استكمال هذا الزواج الذي سينقذها من عبث عيون زوج أمها بجسدها ولربما حاول التهجم عليها حين يكون المنزل فارغا..

ذلك الزوج السكير لم يكن يخجل أن يبوح لأمها في لحظة سكر بولهه بإبنتها الشابة
وكانت الام لاتملك من الشجاعة والحيلة لأن تقطع لسانه السليط او تحمي جسدها من لسعات النشايه او رأس حزامه الطائش إن حاولت إستنكار مايقوله ذلك السكير الماجن..
كان زواجها من هذا الجزار هروبا من قسوة العيش وقهرالفقر في ذلك المنزل تحت سقف واحد مع زوج الام الوضيع التي لاتفارق رائحه الخمر أنفاسه وكأنما كتبت مع أنفاسه عقدا ابديا

قرر . ان يتخلي عن ذلك الخوف المقيت الذي لايفارق أوصاله و يحاول البوح بعينيه الي تلك الشابة المتمردة الثائرة ويخلع جبنا ربما يسري في شرايينه ويمنعه أن يصرح لها.. انها ستجد ضالتها معه .
تمضي الدقائق تقاتله وهو يتلوي علي سريره متوسلا لااحلامه أن تطارد تلك الكوابيس التي طالما بصقت عليه .وكادت تفقده الرغبه في الحياة.. كيف تمحي ذكراه من الدنيا.. لن يستطيع الزواج ..لن يستطيع ان يكون اب لطفل جميل ..كانت اعظم احلامه ان لا ينقطع سلسال عائلته عن الذكر.. ماتت امه و ابوه وسبقهم اخوته وكأن الموت يعبث به ويتحداه كما تتحداه ظروفة المؤلمه.. اصبح وحيدا في ذلك العالم القبيح.
.
بين أصوات يعلو ضجيجها في وجدانه وبين ذكريات جريحة ونفس كسيرة . يعيش.. لايملك من امره شيئا..مثله مثل باقي اهل الحارة ..أصبحت الوحده سلواه حين تعانقه في انتظار أمل ربما يأتي يوما ما ..

علي ناصية احلامة يقف سجينا معذبا ..لا يبدد تلك الوحده الا دقات دفوف تأتي خافته ك ترنيمة يتردد صداها باذنه ترتد في اعماقه تصاحبها كلمة (الله “الله.. الله “الله.. الله.. الله )
صوت الدراويش والذاكرين في جوف الليل يحلق به في افق ممتد.. ( “الله.. الله.. الله الله.. الله.. الله )
قرر ذات يوم ان يلاحق صدي الصوت ويقتفي اثره.. لكنه سرعان مايتراجع…وكأنما هناك من يدعوه الي عدم اكتشاف سر الدراويش.. وربما اوقفه خوفه الحبيس. هو ليس مغامرا بطبعه … افقده القهر والفقر والوحده القدرة علي ان يتمرد علي خوفه ..يتراجع…. يقرر…. وبين القرار والتراجع عنه.. يتلاشي امله في عبور زنازين خوفه العميقه..

يدير مؤشر الراديو باحثا عن أنيس.. لكن لا انيس يبقي.. تنتهي الاغنيات وتفارقه.. وهو مازال حبيسا .. الما و خوفا و قهرا و رغبه في التحرر من مخاوفه وبين تأملاته وخيالاته واحلامه الذبيحه.. وبين سكين الجزار .. وزوجة التاجر . صوت الدراويش ….يذوووووب و يتلاشي …..

زر الذهاب إلى الأعلى