أدب و فنشعر و زجل

قصة قصيرة بعنوان .. الشرنقة .. بقلم .. الشاعرة القاصه .هدي الشريف

و جلست تمتطي سجادتها داخل بيتها الدافي تحتويها جدران المنزل المنقوشه عليه كل ذكرياتها.. ابتسامات الأهل.. الضحكات الرنانة الدافئة في ليالي الشتاء ..صحون الطعام الساخن التي لاتبرد أبدا.. لعب الأطفال.. الاحتواء.. البسمة علي شفاة بلسمية تحتوي كل الاهات .

مازالت صغيرتها تنتظر الخروج من عبائتها لتخترق كل هذه الحواجز والجدران لتقرر
إنها “لن تعيش كما عاشت أمها” ترفض ان تكون مثلها …تكره تلك الطيبة التي لاتبرح قلبها.. تكره ان تكون خانعة مثلها تخدم الجميع.. تتدبر احوالهم … ودائما ينتابها شعور بكارثة قادمة قد تهدد عالمها الصغير..فتظل في دعاء دائم .
ارتضت ان تكون لهم خادمة رقيقه توزع الابتسامات من روحها وقلبها الطيب..
تفرد اجنحتها لتحمي أسرتها من اي خطر قادم .

كانت امها بسيطة التعليم .. غنية العطاء.. ملاكا تجسد في هيئة سيدة ..
وبالرغم من انها زهرتها التي تستمد منها رحيق العطاء.. الا انها كانت دائمه الخلاف معها… صراع بين بنت ترفض ان تري الطيبة مطلقه والعطاء المطلق
ربما لان هذا العطاء اصاب من لايستحق من الجيران والاهل..
ورغم رفضها لان تكون نسخة من امها وتطلعها الي عالم يتسم بالندية لاعطاء الا بعطاء ولا حب الا مقابل حب ولا خوف الا لما يستحق الخوف ولا توزيع لإبتسامات الا لمن يستحقها.. الا انها كانت تتصرف دائما كما تتصرف امها الطيبه بلا وعي منها .

دقات متتالية سريعة علي الباب كتوالي السنين التي مرت كمرور وميض ضوء لم تستطع الامساك به..
تجري مسرعه يلاحقها صوت امها “حطي طرحة علي راسك ليكون حد غريب”
يستوقفها صوت امها الذي سبقها وكأنه يحول بينها وبين الباب.. تتحسس شعرها.. تلتفت الي امها التي مازالت تمتطي السجادة.. تصيبها الدهشة… يااااااه..
كانت منذ قريب تخرج الي الشارع بدون طرحة.. تتلمس خدودها.. تنزل بعينيها شاخصة تنظر صدرها النافر.. لم تشعر بمرور السنين.. جاء صوت امها الذي سبق خطواتها ليعترض ويلفت انتباهها بأنها لم تعد صغيرة.. وأن ( خراط البنات ) قد قام بتشكيل جسدها الجديد.. حيث اهداها نهودا نافرة وجسد ممشوق ثائر وشعر كستنائي طويل تغار منه زنوبيا وملامح نيلية وغمازات سحرية و ..و.. و.. و

حان الان موعد خروجها من بيت اهلها الي اول المتقدمين لها من شباب الحي..
حيث انتبه اهلها انها سوف تكون سببا في اقتتال كل ابناء الحي.. فباتت تحت رقابة شديدة.. لا تفتح شباكا.. لاتخرج الا بصحبة جيش من الاهل كي يستطيعون حمايتها من عيون وقحة تملؤها الرغبة و عيون مبتسمه تتمني الوصال
خرجت من بيت اهلها علي دقات دفوف تعلن زفافها و تحررها بنفس الوقت

تنظر الي امها سيدة الطيبه وصاحبة الشفاة المبتسمه ..
عينيها تلمع وتؤكد انها لن تعيش ممتطيه سجادة كما امتطها امها الطيبة..
لكنها ستمتطي أحلامها ..لن توزع الابتسامات الا لمن يستحق..
ولن يملك ذلك القلب الا من يرضيه..

ابت ان تكون مسخا من ام طيبة اعتزلت العالم وظلت بين دفئ جدران غرفة تفوح منها رائحة الطعام ممزوجه برائحة ذكيه قتلت غدرا.. حينما هجر شريكها الحياة.. لم تملك الا ان تمتطي سجادتها للابد.. تستصرخ نقوش الذكريات علي أمل لقاء في عالم رحب بسجادة تتسع أن يمتطوها سويا ..
ابت ان تكون نهشا لذكريات ..تغتال انوثتها كما اغتال الموت ابيها تاركا لامها بعضا من جدران وبعضا من دفء ومزيجا من تقاليد لاترحم

ظلت صورة امها تلاحقها.. تطاردها.. ظلت امها فيها حتي بعد ان غادرت تلك الجدران
كانت دائما تتلمس طريقا آخرللحياة ..غير حياة ممتطية فيها سجادة منتظرة الموت .
وامام المرآه جلست تتأمل شعرات بيضاء تتسلل من شعر يتساقط وينزوي خجلا..
باكيا علي ايام خوالي .

ركبت سيارتها لتلحق موعد خروج ابنتها من الكلية.. في الطريق ..طفل صغير يجري يعبر الشارع تصدمه سيارة مسرعة علي الجانب الاخر لها.. تشهق شهقة خلعت قلبها المرهق.. نزلت تاركة سيارتها.. سحبت جسده النحيل بايديها المرتعشتين من تحت عجلات السيارة.. تحسست وجهه مسحت قطرات دماء تتصبب من جبينه.. تضمه بين ذراعيها لتحميه من تجمع بشري احاط بهما لم تكن تدرك ماتفعل ..حملت الطفل الي بقعة ظل لتحميه من اشعة الشمس.. تفحصت جسده….كانت سحجات وخدوش وجرح بسيط في جبهته.. كان الطفل يمسك بها بقوة ..عيناه تناشدها الا تتركة.. ابتسمت له..
قالت لن اتركك اطمئن ..انا ابنة تلك السيدة التي تمتطي السجادة.. ولم استطيع خلع عبائتها..

تمت

ربما تحتوي الصورة على: ‏شخص واحد‏

زر الذهاب إلى الأعلى