مقالات

تحالف السلطة ,والمال ,والإعلام …بقلم/ عاطف محمد عبد الوهاب

تحالف السلطة والمال والإعلام بقلم/ عاطف محمد عبد الوهاب

 

تحالف السلطة والمال والإعلام! من المستحيل تصور قيام نظام ديمقراطي حقيقي في بلادنا، أو في أي بلد في العالم إلا علي أسس واضحة من المشاركة والحرية والشفافية وحكم القانون.. وبغير هذه الأسس يسود تحالف الفساد والاستبداد، ونظن أنه سائد في أنحاء كثيرة ودول متعددة، تحتل بلادنا السعيدة مرتبة متقدمة في إطاره، حيث صنفها أحدث تقرير دولي عن حالة الحريات في دول العالم، صادر عن بيت الحرية الأمريكي، ضمن الدول التي لا تعرف الديمقراطية ولا تعترف بالحريات! ورغم تحفظنا علي المعايير التي يعتمدها هذا التقرير، ويعتمدها عادة بيت الحرية هذا بالتحديد، إلا أن حقائق ما نعيشه ونعرفه عن أحوالنا، خصوصا في ظل التردد الواضح في إجراء إصلاحات ديمقراطية حقيقية، تعطينا المؤشرات الأهم عن سيادة مفاهيم الفساد والاستبداد المتحالفة للقبض علي مصائر الوطن بكل شراسة! ولعل أهم هذه المؤشرات تكمن في صعود قوة رأس المال واختراقها لمفاصل السلطة بكل أجهزتها السياسية والبيروقراطية، وصولا لتحالف ثلاثي بعد أن اخترقتا معا الإعلام بما يعنيه من قدرات علي التأثير.. وبدون محاسبة أو شفافية.. وبداية نقرر أن نظم الحكم في الدول الغربية الديمقراطية قامت خلال مسيرة تقدمها علي قوة رأس المال، وأن أصحاب رءوس الأموال شكلوا باستمرار آلات رفع جبارة لبناء الاقتصاد القومي، وبالتالي شكلوا عناصر تأثير كبيرة في صياغة السياسات العامة وفي اتخاذ القرارات، باعتبارهم جماعات مصالح يعملون علي تحقيق مصالحهم والتعبير عن سياساتهم، سواء باستغلال الإعلام وتأثيره المباشر علي الناس، أو باستغلال نفوذهم وتأثيره المباشر علي دوائر صناعة القرارات وصياغة السياسات.. لكن مقابل ذلك فإن هذه النظم وقد اتخذت الديمقراطية أسلوبا للحكم خضعت للرقابة والمحاسبة والمساءلة وقواعد الشفافية، عن طريق البرلمانات المنتخبة بحرية ونزاهة، وعن طريق الصحافة والإعلام الحر المستقل، وعن طريق الرأي العام المستنير والواعي، القادر علي محاسبة المسئول، بل وعلي اسقاطه بالتصويت ضده في الانتخابات، ومن قبلها في استطلاعات الرأي. هنا تكمن حكمة أن الديمقراطية قادرة علي تصحيح أخطائها وفق آليات وأساليب محددة ومعروفة هناك، أما هنا فالأمر مختلف! الأمر مختلف لدينا لأننا ببساطة لم نصل إلي مرحلة الاقتناع بالفكر الديمقراطي وممارسة أساليبه، بعد أن غرقنا لقرون طويلة في بئر التخلف والاستبداد المتوارث، وبعد أن قاطعنا التواصل مع ذلك الجزء الآخر من العالم الذي أبدع الديمقراطية ومارسها، وبعد أن استقر الميراث الاستبدادي علي مقولات كاذبة، بأن ديننا وحضارتنا وثقافتنا تعادي الديمقراطية، لأنها من إنتاج الغرب المعادي! والدليل أننا مازلنا حتي اليوم، ورغم كل الحديث الصاخب عن الإصلاح الديمقراطي نراوح مكاننا دون تقدم حقيقي، بل علي العكس نري تحالف الفساد والاستبداد هو الذي ينجح دائما في اجهاض كل خطوة إصلاحية قبل أن تكتمل! ہہہ ونظن أن نموذج التحالف بين الاستبداد والفساد واختراقهما للإعلام، هو النموذج الأكثر شيوعا في المنطقة العربية، خصوصا بعد تراكم الثروات واستنزاف مصادرها الطبيعية، مثل النفط، وبيعها للمستهلكين في الغرب والشرق، وتحول الاقتصاد إلي اقتصاد ريعي بدلا من أن يصبح اقتصادا إنتاجيا، وبالتالي أصبحت قوة المال هي الحاكمة وقوة الإعلام هي المروجة، بعد أن أخذت نصيبها من المال، وقوة السلطة العليا هي التي تتجمع عندها وفي قبضتها قوتا المال والإعلام.. وفي مصر علي سبيل المثال تمكنت قوة المال من العودة سريعا إلي التحالف مع قوة السلطة، بعد عقود قليلة من الانفصال بينهما بسبب ما جاءت به ثورة يوليو 1952 من مبادئ وأفكار وسياسات، كان هدفها إعادة توزيع الثروة القومية لصالح الفقراء والمهمشين، وتقليص هيمنة أصحاب رءوس الأموال علي الحكم. لكن الأمر لم يستمر طويلا، بعد أن عادت مصر إلي سياسة الانفتاح الاقتصادي في منتصف سبعينيات القرن الماضي، وصولا لسياسات تشجيع الاستثمارالوطني والأجنبي، بإصدار قوانين وقرارات تشجع وتسهل وتمنح مميزات بلا حدود، جنبا إلي جنب مع فتح أبواب الاستيراد وظهور الوكالات التجارية للشركات الأجنبية، امتدادا لازدهار ما يسمي بالاقتصاد الأسود، الذي يضم تجارة المخدرات والسلاح والعملات والدعارة والتهريب وتوظيف الأموال.. هكذا اختلط الحابل بالنابل، اختلط المستثمر الحقيقي بالمهرب.. لكن نفوذ الجميع صعد إلي أعلي واخترق مؤسسات الدولة، مثلما اخترق الصحافة والإعلام وبدأ تأثيره واضحا علي صنع القرار وصياغة السياسات، اعتبارا من تسعينيات القرن الماضي، واستطاعت قوة المال النافذة في دوائرالسياسات، دفع ممثليها المرموقين، إلي مناصب الوزراء، كما هو الحال مثلا في الحكومة الحالية برئاسة الدكتور أحمد نظيف، ودفع نوابها إلي البرلمان، عبر انتخابات عام 2000، ثم الانتخابات الأخيرة عام 2005، التي فاز فيها 77 من رجال الأعمال بعضهم من الحيتان الكبيرة، والبعض الآخر من الأقل حجما! ولقد أدي نفوذهم القوي في الحكومة والبرلمان، ثم في الصحافة والإعلام إلي التأثير المباشر علي توجيه السياسات وصياغة القوانين والتشريعات، التي تطلق اقتصاديا السوق وتفتح أبواب الاستيراد في ظل منافسة غير متكافئة، مما قضي علي أمل تقدم الصناعات الوطنية، مثل الغزل والنسيج التقليدية، وحوٌل الاتجاه من الاقتصاد الإنتاجي إلي الاقتصاد الخدمي من الصناعة إلي السياحة، ومن الزراعة إلي سمسرة العقارات، ومن التصدير إلي الاستيراد بالوكالات التجارية، وفي نفس الوقت أسرفت الحكومة والبرلمان في إصدار القوانين التي تخفف العبء عن رجال الأعمال، وتضاعفه علي المستهلكين والفقراء، مثل قوانين تعديل الضرائب والجمارك والاستيراد والاستثمار.. الخ. والنتيجة.. سقطت مقولة ثورة يوليو، بمنع سيطرة رأس المال علي الحكم وهيمنة نصف في المائة علي ثروات البلد، وعادت ‘ريما لعادتها القديمة’ ربما بأشرس مما كان، فاتسعت مساحات الفقر وزادت البطالة، وارتفعت الأسعار بصورة جنونية وتجمدت الأجور.. وشاع الاحتقان الاجتماعي والسياسي علي نحو ما نري، بعد أن انقسم المجتمع!! يقول تقرير الاتجاهات الاقتصادية الاستراتيجية الصادر حديثا عن مؤسسة الأهرام: إن الآليات الرئيسية للإفقار والتهميش تتمثل في عدم عدالة النظام الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، والسيطرة المتزايدة لرأس المال علي الحكم في مصر، وجمود الحد الأدني للأجور وفساد نظام الرواتب والأجور، وعدم اتساقه مع الزيادة الهائلة التي حدثت في تكاليف المعيشة، مما جعل الملايين حتي من العاملين في جهاز الدولة والقطاع الخاص فقراء بالفعل.. وقد أدت هذه السياسات والآليات إلي زيادة الفوارق الاقتصادية الاجتماعية، بين الطبقات والأفراد، مما زاد من تركز الثروة في أيدي القلة، مقابل زيادة مساحة الفقر عند القاعدة، التي أصبحت تضم معظم الطبقة الوسطي، فالأغنياء ازدادوا غني والفقراء ازدادوا فقرا وبؤسا، حيث نسبة عشرة في المائة هم الأكثر غني يستحوذون علي نحو 27 % من الدخل القومي في حين أن أفقر عشرة في المائة من المواطنين لا يستحوذون إلا علي 3.9 في المائة فقط! ہہہ وهذا يعني ببساطة أن خللا اجتماعيا اقتصاديا خطيرا يحدث في تركيبة الشعب المصري، يقوده ويستغله تحالف قوة المال وقدرات السلطة ونفوذ الإعلام، الأمر الذي ينعكس في اتجاهين، اتجاه يطوع السياسات والقوانين لزيادة ثروات ونفوذ قلة من الأثرياء المتحكمين، واتجاه يدفع بملايين الفقراء إلي التهميش والاحباط والاحتقان! وبينما يحدث هذا التناقض الفج يجري تعديل الدستور والقوانين، ليحقق في الواقع مزيدا من مصالح الأثرياء الأقوياء، ولا يصون حقوق الفقراء، بل إنه لا يساعد في مد شبكة الأمان الاجتماعي فوق الملايين، التي صار كل همها البحث عن لقمة العيش، قبل الحديث عن الديمقراطية والإصلاح الدستوري. في حين يجري الإعلام والصحافة في مصر نحو منزلق عميق، بعد أن اخترقهما تحالف المال والسلطة، وطوعهما لسياساته ومصالحه، فعلي سبيل المثال فإن الصحافة القومية الكبري والإذاعة والتليفزيون المؤثرين علي 90 في المائة من الرأي العام ملك للدولة، وتحت سيطرة السلطة الحاكمة بشكل مباشر، بينما بدأت القوة الحليفة (رأس المال) في الاستحواذ علي نصيب من كعكعة الإعلام والصحافة، لإكمال حلقة الهيمنة باسم تحرير الصحافة والإعلام من القبضة الحكومية!! ومقابل محطات التليفزيون والإذاعة الحكومية فإن أهم ثلاث محطات خاصة وهي (دريم)، و(المحور) و’أو. تي. في’ ملك لكبار رجال الأعمال، وبالمثل أهم صحيفتين صدرتا في السنوات الأخيرة: ‘نهضة مصر’، و’المصري اليوم’ ولا شك أن تنوع الملكية لوسائل الإعلام واستقلالية الصحف مطلوبة وايجابية لصالح حرية الصحافة والرأي والتعبير، ولكن خضوع الصحف ووسائل الإعلام، خصوصا التليفزيون الأكثر تأثيرا، للهيمنة المنفردة سواء لقوة السلطة الحكومية، أو لقوة المال، خطر، ليس فقط علي السياسة والاقتصاد الهادفين لبناء حكم رشيد، ولكنه خطر علي فكرة الحرية بحد ذاتها، ومهدد لأي تقدم ديمقراطي… وهذا ما نحذر منه! لقد اخترع الإنسان الحكومات ونظم الحكم، لا لتمارس الاستبداد، ولكن لتنظيم حركة المجتمع وعلاقات طبقاته وأفراده، بالعدل والقانون، واخترع لها الديمقراطية لتمارس بها هذا التنظيم المجتمعي، واخترع الحريات والحقوق ليرتقي بها الإنسان، واخترع الفضيلة لتكون وسطا بين إفراط وتفريط! فأين نحن من كل ذلك؟… خير الكلام: يقول المتنبي: آلة العيش صحةى وشبابى فإذا ولٌ يا عن المرءً ولٌي

زر الذهاب إلى الأعلى